مناسبات

وصايا ولائية في اسثتمار شهر الرَّحمة

  • مقدمة ولائية

ها هو شهر النور والرَّحمة قد دخل علينا بخُطا حثيثة وسريعة، يتقدَّم إلينا ونحن في هذه الأزمة العالمية من هذا الوباء الذي عرقل العالم وخلط الأوراق كلها من حوالي السنتين، لا سيما وأننا نشهد جولة جديدة منه في بلداننا ونحن في بداية الرَّبيع وارتفاع درجات الحرارة وانطلاق مواسم الخير والأفراح التي نتزوَّد منها كمحطات وقود روحية لسنة كاملة، خاصة في أيام شهر رجب الأصب، شهر أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام ومولده الميمون، والمبعث الشريف، ثم شهر الخير والنور والبركة شعبان الذي كله أفراح ومسرات وكأن الله خلقه وميَّزه عن كل أشهر السنة بهذه الخصيصة بأنه محطة للفرح والسرور فأخلاه من المنغصات والأحزان، وهو شهر رسول الله، صلى الله عليه وآله، نبي الرَّحمة، وكأنه لا يتم استقبال شهر الرَّحمة والمغفرة رمضان إلا عن طريق معرفة رسول الله، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته تلك “الرحمة المُهداة”.

 

  • شهر رمضان؛ محطة روحية

جميل ما يقول سماحة السيد المرجع المدرسي (حفظه الله): “لقد جعل الله لعباده نفحات ومحطات تزويد بوقود الإيمان والمعرفة، حيث تقوم هذه المحطات والنفحات الروحية بدور رفع الحجب والسحب الكثيفة التي تحول بين العبد وبين ربه جل وعلا، وشهر رمضان هو عبارة عن تلك المحطة الربانية الكبرى التي دعا الله سبحانه عباده للاستفادة منها، قبل ذهاب الفرصة وحلول الغصة. وهذا دليل آخر على رحمة الله بعباده ولطفه لهم، رغم قساوة قلوبهم وشقائهم وابتعادهم عن معدن الخير والفضيلة.

 

يقول الإمام الرضا، عليه السلام: ” وتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكَ لِيُقْبِلَ شَهْرُ اللَّهِ إِلَيْكَ وَأَنْتَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”

 

ولا شك إذا كانت المحطات المكانية كمسجد الحرام وجبل عرفات والمشعر الحرام ومراقد الأئمة المعصومين الطاهرين عليهم السلام لها الدور المؤثر في استشعار الارتباط الوثيق بين العبد والمولى، فإن المحطات الزمانية، ومن أهمها أيام وليالي شهر رمضان هي الأخرى تكمل الدور المطلوب في هذا الصدد، حيث تفتح أبواب السماء ببونها الشاسع واللامتناهي، وتُغلق أبواب النيران الكبيرة المهلكة، لتنزل الرحمة على العباد وتتنزل الملائكة في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر لتقدر للعباد ما يرجون ويتوخون من خير الدنيا والآخرة”. (شهر رمضان بصائر وأحكام).

 

  • كيف نستقبل هذا الشهر الكريم؟

وهذا سؤال مهم وضروري وعلى كل منَّا أن يسأل نفسه هذا السؤال بطريقة وشكل وأسلوب ما، ليستشعر في نفسه ضرورة التحضير الروحي والنفسي لاستقبال هذا الضيف الذي ينقلنا إلى ضيافة الله سبحانه، وبما أن لكل قادم كرامة، فما أعددتَ ـ أيها الأخ المؤمن ـ لهذا الضَّيف الكريم الذي تأمل منه كل خير، وهدى، ونور، لتتزوَّد منه لسنة كاملة ولا تدري هل سيرجع إليك أم لا وذلك يُقدَّر لك ويُكتب في ليلة القدر منه؟

يقول سماحة السيد المرجع المدرسي، في ذلك: “يستقبل الناس هذا الشهر حسب درجة إيمانهم ومدى معرفتهم بفضائل ومكارم هذا الشهر العظيم، فبعضهم يستقبله من غرَّة شهر رجب الأصب، والبعض الآخر من الأيام الأولى لشهر شعبان العظيم، وبعضهم من منتصف شعبان، بينما بعض منهم لا يستقبله، وإنما يقتحم عليه شهر رمضان اقتحاماً دون أن يلتفت! (وما أكثر هؤلاء المساكين الذين يرون الشهر عبأً ثقيلاً عليهم للأسف الشديد).

فكل صنفٍ من هذه الأصناف المختلفة من الناس يتعامل مع شهر رمضان حسب قدرته على الاستيعاب والتزوّد من محطة هذا الشهر الروحية الربانية، فمنهم مَنْ لا يرى مِنْ شهر رمضان والصيام فيه إلّا الجوع والعطش وتناول السحور والفطور، فهؤلاء لا ينالون منه إلّا ما كُتب لهم من جوعهم وعطشهم، ثم تذهب بركات وفضائل ونفحات أيام وليالي هذا الشهر سدى ودون رجعة، ويكون حالهم كحال ذلك الذي يُصلي ولكن دون أن يتلذذ من زاد الخشوع في الصلاة”.

 

لا يعرف الدِّين إلا أهله، ولا يعرف الفضل إلا ذووه، وهذا الشهر الكريم المبارك الذي أقبل علينا ونحن ننعم بالصحة والعافية ويتوجه إلينا الوجوب، وهذا من أكبر النعم الذي يغفل عنها الناس عادة في حياتهم

 

وهؤلاء أكثر الناس ـ  في العام الغالب ـ الذين يرون في شهر رمضان المبارك شهر واجب الصيام وحبس النفس عن المفطرات من الفجر وحتى الليل لا أكثر ولا أقل فمنهم مَنْ يراه رياضة بدنية صحية وريجيم رباني أُمرنا به مرة في السنة، ومنهم مَنْ يراه فرصة للنوم في النهار والأكل والشرب والسهر في الليل، وآخرون يرونه عقوبة مفروضة من الله علينا ولذا يبحث عن أي طريقة ليتخفف منها، كذاك الأعرابي الذي قالوا له: جاءك شهر رمضان، فقال: “والله لأُبدِّدنَّه بالأسفار”، وهؤلاء كثيرون حيث يبحثون عن حُجة وطريقة للإفطار ويحرموا أنفسهم من بركاته.

 

  • وصايا ولائية في استقبال شهر رمضان

لا يعرف الدِّين إلا أهله، ولا يعرف الفضل إلا ذووه، وهذا الشهر الكريم المبارك الذي أقبل علينا ونحن ننعم بالصحة والعافية ويتوجه إلينا الوجوب، وهذا من أكبر النعم الذي يغفل عنها الناس عادة في حياتهم، فالمريض، والمبتلى، لا صوم عليه، والتكليف ساقط عنه، فأوَّل النِّعم عليك ويجب أن تعرفها هي هذه النعمة السابغة (الصحة في البدان)، التي تتمتَّع بها.

فإذا عرفتها، وعلمتَ أنك مكلَّف بالصوم عبادة وطاعة لله تعالى الذي خلقك، وكرَّمك، وشرَّفك بهذا التكليف، ودعاك إلى ضيافته، “هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللهِ”، فلأهل البيت الأطهار، عليهم السلام، وأهل الولاية العظمى الكثير من الوصايا في هذا الشهر الكريم.

ومن أعظمها وأجملها وصية الإمام الثامن علي الرضا  للهروي. ففي حديث ابن صالح الهروي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا،عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: “يا أَبَا الصَّلْتِ إِنَّ شَعْبَانَ قَدْ مَضَى أَكْثَرُهُ وَهَذَا آخِرُ جُمُعَةٍ فِيهِ،

1- فتَدَارَكْ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ تَقْصِيرَكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُ،

2- وعَلَيْكَ بِالْإِقْبَالِ عَلَى مَا يَعْنِيكَ،

3- وأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ،

4- وَالِاسْتِغْفَارِ،

5- وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ،

6- وتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكَ لِيُقْبِلَ شَهْرُ اللَّهِ إِلَيْكَ وَأَنْتَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،

7- ولَا تَدَعْ أَمَانَةً فِي عُنُقِكَ إِلَّا أَدَّيْتَهَا،

8- ولَا فِي قَلْبِكَ حِقْداً عَلَى مُؤْمِنٍ إِلَّا نَزَعْتَهُ،

9- ولَا ذَنْباً أَنْتَ مُرْتَكِبُهُ إِلَّا أَقْلَعْتَ عَنْهُ،

10- وَاتَّقِ اللَّهَ،

11- وتَوَكَّلَ عَلَيْهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِهِ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدْراً،

12- وأَكْثِرْ مِنْ أَنْ تَقُولَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ: اللَّهُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنَا فِيمَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ، فَاغْفِرْ لَنَا فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُعْتِقُ فِي هَذَا الشَّهْرِ رِقَاباً مِنَ النَّارِ لِحُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ‌). (عيون أخبار الرضا (ع)؛ الشيخ الصدوق: ج ١ ص ٥٦).

هذا في الحقيقة برنامج روحي راقي ورائع جداً يُقدِّمه لنا إمامنا الثامن (الضامن لزوَّره الجنَّة) الإمام علي بن موسى الرِّضا، عليه السلام، فهل نلتزم بهذا البرنامج في شهر الضيافة الرَّبانية لنكون من أهل الفوز بالرضا والكرامة الإلهية في آخر الشهر الكريم؟

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا