بصائر

الهروب من المسؤولية وضياع الحياة الطيبة

الأحكام الدينية بمختلف أنواعها العبادية والفقهية وما اشبه، كانت ضحيةَ الفهم الإنطوائي عند البعض، فنرى التفسير لمفردة من المفردات الدينية لغير الغرض الذي وضعت له، ومن هنا نشأت فكرة الهروب من تحمّل المسؤولية بالتفسيرات الخاطئة للدين، وما نجده اليوم من الفهم الخاطئ عند المجتمع لبعض المفاهيم الدينية التي لها أثر واقعي، ما هو إلا نتيجة لتلك التصورات الانطوائية الخاطئة؛ وفيما يلي مصادق جلي من الآيات القرآنية التي فُهمت فهمَا خاطئا مع وضوح معناها ومقصدها.

يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.

ينبغي على المؤمن ان يختار لطعامه الأطيب، فهو ليس كسائر الناس يأكل مما يجد أمامه، كانت هذه هي الاشارة الاولى في الآية، والاشارة الثانية من هذه الآية هي الانتقال الى شكر المُنعِم، فحينما يأكل الانسان المؤمن الطيب من الزرق فإنه يمتلك الطاقة والحيوية، وهذه الطاقة يصرفها في الخير.

وشكر النعمة له آفاق متعددة منها:

الأفق الأول: أن يتحسس الإنسان للنعمة التي يعيش في كنفها.

الافق الثاني: معرفة المُعطي؛ وهو الخالق جل شأنه.

الافق الثالث: كيفية الحفاظ على النعمة، لأن من أعظم فوائد الشكر المحافظة على النعمة، فمن يتمتع بصحة جيدة لا يكفي أن يشكر هذه النعمة، بل يجب عليه المحافظة عليها، كذلك فإن من يتمتع بالأمن فإن عليه تحسس هذه النعمة والمحافظة عليها.

الافق الرابع: استخدام الطاقة التي اكتسبها الانسان في سبيل الله، وفي مصحلة نفسه ومصلحة الآخرين.

{إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}؛ اي كنتم تبعدونه وحده، لأن بعض الناس حينما يستفيد من الأكل الحلال، يقدم الشكر الى البشر وليس الى الله،  و يرى اولئك الناس ان الطعام كأنه مقدم من بشر مثلهم وليس ان الرازق هو الله المعطي.

وبداية الانحراف ان ينسب الإنسانُ النعم الى غير الله تعالى، فالمريض حينما يشافى على يد أحد الاطباء، فالطبيب إنما هو سبب، والشافي الحقيقي هو الله تعالى.

 

بداية الانحراف ان ينسب الإنسانُ النعم الى غير الله تعالى، فالمريض حينما يشافى على يد أحد الاطباء، فالطبيب إنما هو سبب، والشافي الحقيقي هو الله تعالى

 

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ}، النظرة الى الدين تختلف من إنسان لآخر، فهناك من يتمتع بالحيوية والايجابية وهذا يفسر الآية الكريمة بهذه الروحية، وهناك آخر ترى نفسه منغلقة، ومنطويٌ على ذاته، ولديه مشاكل نفسه، والآية نفسها يفسرها بالعكس تماما.

ولتوضيح ذلك لابد من تبيان المثل الذي يقول: “أتقِ شرّ من احسنت إليه”، وهذا الحديث نراه كثيرا على ابواب المحال التجارية وفي بعض البيوت، فبعض الناس يفسر هذا الحديث بالقول: لا تحسن الى الناس ويستشهد بالمثل: “يأكل الملح ويسكر المملحة”! فالإنسان المنطوي المنغلق يحول هذا الحديث الى عقبة في طريق الإحسان.

بينما التفسير الآخر لنفس المثل ـ “أتقِ شرّ من احسنت إليه ـ : إذا أحسنت الى احد فأنت تتقي شرّه، فيحنما يحسن الى الآخرين فإنه يأمن شرورهم، يقول الإمام علي، عليه السلام: “عجبت لمن يملك العبيد بالمال، ولا يملك الاحرار بالاحسان”. ويقول أيضا عليه السلام: “أحسن الى من شئت تكن أميره”.

 

النظرة الى الدين تختلف من إنسان لآخر، فهناك من يتمتع بالحيوية والايجابية فهذا يفسرالآية الكريمة بهذه الروحية العالية، وهناك آخر ترى نفسه منغلقة، ومنطويٌ على ذاته، ولديه مشاكل نفسه، والآية نفسها يفسرها بالعكس تماما..

 

مع الاسف الشديد ـ وعلى مر التاريخ ـ فإن الذين فسروا الدين، ابتداء من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والعبادات والاحكام..، كانوا انطوائيين، فتفسيرهم للكلمة بعكس ما وردت، ومحاولة تفسير التاريخ بطرق مختلفة.

فإذا ما دعوت احدهم للعمل في سبيل الله، كالدعوة اليه ـ تعالى ـ او الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..، واحضرت له الادلة القرآنية الروائية، فإنه يقول لك يجب أن نستخدم (التقية) ولايمكن العمل! ويستدل بقوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}. وفسّر التقية بعكس ما وردت. لكن حقيقة التقية التي أرادها أهل البيت، عليهم السلام، هي أن يعمل الإنسان المؤمن لكن بكتمان.

هناك ميل عند الكثير ـ خصوصا المتدين غير العالم ـ الى ان كل شيء حرام، فكلمة الحرام دائما على طرف لسانه، لكن الله تعالى أورد عددا معلوما من الحرام والمحرمات الاساسية هي ما قالته الآية الكريمة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ}.

 

فلماذا حُرمت الميتة؟

لأن هذا الحيوان الذي مات اصيب بفايروس معين او جرثومة، فبمجرد الاكل منه ينتقل ذلك الى جسم الانسان، والدم أيضا حرم، لانه حينما يخرج من جسم الإنسان فإنه يفسد ويتحول، وسبب آخر فإن شرب الدم يسبب قسوة القلب.

{وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ}؛ للأسف لا زال غالبية من البشر الى الآن يصرون أكل لحم هذا الحيوان مع كثرة الأمراض الناتجة عن أكل هذا اللحم. فوباء الخنازير الذي يسمى (إنفلونزا H1N1) ) اذا انتشر فإنه سيقضي على عدد كبيرة من الناس، وهو ليس كوفيد 19.

وهناك آثار سيئة لأكل لحم الخنزير، فصفات لحمه تنتقل الى الآكل، منها قلة الحياء والعفاف، والخنزير من أسوأ الحيوانات في العفاف خصوصا في مسألة الجنس.

{وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} أثبت العلم الحديث، في  دراسات قامت بها بعض المراكز البحثية ان اللحم يتأثر بالكلام، فالحيوان الذي يُذبح بغير التسمية او بتسمية الاصنام فإن لحمه يختلف عن غيره، لكن الحيوان الذي يُذبح على اسم الله فإنه يختلف عن الحيوان الأول.

{فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}، وفي ختام هذه الآية يعطي الله الرخصة للإنسان المؤمن في الحالات الاضطرارية أن يأكل أو أن يشرب ما كان محرما في حال  ـ مثلا ـ أن حياته توقفت على أكل أو شرب ذلك الشيء المحرم، وهناك شررط يعضها الفقهاء لذلك.

إن التفسير الخاطئ لبعض المفاهيم الدينية هدفه الهروب من المسؤولية، ولخلق شرعية يلجأ الانطوائيون الى تحريف المفاهيم عن معانيها الحقيقة، وبهذا فإنهم يخلقون حالة من الجمود والتحجر. ولهذا فإن التحرر من مرض الانطواء على الذات، هو الانفتاح الواعي على الواقع، والعمل بمدلولات القرآن والأحاديث الشريفة للغرض التي جاءت من أجله.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا