ثقافة رسالية

العقل هو الدين (17) الصداقة مع الأخلاق والطريق الى صداقة الناس*

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: ولا قرين خير من حسن الخلق”، الإنسان بفطرته يحتاج الى قرين أي صاحب، لكن أفضل قرين هو حسن الخُلق، فهو القرين الأفضل للمرء في الدنيا وفي القبر، لأنه ـ حسن الخلق ـ الذي يجلب الأصدقاء، ويحبب الناس الى صاحبه، ويحبب الناس إليه، وبالتالي يستطيع أن يعيش صاحب الخلق الحسن مع الآخرين وإن خالفوه في المعتقد.

حتى العدو يتحول الى صديق بفعل حسن الخلق، {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، وبه أيضا يقبل الناس كلام صاحبه، يقول  الله ـ تعالى ـ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وهذا هو لين العريكة، والسلوك، وما اشبه، {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً}.

بحسن الخلق يتعايش الإنسان مع اعدائه، ومع الجهلاء من الناس، فبدون حسن الخلق يكون العيش غير ممكن

قال ابن جعدية: “سبَ رجلٌ الإمامَ زين العبادين، عليه السلام، فسكت عنه فقال: إياك أعني، فقال عليه السلام: وعنك أغضي”.

فبحسن الخلق يتعايش الإنسان مع اعدائه، ومع الجهلاء من الناس، فبدون حسن الخلق يكون العيش غير ممكن، فمن يضيق صدره تسوء أخلاقه، وبعكسه سعة الصدر.

 فعلى سبيل المثال، قد يعيش البعض بين أناس يمارسون عادات سيئة، فإما أن يتحمل ذلك بسعة صدره، أو يضيق صدره حينها لا يكون له قدرة على التحمّل، وصاحب الحالة الأولى ـ سعة الصدر ـ يستطيع أن يعيش أنّى كان، ومصاديق حسن الخلق كثيرة منها:  ـ لا على سبيل الحصرـ ؛ المحبة، والتعاون، والعفو، والصفح وما أشبه، فضلا عن مكارم الاخلاق التي وردت بالتفصيل في دعاء مكارم الأخلاق، للإمام زين العابدين، عليه السلام.

ولهذا فإن شخصية الإنسان بأخلاقه، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، هكذا كانت شخصية النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وإذا تمعنا في الآية فإنه يقول: {خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وليس أي خلق!

فأفضل صديق للإنسان هي الأخلاق الحسنة، لأنه بدونها لا يستطيع أن يعيش أو أن يتعايش مع أحد بأي شكل من الأشكال، ولذا قد نرى شخصا في المحيط الذي نعيش فيه، لا يتمتع بحسن الخلق، فيكون من حوله لا يطيقون التعامل معه، وتراه يعيش في خضم العقد النفسيّة، فيتحمله الناس ظاهرا وهم غير راضين به، وعلى حسب التعبير الدراج ( ثقيل دم).

فمدراة الناس ومجاملتهم من الأخلاق، لكن يجب عدم الخلط بين النفاق والمجاملة، وقد يخلط البعض بينها ـ المجاملة ـ وبين والخجل؛ فمجتمعاتنا ليست مجاملة بل خجولة.

المدارة هي صفة أخلاقية عالية من خلالها يستطيع المرء، أن يدير و يربي، ويعلم الآخرين، وما أشبه، وبالتالي يكسب محبتهم

 والمدارة هي صفة أخلاقية عالية من خلالها يستطيع المرء، أن يدير و يربي، ويعلم الآخرين، وما أشبه، وبالتالي يكسب محبتهم، أما المجاملة فهي غض الطرف عن أخطاء الآخر وتنبيهه إليها بطريقة غير مباشرة.

“لا قرين كحسن الخلق”، بالإضافة الى مصاديق مكارم الاخلاق، يكون العلم والتعلم أيضا من حسن الخلق، وكذا الابداع والحيويّة والنشاط، أما الملل والكسل، والضجر فهي من الأخلاق السيئة.

“ولا ميراث خير من الأدب”، الميراث الذي يجب أن نتركه لأولادنا ولمجتمعنا هو الأدب؛ ويكون في التعامل، والكلام، والاستماع، وأدب قراءة القرآن، وأدب السفر والحضر، وما اشبه، فلكل شيء آداب، ووردت جميعها في كتب الأخلاق والآداب، ومخالفة الآداب لها انعكاسات سلبية على شخصية الإنسان.

بعض الآداب جيدة في المجتمع ومن الحسن تعلمها، أما إذا كانت عادات وآدب غير جيدة فيجب تركها.

نحن بحاجة الى تعلّم الآداب وهذا خير ما نتركه، فالطفل الصغير يتعلم من سلوكياتنا، وكذا الصديق، لأن الناس تقلّد بعضها بعضا، صحيح أن العقلاء يطورون ولا يقلدون في كل شيء، وإلا فليس ما هو موجود كان من الصفر، بل كان عبر التقليد والتعلم؛ فالطفل يقلد أمه وأباه، ثم يقلد صديقه، ثم المجتمع.


  • إعداد هيأة التحرير.

عن المؤلف

آية الله الشهيد المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

اترك تعليقا