تربیة و تعلیم

محنة التعليم في العراق

الحديث عن التعليم هو حديث عن منظومة متكاملة وشاملة، وان أي تقصير في أي جانب من جوانبها سيؤدي الى تعطيل هذه المنظومة أو عدم تحقيق الهدف المنشود منها، وبما ان التربية سعت بتاريخها التطوري الى بناء الإنسان وفق المعطيات ووفق الظروف الحياتية المختلفة، وبما تتطلبه كل مرحلة من المراحل التاريخية، آذ نجد ان هنالك ما يسمى بمنهج التربية القديم (المنهج القديم)  وهنالك ما يسمى بمنهج التربية الحديث(المنهج الحديث)، ولو رجعنا الى الأسباب والظروف التي أدت الى تطور هذا المفهوم أي مفهوم المنهج نجد ذلك يتحدد بـ:

  • النتائج التي أظهرتها الدراسات والبحوث في مجال التربية وعلم النفس والتي أثبتت أن الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة فيها أكثر من جانب يتطلب الاهتمام وليس العقل فقط.
  • التطور العلمي، والتكنولوجي الذي تطلب أن يكون المنهج مواكبا ويؤهل المتعلمين للتعامل مع متغيرات الحياة.
  • تطور الفكر التربوي ونظرته إلى وظيفة التربية على أنها تقوم بتعديل سلوك المتعلم وفق متطلبات نمو المتعلم وحاجاته وفلسفة الدولة والمجتمع.
  • ظهور النظريات وما ترتب عليها من اتجاهات حديثة تؤكد نشاط المتعلم وحيويته وأنه المحور الأساسي الذي تدور حوله العلمية التعليمية.
  • الانفجار المعرفي، وتكنولوجيا المعلومات التي دخلت مجالات الحياة المختلفة.
  • ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من مستجدات في المجال الثقافي والسياسي والمعرفي.
  • الدعوة إلى ربط التعليم بسوق العمل تجسيدا لمبدأ ربط التعليم بالحياة.

 

النتائج التي أظهرتها الدراسات والبحوث في مجال التربية وعلم النفس والتي أثبتت أن الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة فيها أكثر من جانب يتطلب الاهتمام وليس العقل فقط

 

ولو دققنا في كل سبب من هذه الأسباب التي أدت الى تطور المنهج من القديم الى المنهج الحديث، نجد أن المنهج بمفهومه ونظرته الجديدة أن لم يكن منهجا متكاملا معناه انه لم يؤدي حقه المنشود والسامي في بناء شخصية المتعلم، ومن هنا جاءت الدعوة لتقديمه بالأسلوب التكاملي، أي على أحدث متطلبات علم النفس والتربية، لأنه يعتمد على نشاط المتعلم نفسه وحيويته، فيشعر بجدوى وفائدة ما يتعلمه

فالإنسان عندما يواجه مشكلة ما في حياته التعليمية والعملية، نجد أنها تتسم بالتكامل، ولذلك يحتاج أن يكون ملماً بأكثر من لون من ألوان المعرفة، فالمعرفة المتكاملة من السبل التي تؤدى إلى تقدم الإنسان وتطوره، وقد أصبحت هدفاً أساسيا للتربية المتقدمة .

وتعد الطريقة التكاملية  من الطرق الفعالة التي تساعد المتعلمين على التفاعل، من خلال ربط ما لديهم من خبرات في المواقف التعليمية والعملية، فيؤدي ذلك إلى تنمية مهاراتهم، وإثراء عقولهم، وحثهم على التفكير العلمي المؤدى إلى الإبداع والخيال في عصر المعلومات  الذي يتطلب التواصل وتنمية القدرة على الإقناع وذلك من خلال ما يكتسبه المتعلم من حقائق ومفاهيم ومعلومات تساعده على التذكر والفهم والاستنباط والتطبيق، مما يؤدي بالمتعلم إلى التفكير الناقد الذي يعد هدفاً أساسيا من أهداف التربية الحديثة، التي تسعى إلى تنمية الجانب المعرفي عن طريق تدريب عقله، وتزويده بمتطلبات الحياة من معارف وحقائق ومفاهيم وتعميمات خاصة بالمواد الدراسية.

ولكي تؤدي المعارف دورها لابد أن تكون متكاملة تربط بين الجانب النظري والجانب العملي، ليشعر المتعلم بالإفادة منها، ودورها في مساعدته على مواجهة المواقف المختلفة، وحل المشكلات التي تواجهه بأسلوب علمي، ومن خلال التفاعل، يؤدي الأسلوب التكاملي دوره في نمو المفاهيم التي يمكنه من خلالها تفسير المواقف وتعديلها كلما تطلب الأمر ذلك، وفي ضوء تلك التغيرات أيضا ظهرت فكرة الترابط بين المواد الدراسية كأحد التنظيمات التي تحقق أهداف التربية، والتغلب على عيوب المنهج التقليدي الذي أهمل المتعلم وجوانب نموه المتكاملة.

 

لكي تؤدي المعارف دورها لابد أن تكون متكاملة تربط بين الجانب النظري والجانب العملي، ليشعر المتعلم بالإفادة منها، ودورها في مساعدته على مواجهة المواقف المختلفة، وحل المشكلات التي تواجهه بأسلوب علمي

 

ويعين الترابط أظهار العلاقة التي توجد بين مادتين دراستين أو أكثر أو بين مجموعة من الموضوعات الدراسية والهدف من هذا الربط هو توسيع المعارف وتعميقها بحيث يحصل التكامل المنشود في المعارف بشكل عام فكل مادة تخدم المادة الأخرى، وأما يكون ذلك الربط عرضيا أي تقدم كل معرفة قائمة بذاتها مطبوعة في كتاب خاص بها، ومعنى ذلك أن هناك فصلا بين الموضوعات التي تدرس للطلبة في الصف الدراسي ذاته ثم تترك المدرسة الحرية لربط بعض موضوعات المعرفة الأكاديمية بموضوعات معرفة أخرى سوى مشابهة أو مختلفة عنها.

أو يكون نوع الربط منظما أي يتم وفق تخطيط جماعي يشترك فيه المعلمين والمشرفين حيث تصل الى المدارس في بداية العام الدراسي مجموعة من النشرات تبين موضوعات بعض المعارف التي يمكن ربطها، وتعقد الاجتماعات من وقت لأخر بين المشرف والمعلمين لدراسة أفضل الطرائق والأساليب للقيام بعملية الربط ويتمثل ذلك في مجالين هما الربط بين موضوعات المواد المتشابهة التي تدرس في العام ذاته مثل الربط بين الجغرافيا والتاريخ، والاقتصاد والاجتماع.

أو الربط بين الموضوعات المواد غير المتشابهة مثل ربط الأدب بالتاريخ، أو علم النفس بالتاريخ، أو الشعر بالموسيقى، أو الجغرافية. ومن هذا نفهم ان حذف الموضوعات أو بعض المواد الدراسية من غير دراسة أو تفضيل مادة دراسية على أخرى سيؤدي الى قصور بوظيفة المنهج وبالتالي سينعكس سلبا على شخصية المتعلم مستقبلا وان ما صدر مؤخرا من قرارات في وزارة التربية العراقية تتعلق بالعام الدراسي 2020/  2021، من حذف موضوعات أو مواد الدراسية أو الاستغناء عن بعضها وان يكون الدوام ليوم واحد بدافع التماشي مع ظروف جائحة كورونا هي قرارات ليست حلا بقدر ما تكون قرارات ستأزم مشكلة التعليم في العراق وتسهم في إضعاف مستوى جودته، بل يمكن ان نقول ستشكل هدما للعملية التعليمة مستقبلا كون ان المنهج الدراسي وكما اشرنا سابقا منهجا مترابطا ومتكاملا.

ومن باب أولى أما أن نتحمل المسؤولية فيكون الدوام في المدارس الابتدائية وغيرها من المراحل الدراسية الأخرى كاملا ومن غير انقطاع وحذف و الاستغناء عن بعض المواد الدراسية، أو أن يتم تعطيل التعليم بشكل تام الى حين التأكد من مناسبة الظروف الصحية وعودة الحياة الى  طبيعتها بالشكل الذي يضمن سلامة الكل، لأن التعليم ليس إسقاط فرض بقدر ما هو غاية وهدف تتطلب التعامل معها بمسؤولية يشترك فيها الجميع.

———————————————-

المصادر:

طلافحه، حامد عبد الله، المناهج (تخطيطها و تطويرها وتنفيذها)، الرضوان للنشر والتوزيع، ط1، عمان- الأردن، 2013.

عطيه، محسن علي، المناهج الحديثة وطرائق التدريس، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، 2009.

https://pnu7r.files.wordpress.com/2012/11/d8a7d984d8b3d8a7d8a8d8b9d8a911.docx

عن المؤلف

م.م حسين رشك خضير/ كلية التربية الأساسية/ جامعة ميسان

اترك تعليقا