مكارم الأخلاق

تأملات في دعاء الأخلاق (18) كيف تمتلك شخصيةً قوية؟

يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام، في سياق ما يزين المؤمن، وهي من حُلى المتقين: “وَاخَفْضِ الْجَنَاحِ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ، وَسُكُونِ الرِّيحِ”

كما ان الكل في يوم القيامة يتحسر سواء كان المؤمن او الكافر، ولهذا السبب فإن احد اسماء هذا اليوم، هو يوم الحسرة، فكما أن هناك حسرة، كذلك في الدنيا فإن هناك حسرة، والحسرة في الآخرة مرتبطة بميزان الاعمال من قبيل: الحصول على الكثير من الصالحات، او العكس، واعظم حسرة في يوم القيامة، هي حسرة رجل أمر بمعروف فلم يعمل به، فعمل به الآخر، ونال الجنة.

كذلك في الدنيا، فالإنسان الذي لا يسعى الى كسب مكارم الأخلاق، فإنه يتحسر، فالشباب ـ أكثر من غيرهم ـ لهم القدرة على قلع جذور المفاسد الأخلاقية من قلوبهم، وزرع الأخلاق الحسنة، والإرادة في مرحلة الشباب تكون في اوج قوتها، لكن عندما يكبر الإنسان فإن ارادته تخور، ولهذا جاء  في الحديث الشريف: “اغتنم خمسا قبل خمس.. منها شبابك قبل هرمك”.

فمن يريد الاقلاع عن التدخين فإن مرحلة الشباب من المراحل المساعدة للإقلاع، لكن إذا تجاوز الإنسان هذه المرحلة العمرية ـ مرحلة الشباب ـ فإنه كلما حاول يفشل، او يجد الصعوبة البالغة في ذلك.

ينقل احد المؤمنين قوله: كنا في صحن أمير المؤمنين، عليه السلام، وكنا بصحبة أحد العلماء الكبار، وكنا نقرأ الزيارة، وفجأة قام هذا العالِم واتجه صوب السقاء، فيما بعد تبين أن هذا العالم كان صديقا لذلك السقاء.

 

الإنسان الذي زوده الله بنعم الجوانح التي تعتبر مصادر قوة لديه، فإن عليه أن يسيطر عليها، لا ان تكون هي المسيطرة عليه، فإذا امتلك علما، أو مالا، او جاهاً، فلا بد أن يكون هو المسيطر

 

يقول العالم: كنا ندرس سوية، وكان هذا السقاء اذكى مني، ولكن صعوبات الحياة جعلته يترك الدراسة ويتجه للعمل.

وبعد أن تجاذب العالم وصديقه السقاء اطراف الحديث، قال السقاء: الآن اتحسر على تلك الأيام كلما ذكرتها، صحيح أن الصعوبات كانت موجودة، لكن كان بإمكاني أن اتحمل تلك الصعوبات، لكنني تحمل فيما بعد اضعافها في مسيرة حياتي.

في طفولتنا؛ كان سماحة السيد المرجع الوالد ـ حفظه الله ـ يجري بيننا مسابقة حفظ الادعية، وتلك الادعية التي حفظتُها في تلك الفترة، لا زالت محفوظة، لكن الآن كلما حاولت أن احفظ، فلا استطيع! فحين نقرأ المواعظ الاخلاقية ـ في هذا الدعاء أو في غيره ـ ليس لنقول: الله كم هي جميلة هذه الادعية! بل نحاول ان نطبقها في حياتنا اليومية.

“وَخَفْضِ الْجَنَاحِ”

تتمثل قوة الطير في جناحه، فهو الذي يحمله الى الاعلى، وينزل به الاسفل، وبذلك الجناح يراوغ الاعداء إن تعرض لهجوم، كذلك قوى الإنسان، فإنها تحتوي حوارج وجوانح، فالجوارح هي: اليد والرجل..، أما الجوانج هي القوى المعنوية، لذا نقرأ في دعاء كميل: “وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي”

فالإنسان الذي زوده الله بنعم الجوانح التي تعتبر مصادر قوة لديه، فإن عليه أن يسيطر عليها، لا ان تكون هي المسيطرة عليه، فإذا امتلك علما، أو مالا، او جاهاً..، فإن عليه ان يسيطر عليها.

“وَحُسْنِ السِّيرَةِ”، جاء في الروايات ان من صفات المؤمن يجلس حيث ينتهي به المجلس، فحين كان يأتي من كان من غير سكان المدينة، ويدخل مسجد رسول، صلى الله عليه وآله، فيسلم ويقل: أيكم رسول الله؟

فالنبي لم يكن لديه مكان خاص ليجلس فيه، ويتميز عن غيره، ولعل من أحدث هذه العنصرية في المجالس هو معاوية، الذي كان ينفرد بمكانه عن الآخرين.

من صفات المؤمن ـ ايضا ـ ان يترك المِراء وإن كان محقا. كان احد العلماء حين تدور النقاشات المختلفة، يطرح حجته، فإذا رأى أن المراء سيدخل معترك النقاش، يضحك ويغير الموضوع، فيظن البعض انه لا يفهم شيئا!

“وسكون الريح”، يقول الله ـ تعالى ـ :{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ومعنى الريح هنا: شخصية الإنسان، فهناك من تكون شخصيته ثابتة ومستقرة، في المقابل، هناك آخرين متقلبين، فكل يوم لون وكل يوم فكرة!

لذا من صفات المؤمن ان شخصيته ثابتة، وتقلب الشخصية تدخل صاحبها في رذيلة النفاق، بالاضافة الى ان التقلب والتلون صفة مستقبحة في المجتمع، شبث بن ربعي كان من اصحاب، الإمام علي، عليه السلام، في صفين، ثم ترك الإمام، وكان ـ ايضا ـ مع الإمام الحسن، عليه السلام، ثم تركه،  وكان ممن كتب الى الإمام الحسين، عليه السلام، لكنه خرج مقاتلا له!

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا