بصائر

الإعلام العراقي ورسالة الحفاظ على القيم الاجتماعية *

{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}.

ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، والتي هي الليلة الثالثة من ليالي القدر المباركة، كانت عبارة عن انتفاضة روحية كبرى، حين أن ملايين المؤمنين تضرعوا الى الله ـ تعالى ـ، في سواد تلك الليلة، والكل كان يأن ويتضرع، ويتحدث بلغة القلب مع الرب ـ سبحانه وتعالى ـ، فهذا يدعو لغفران الذنوب، وذاك يدعو يسأل الحاجات المختلفة، سواء على المستوى الشخصي، او على مستوى حاجات الأمة.

فالبعض أحياء هذه الليلة في بيته، والآخر في الجامع، والكثير احيوا حول مراقد أهل البيت، عليهم السلام؛ في النجف الاشرف؛ وفي كربلاء المقدسة، وفي الكاظمية، كلهم هؤلاء احيوا هذه الليلة، برجاء أن يستجيب لهم ربهم، حينما يتوسلوا بالنبي الأكرم، وأهل بيته، صلوات الله عليهم.

والله ـ تعالى ـ هو الذي أمرنا بأن نبحث عن الوسيلة اليه، يقول ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. الجهاد في سبيل، والتقوى مطلوب؛ لكن ينبغي ان نبحث عن الوسيلة، يقول الله: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}.

 

على الاعلاميين ان يكونوا اكثر وعيا، فليس كل خبر يحدث في الشارع يصلح للنشر

 

عشرات الآلاف من العراقيين أحيوا ليلية القدر بجوار ابي عبد الله الحسين، عليه السلام، بتلك الروحية الايمانية العالية، وهذا هو واقع الشعب العراقي، وتلك هي القاعدة الشعبية الكبرى؛ ولكن هنا لا بد من تساؤل: لماذا نجد ـ مع هذه القاعدة الايمانية الكبرى والصلبة، والتي تتواصل مع رب العزة، ومع الملائكة، ومع الانبياء، والنبي وأهل بيته ـ لماذا نجد مع كل ذلك محاولة البعض افساد ضمير الأمة؟

 

  • دور الإعلام في إفساد الروح الايجابية

لماذا نجد بعض الأقلام ـ الجاهلة، أو المتجاهلة ـ تحاول ان تنبش في القضايا التي تسبب الاختلاف بين الطوائف، وبين المذاهب، وبين ابناء الامة الواحدة..؟

ألم يسمع هؤلاء قول الله ـ تعالى ـ: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ}، فلماذا بعد الاصلاح، وبعد نِعم الله علينا، واصلح حالنا، ورزقنا هذا الايمان، وهو اعظم نعمة، لماذا بعد كل ذلك؛ يحاول البعض ان يتحدث لا اصل له، ويشكك؟

نحن حينما نرجع الى القرآن الكريم، ونقرأ آياته، نجد كيف أن ربنا يأمرنا بأن ننظم حركة السنتنا، لنتحدث بكلمة مؤدبة، يقول الله تعالى: { وَقُلْ لِعِبَادِي}، فنحن عباد الله، وهذا الخطاب موجه الينا جميعا، {يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، يبحثوا عن احسن الكلمات وافضلها حتى يمكنهم التحدث بها، ويجب الابتعاد عن الكلمات النابية، وغير الأخلاقية.

وغربية تلك الأقلام المأجورة، أو الجاهلة، أو المتجاهلة، أن تبحث عن كل سيء، وكأنها ذبابة تذهب أنى شاءت، بخلاف النحل الذي يبحث عن الزهور والورود، والبعض كالذباب يبحث عن المستنقعات والفيروسات.

ثم يقول ربنا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ}، فالشيطان يحاول ان يلقي في روع الانسان الكلمات النابية، ثم يحاول ـ ايضا ـ ان يفرق بين الناس، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}، فهو عدو واضح، فيجب ان نتجنبه، ونتجنب القاءاته، وخطواته، ومن ثم نتحرك في الاتجاه المعاكس له.

 

  • لماذا الإعلام منفلت؟

حين يتخرج الاطباء يذهبون الى الحلف المقدس، بأن لا يخونوا علمهم، وكذلك العسكريون يحلفون لكي يكونون أوفياء لقيم بلدهم، وهنا لا بد من طرح تساؤل: لماذا لا يقوم الاعلاميون بهذا الدور؟

ولماذا نجد أن من استطاع ان يكتب بضع كلمات، نرى ان هناك من ينشر ويروج له ـ ويجد أيضا ـ من يستمع إليه؟

ونحن هل يجوز لنا ان نستمع الى كل قول؟

وهل يمكن أن نجعل قلوبنا لكل فكرة سلبية؟

نحن لا ندعو الى كمِّ الأفواه وكسر الأقلام، وسد القنوات والمنابر الاعلامية المختلفة، لكن على الإعلامي أن يتلزم الرقابة الذاتية ـ بينه وبين الله ـ، فلا يجب أن يتحدث بكل شيء، كذلك فإن من يقف خلف هؤلاء الاعلاميين، عليهم ان يعرفوا ان تسميم الاجواء، ونشر الكلمات السيئة، وحسب التعبير القرآني: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا}، أن كل ذلك ليس من مصلحة أحد، وهذا هو الذي يفسد البلاد والعباد.

وعلى عامة الناس ـ وهذا من واجبهم ـ إذا رأوا أن أعلاميا، او جماعة ما، يحاولون جعل الحق باطلا، او العكس، أن يقاطعوا تلك الجماعة وذلك الاعلامي، ولا يكون المجتمع مما يقول يوم القيامة: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}، والله ـ سبحانه وتعالى ـ نهى في كثير نت آياته بعدم الجلوس مع أناس يقولون كلاما غير صحيح، أو كلاما باطلا، فلا يستمع لهم، ولا يخوض معهم، قال ـ تعالى ـ:

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً}، ويقول أيضا {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}.

 

  • كيف نتحصن من الإعلام المعادي؟

ومن جهة أخرى فإن على الذي يستمع الكلام الصحيح أن يتبنى نشره، فالشعب يجب أن يكون له مراكز النشر الخاصة به، لا أن ينتظر الى الآخر لينشروا عنه، أو يعتمد على المؤسسات المدعومة من الدول الاستعمارية، او الاحزاب التي تتصل بتلك الدول، أو اي إنسان غير ملتزم بالمبادئ والقيم.

فمثلا الخطباء مؤسسة اعلامية مستقلة، فلا هي تعتمد على البتردولار، ولا على الاحزاب ذات المصالح الخاصة، فلإن اعتمادها على الله ـ تعالى ـ.

ولهذا على شعبنا ـ العراقي ـ أن يظهرالمزيد من الاهتمام أن تكون له مؤسسات اعلامية خاصة، من القنوات الى الاذاعات، وبقية الوسائل الاعلامية الاخرى. وكل إنسان مؤمن كما هو مسؤول عن نفسه، فهو مسؤول عن الآخرين، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”. وقال صلى الله عليه وآله، في خطبة الوداع: نظر الله عبدا من أمتي سمع مقالتي فوعها ثم بلغها لغيره”. فالمؤمن يسمع المقال فيعيه، ثم يبلغها بأي وسيلة كانت، سواء عبر التواصل الاجتماعي، او الاذاعة او اي وسيلة كانت. وأيضا ـ يجب ـ ان يكون كل واحد منا مؤسسة اعلامية قائمة بذاتها لنشر الأفكار الصحيحة، وقطع الطريق عن اولئك الذين ينشرون الافكار الخاطئة.

 

حين يتخرج الاطباء يذهبون الى الحلف المقدس، بأن لا يخونوا علمهم، وكذلك العسكريون يحلفون لكي يكونون أوفياء لقيم بلدهم، وهنا لا بد من طرح تساؤل: لماذا لا يقوم الاعلاميون بهذا الدور؟

 

وايضا على الذي يعمل عملا ـ اي عمل ـ يجب ان يعلن عنه، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، فالمؤسسات والعاملون يجب ان يكون لديهم مؤسسات اعلامية لنشر اعمالهم، حتى يتم قطع الطريق على اولئك القوالين.

وما دام العراق على ابواب استحقاق انتخابي، علينا ان لا نسمم الأجواء، فمن يريد أن يصل الى هدف، يجب عليه أن يبيّن هدفه، ويوضح ايجابياته، ويطرح مصلحة البلد، لا أن يتم التهجم على الآخر بما ليس فيه، وهذا الكلام سيصبح إما تهمة او غيبة، او نميمة، وبالتالي نشر فاحشة القول، وهو لغو الحديث.

ولذا يجب أن نعرف أننا مسؤولون عن كل كلام نقوله، فليس من السهل ان يتنازل الإنسان عن مبادئه، ويتكلم عن الآخر بما ليس فيه، و يفسد ضمير الأمة، ويخالف الآية الكريمة: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}.

ومن هنا فإن على الاعلاميين ان يكونوا اكثر وعيا، فليس كل خبر يحدث في الشارع يصلح للنشر، فإذا كان هناك مجموعة من الاشخاص رفعوا شعارات سلبية وغير صحيحة، فلا يجوز ابراز كلامهم ونشره.

وكذلك على السياسيين ان يتركوا كل عمل منافٍ للأخلاق، وعليهم التزام الاخلاق الحسنة في الدعاية والاعلام، فالكذب والدجل، وبيان السلبيات، وغيره يجب يبعد عن أي حملة اعلامية. فبيان الحق وايضاحه للناس كفيل بتأييد الله وتوفيقه. أما من يلجأ الى توزيع الاموال على البسطاء، ليخرجوا الى الشارع لنشر بعض الكلام السلبي والسيء، فإن تلك الاساليب اصبحت معروفة لدى الجميع، ولذا فحين ينقطع التمويل عن اولئك البسطاء والمأجورين، لا تراهم أبدا!

————————————

  • مقتبس من المحاضرة الاسبوعية لسماحة المرجع المدرسي

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا