مكارم الأخلاق

الصيام حِكَمٌ وفوائد

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

الله عز وجل ذلك الرب الحكيم، الذي خلق الخلق بالحق، وجعل لكل شيء فيه حكمة وغاية، وانزل تشريعاته وأحكامه للبشرية من أجل أن ينظم حياتها، ويدير شؤونها، فوضع الأنظمة والسنن، وأمر بواجبات، ونهى عن محرمات، وكل ذلك لحكمةٍ يعلمها، تكون فائدتها للإنسان نفسه.

فكل ما امر به الله عز وجل وكل ما نهى عنه، وكل ما أوجبه وكل ما حرمه، ذلك لأن له تأثير على الإنسان قد يكون معنوياً أو مادياً. وها نحن إذ نعيش ايام شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الفضيل، الذي فرض الله فيه الصيام على الناس، نحاول أن نتعرف ما هي الغايات أو الفوائد التي من أجلها فرض واوجب الله الصيام؟

ففي هذه الأسطر القليلة نعرض بعض تلك الفوائد، والتي نأمل بأن نكون وفقنا حقيقة لتشخيصها؛

 

١الصوم اختبار للإيمان.

لكل شيء دليل، وعلى كل مدعي بينة، ومدعي الإيمان لا بد أن يأتي بدليله ويوضح بينته على صدق دعواه، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.

لابد من اختبار وامتحان يتعرض له الإنسان حتى يُعرف صدق إيمانه، وقد جعل الله عزوجل احد الاختبارات لإيمان الإنسان هو الصوم، فقد فرض الصوم والذي يعني الإمساك والامتناع عن ما تعود عليه الإنسان في حياته اليومية، والذي يعد من ضروريات العيش كالطعام والشراب وغيره من المباحات التي يأتي بها الإنسان في حياته الطبيعية.

 

إذا اتسخت ثيابنا فإننا نبادر إلى غسلها بالماء لتطهيرها وتنظيفها، اما إذا اتسخت نفوسنا بإدران الذنوب والخطايا وتلوثت ابداننا بالحرام، فكيف يمكن لنا تطهيرها؟

 

وفي شهر رمضان يتوجب على الإنسان المؤمن يترك كل ذلك ويمتنع عن ما تعود عليه خلال نهار بقية أيام السنة، فهنا يتبين المؤمن عن غيره، من يطيع الله بذلك ويخالف نفسه وهواها وشهواتها، لتطبيق أمر الله فهو المؤمن، وإلا فلا.

قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “ياعلي؛ للمؤمن ثلاث علامات: الصلاة والزكاة والصيام”

 

٢تقوية للإرادة وزيادة في الصبر:

الحياة متقلبة ومتغيرة أحوالها، فمن يسر وسهولة إلى عسر وصعوبة، ومن رخاء إلى شدة ومن سعادة إلى شقاء ومن عافية إلى بلية، والإنسان حتى يتكيف مع ظروف الحياة ويعايشها يحتاج إلى إرادة قوية وإلى صبر حقيقي، ومن فوائد شهر رمضان المبارك، أنه يساعد الإنسان على تقوية إرادته ويعلمه على الصبر.

فالذي يرى الاكل والشرب أمامه ولكن يمتنع عنه، فبذلك يتعلم الصبر وتتقوى إرادته، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “الصيام نصف الصبر”.

 

٣الصوم تزكية وتطهير:

إذا اتسخت ثيابنا فإننا نبادر إلى غسلها بالماء لتطهيرها وتنظيفها، اما إذا اتسخت نفوسنا بإدران الذنوب والخطايا وتلوثت ابداننا بالحرام، فكيف يمكن لنا تطهيرها؟

فالله عز وجل قد جعل الصيام تزكيةً لنفوسنا وتطهيرا لابداننا، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “وعلى كل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصيام”.

 

٤ الصيام حجاب عن نار جهنم:

من يجوع ويعطش هنا في الدنيا في سبيل الله وطاعة له، فإنه لا يجوع ولا يعطش في يوم القيامة وينجو من عذاب جهنم، فقد ورد الإمام الصادق، عليه السلام، أن  النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “الصوم جُنة من آفات الدنيا وحجاب من عذاب الآخرة”.

 

٥ الصوم صحة للجسد:

فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم :”صوموا تصحوا”.

كما أن كل شيء يحتاج إلى توقف واستراحة من أجل إعادة النشاط، كذلك جسد الإنسان وما يحويه من أجهزة تقوم بوظائفها، فهو بحاجة إلى استراحة وتوقف عن عملها من أجل إعادة نشاطها، فهكذا قد جعل الله تبارك وتعالى الصوم محطة استراحة لتلك الأجهزة والخلايا في جسد الإنسان، وقد أثبت الطب الحديث ذلك، ونحن هنا ليس بصدد الاسهاب في ذلك.

 

6 الصوم باب التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ):

لا يمكن للإنسان النجاة من فتن الدنيا وعذاب الآخرة إلا بالتقوى، كما أنه لا يستطيع الفوز بيوم القيامة إلا بالتقوى {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا}، ولا يمكن له الدخول إلى الجنة إلا بالتقوى {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}، ولا يتقبل الله عمله إلا بإن يكون من المتقين {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

 

من يجوع ويعطش هنا في الدنيا في سبيل الله وطاعة له، فإنه لا يجوع ولا يعطش في يوم القيامة وينجو من عذاب جهنم، فقد ورد الإمام الصادق، عليه السلام، أن  النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “الصوم جُنة من آفات الدنيا وحجاب من عذاب الآخرة”

 

والتقوى تعني؛ الورع عن محارم الله والاجتهاد في طاعة الله، تعني، الامتثال لأوامر الله والنهي عن زواجره، وتعني أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، فهي تعني مراقبة الله بالسر والعلانية، والحذر منه وخشيته في كل صغير وكبير.

والتقوى كما قال الإمام الحسن، عليه السلام: “التقوى باب كل توبة ورأس كل حكمة، وشرف كل عمل، بالتقوى فاز من فاز من المتقين{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا}“.

فطموح المؤمن بالدنيا أن يصل إلى أعلى مراتب التقوى، وقد جعل الله عزوجل شهر رمضان فرصة لمن يريد أن يكون من المتقين، فالهدف الأسمى والغاية الأهم في هذا الشهر أن يصل الإنسان إلى التقوى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

فعلى الإنسان المؤمن أن يجد ويجهد من أجل أن يخرج من شهر رمضان، وقد حصل على التقوى، لا أن يكون قد حصل على الجوع والعطش فقط، وإنما أن يكون قد حقق الهدف الأساس للصيام وهو التقوى ويكون شهر رمضان هو باب لتطبيق التقوى في كل أيام حياته.

فهذه بعض حِكَم وفوائد شهر رمضان التي لا بد أن نتعرف عليها، حتى نسعى لتحصيلها خلال هذا الشهر، حتى نكون قد استفدنا الإستفادة الحقيقة من ضيافة الله عزوجل. التقوى في كل أيام حياته.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا