ثقافة رسالية

الإمام الصادق والقرب من المجتمع

من صفات الصالحين على مرّ التاريخ، وخاصة الانبياء والاوصياء، عليهم السلام، أنهم كانوا يقومون بالعمل الكبير والعمل الصغير معا، فهم في الوقت الذي كانوا يتحمّلون مسؤوليات كبيرة في المجتمع، لم يكونوا يتوانون عن مساعدة الناس في مختلف الأمور.

فإذا مشوا في الطريق كانوا يساعدون من يحتاج الى المساعدة؛ فيأخذون بيد الاعمى، ويسألون عن المحتاج، وإذا رأوا على قارعة الطريق رجلا يتكفّف الناس سألوا عنه، وإذا رأوا امرأة تحمل ثقلا حملوا عنها، وهكذا فإنهم كانوا يهتمون بشؤون الناس الصغيرة والكبيرة؛ توجيها، وإصلاحا، ومساعدة.

وايضا كانوا يصلحون اخطاء الناس إذا اخطؤوا، ويواجهون الدجالين الذي يتحايلون على العامة ويخدعونهم في الطرقات، ويردعون المسؤولين عن تجاوز الحدود التي وضعها الله تبارك وتعالى ورسوله، صلى الله عليه وآله.

وهكذا كان الائمة، عليهم السلام، يقومون بواجبات الامامة، ومن أهمها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومساعدة المحتاجين في نفس الوقت.

🔺 كانوا يصلحون اخطاء الناس إذا اخطؤوا، ويواجهون الدجالين الذي يتحايلون على العامة ويخدعونهم في الطرقات، ويردعون المسؤولين عن تجاوز الحدود التي وضعها الله تبارك وتعالى ورسوله، صلى الله عليه وآله

ولم تكن مساعدة الناس لديهم بديلا عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، و لا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بديلا عن مساعدة الناس، وفي مجتمع غير سليم يكثر عادة المراوغون والدجّالون الذي يخادعون البسطاء، كما يكثر فيه وعّاظ السلاطين، وقضاة الجور، ولذلك فإن ردع هؤلاء وكشف زيفهم من أولى الأعمال التي كان يقوم بها الائمة، عليهم السلام، جميعا، وخاصة في الظروف التي كان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها ممكنا.

وقد عن سعد بن أبي الخصيب قال: دخلت أنا وابن أبي ليلي المدينة فبينا نحن في مسجد الرسول، صلى الله عليه وآله، إذ دخل جعفر بن محمد، عليه السلام، فقمنا إليه فساءلني عن نفسي وأهلي ثم قال: من هذا معك؟

 فقلت: ابن أبي ليلى قاضي المسلمين فقال:نعم.

 ثم قال له: تأخذ مال هذا فتعطيه هذا وتفرق بين المرء وزوجه ولا تخاف في هذا أحدا؟

 قال: نعم.

 قال: فبأي شئ تقضي؟

 قال: بما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أبي بكر وعمر.

 قال: فبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أقضاكم علي؟

 قال: نعم قال: فكيف تقضي بغير قضاء علي عليه السلام وقد بلغك هذا؟

 قال: فاصفر وجه ابن أبي ليلى، ثم قال: التمس لنفسك زميلا والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا.

وهكذا نرى أن الإمام الصادق، عليه السلام، لم يقل ما لي وهذا القاضي فليقضِ بما يريد، وليفعل ما يشاء، وإنما أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر بما وسعه الوقت.

كما أن الإمام، عليه السلام، وهو يمشي في الشارع والسوق، إذا رأى منكرا لم يمر عليه مرور الكرام، بل كان يقف ويكشف الكذّاب والدجّال ومن يتظاهر بالزهد والتقوى كذبا وزورا ليخدع الناس.

و عن الصادق عليه السلام أنه قال في تفسير قوله ــ عز وجل ــ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}. يقول: أرشدنا الصراط المستقيم، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك، فإن من اتبع هواه وأُعجب برأيه كان كرجل سمعتُ غثاء الناس تعظمه وتصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله.

 فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم مغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم، فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم، ولم يقر، فتفرقت العوام عنه لحوائجهم.

 وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مرَّ بخبّازٍ فتغفَّله، فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة (سرقة) فتعجبتُ منه، ثم قلت في نفسي: لعله معاملة، ثم مرَّ من بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفَّله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة، فتعجبت منه ثم قلت في نفسي: لعله معاملة. ثم أقول: وما حاجته إذا إلى المسارقة؟!

 ثم لم أزل أتبعه حتى مرَّ بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى، وتبعته حتى استقرَّ في بقعة من صحراء فقلت له: يا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك، فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي، وإني سائلُك عنه ليزول به شغل قلبي.

قال: ما هو؟

 قلت: رأيتك مررتَ بخبّاز وسرقتَ منه رغيفين، ثم بصاحب الرمان فسرقتَ منه رمانتين.

 فقال لي: قبل كل شيء: حدثني من أنت؟

 قلت: رجل من ولد آدم من أمة محمد صلى الله عليه وآله.

 قال: حدثني ممن أنت؟

 قلت: رجل من أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله.

 قال: أين بلدك؟

 قلت: المدينة قال: لعلك جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؟ قلت: بلى.

🔺 الإمام، الصادق عليه السلام، وهو يمشي في الشارع والسوق، إذا رأى منكرا لم يمر عليه مرور الكرام، بل كان يقف ويكشف الكذّاب والدجّال ومن يتظاهر بالزهد والتقوى كذبا وزورا ليخدع الناس

 قال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به، وتركك علم جدك وأبيك، لان لا تنكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله.

قلت: وما هو؟

قال: القرآن كتاب الله.

 قلت: وما الذي جهلت؟

 قال: قول ــ الله عز وجل ــ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} إني لما سرقتُ الرغيفين كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات، فلما تصدقتُ بكل واحد منها كانت أربعين حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع سيئات بقي لي ست وثلاثون.

 قلت: ثكلتك أمك أنت الجاهل بكتاب الله، أما سمعت الله  ــ عز وجل يقول ــ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} إنك لما سرقتَ الرغيفين كانت سيئتين، ولما سرقتَ الرمانتين كانت سيئتين ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما، بغير أمر صاحبهما، كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات، فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته.


  • مقتبس من كتاب ذلكم الإمام جعفر الصادق عليه السلام.

عن المؤلف

آية الله السيد هادي المدرسي

اترك تعليقا