ثقافة رسالية

أهل البيت السبيل في مواجهة الفتن

المشاكل والمتاعب تحيط بنا من كل جانب، والمصائب تأتينا من كل جهة، والبلاء ينزل علينا من ..؟؟

المشاكل والمتاعب تحيط بنا من كل جانب، والمصائب تأتينا من كل جهة، والبلاء ينزل علينا من كل حَدَبٍ وصَوب، والأمة حائرة في أمرها، تائهة فيما تعانيه من أنواع البلاء، حتى صار الحليم حيراناً، والعاقل مدهوشاً، والحليم مبهوتاً، فأين الخلل يا أمة الرَّحمة؟!

من بديهيات الفكر والعقيدة في الإسلام، أن نِعْمَ الرَّبُّ ربنا، فهو المسمَّى بخير الأسماء، والموصوف بأجمل وأكمل الصفات، وهو الرحمن الرحيم، والعطوف الرؤوف الكريم، وهو الذي قال في محكم كتابه: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}. (النساء: 141).

هذا قول الله الذي لا يأتيه الباطل، وهو نفي شديد جداً بل أشد أنواع النفي الذي يذهب الزمخشري إلى أنه نفي التأبيد بـ(لن)، ولكن الواقع الذي نعيشه اليوم يُحيِّرنا في أمرنا بين آيات القرآن التي نعتقدها يقينية، وبين الواقع الذي نراه مشيناً ومهيناً بكل معنى الكلمة فأين الخلل في ذلك كله؟

 

ويقيناً أن الخلل فينا وليس في الآيات الكريمة، والخطأ في الأمة الإسلامية التي هجرت القرآن الحكيم، وحق عليها شكوى رسولها الكريم حيث يقول: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: 30)، حيث هجرنا القرآن الحكيم وحوَّلناه من كتاب حياة، إلى كتاب بركة لا يُقرأ إلا في الفواتح على الأموات – للأسف الشديد – فمن أين يأتينا الخير وتركنا أصل الخير والبركة منذ أن فارقنا رسول الله صلى الله عليه وآله، بل من قبل ذلك حيث بدأت المصائب كقطع الليل المظلم من رزية يوم الخميس – كما سماها وبكاها عبد الله بن عباس – حيث غرس الرجل اسفيناً في قلب الأمة حينما رفض أن يكتب لنا رسول الله، صلى لله عليه وآله الكتاب العاصم من الضلال، ورماه بالهَجْر – والعياذ بالله – ورفع شعاره (حسبُنا كتاب الله)، ففصل بين كتاب الله الصامت، وكتابه الناطق الذي جمعهما رسول الله، صلى الله عليه وآله في حديثه المتواتر المعروف بحديث الثقلين: “إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي“، ففصمَ الرجل عُرى الإسلام، وقصم ظهر الشريعة الإسلامية برفضه الثقل المفسِّر، والمؤوِّل للقرآن الحكيم (العترة الطاهرة) ورضخت الأمة له.

 

[.. إن الخطوة الأولى لبناء المجتمع تكمن في القضاء على نقاط الضعف، كالاختلاف، وانعدام الأمل، والتواني وضعف الإرادة ..]

 

فالقرآن الحكيم أنزله الله لهداية البشر، وإخراجهم من ظلمات الجهل والجاهلية، إلى أنوار العلم والحضارة الإنسانية، ولكن الأمة تُركت بلا مفسِّر له، وهادي لهم بآياته الكريمة، فمازلنا نتخبَّط في معنى ومكان ومكانة البسملة الشريفة، لأن السلطة القرشية فصلت القرآن الحكيم، عن العالم به يقول الله تعالى: {مَنْ عنْدَهُ عِلْمٌ الكِتَابِ}، وهو خصوص أمير المؤمنين وسيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام – الذي علَّم ابن عمِّه في ليلة بعض تفسير باء البسملة فجعلوا منه حبر الأمة الإسلامية إلى اليوم- حبيس بيته ربع قرن.

 

والقرآن الحكيم بلسان عربي مبين، ولكن لا يفقهونه، ولا يفهمونه، لأن على قلوبهم أقفال الزيغ والباطل وحب الدنيا والشهوات والنساء والأموال، وهم ركنوا إلى الذين ظلموا عكس ما أمرهم الله ورسوله في الآيات التي شيَّبت رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله، حيث قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}. (هود: 113).

والأمة اليوم لم تركن فقط للذين ظلموا بل انبطحت تحت أقدام الظالمين، فمسَّتهم نار الدُّنيا التي أمطرتهم بكل أنواع الفتن، وأشدِّ أشكال الرزايا، وأقسى المصائب لأن ربنا سبحانه قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}. (طه: 127).

 

{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}

 

فابتعاد الأمة عن قرآنها سبّب لها كل هذه الرزايا التي بدأت برزية يوم الخميس، والعجيب أن المتأمِّل في سياق الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن أن الله تعالى لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً يجد العلاج والأسباب في نفس الآيات، قال سبحانه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا * الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}. (النساء: 144).

 

  • من أين تأتي المصائب؟

الحق والحقيقة والواقع يشير الى أن كل المصائب والبلايا والرزايا بسبب معاصي الأمة لله ورسوله ولوليها من بعده الذي أقصته حتى عن أبسط حقوقه كميراثه، و أهله المطهرة البتول من أبيها الرسول صلى الله عليه وآله، و راحت تتلاعب في هذه الأمة حسب أهوائها وميولها وقبائلها وعشائرها والطامة الكبرى عندما أوصلوها لأحقر بيت في قريش؛ وهم بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن، فحوَّلت الخلافة إلى ملك عضوض مازال ينهشنا ويمزِّق الأمة إلى أشلاء إلى اليوم، فمن أين تأتي العزة والكرامة والقوة لهذه الأمة التي جعلت من معاوية ويزيده خلفاء، ومن الحسن والحسين شهداء، ولم ترضَ بذلك فقط بل صانت أحفاد هند وميسون، ومرجانة، في القصور مكرمات، وبنات الرسول سبايا على أقتاب المطايا مذلَّلات، أليست تلك هي الطامة الكبرى يا أمة الإسلام؟

فالواقع المرير الذي نعيشه اليوم -لا سيما الذي نسمعه ونراه في الخليج العربي- في كل دولنا العربية والإسلامية، وهذا الانبطاح العجيب الغريب للصهاينة المجرمين، وهم أمة مترامية الأطراف من المحيط إلى الخليج بكل ما وهبهم الله من طاقات فوق الأرض وتحتها هائلة، يمكن لهم أن يُحوِّلوا الصحراء العربية إلى جنان وارفة، وأن ينعشوا الربع الخالي، وغيره من الأراضي العربية التي تفيض زيتاً وتشع نوراً وضياء، ولكن نرى أنهم يتسابقون لتحويل صحراء نيفادا، وتكساس في اميركا الى واحات خضراء ينعم بها الاميركيون!

 

  • كل الحلول في الثقلين

على الأمة أن تقف مع نفسها بصدق، وان تتمهل في مسيرة هؤلاء الطغاة الذين عاثوا في الدنيا فساداً وفيها إفساداً، ولترجع إلى دينها، وقرآنها، ورسولها، وأهل بيته الأطهار عليه السلام، ففي الثقلين نجاة لنا في الدارين، والابتعاد عنهما سيكون مصيرنا إلى الذل والهوان، وسيحكمنا الصهاينة أكثر وعندها سنكون أذل أمة من أمم الأرض، ونحن خير أمة أخرجت للناس.

الحل أشار إليه سماحة المرجع الديني، والمفكر الإسلامي السيد محمد تقي المدرسي في أحدث كلمة له، حيث قال: “إن الخطوة الأولى لبناء المجتمع تكمن في القضاء على نقاط الضعف، كالاختلاف، وانعدام الأمل، والتواني وضعف الإرادة، مبيّناً ابتلاء مجتمعاتنا بهذه الآفات أكثر من ذي قبل، حيث كانت المجتمعات قادرة على التغلب عليها سابقاً، بينما باتت اليوم تشكل تحدَّياً لها في ظلّ إرادةٍ خارجية تهدف ترسيخ نقاط الضعف”.

وعن الإعلام يقول سماحته: “هناك اليوم أعاصيرٌ من الإعلام المضلل تجتاح بلادنا، وتهدف زعزعة ثقة الأمة بنفسها عبر تصويرها أمةً عاجزةً أمام استعمار مقتدر، كما تهدف تمزيق وحدتها عبر بثّ الكراهية، والكل يعرف كيف جاء الأعداء بالتفرقة في العراق بين طوائفه وقومياته من خلال تركيز إعلامهم وعملائهم، على سياسة التفرقة وتقسيم البلد، بعد أن كان موحّداً – بمذاهبه وطوائفه – في مقاومة الظلم العثماني، والاستعمار البريطاني، ومناهضة الديكتاتورية”.

وفي ذات السياق بيّن سماحته، أن ما يعطي الأمة القوة والهمة، هو توكلهم على الله سبحانه، والاستمداد من نوره الذي جعله في كتابه وفي العترة الطاهرة، لا سيما الإمام الحسين عليه السلام، الذي نستمد من حبه وإحياء شعائره، التوكل على الله، والثقة بأنفسنا، وقيمنا وتاريخنا ووحدتنا، الأمر الذي يمكّن المجتمع من الاستطالة على التحديات الكُبرى، ومعالجة مشاكله المتتالية بما لديه من قيم سامية، كقيمة الشهادة في سبيل الله، وقيمة الدفاع عن المظلوم، وقيمة النهضة بوجه الطغاة”.

فأين الأمة من هذا الفكر الولائي الراقي، وهذه الغيرة على الدين والرسالة، وعلى مستقبل الأمة وحضارتها؟

 

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا