رأي

البيضة ام الدجاجة؟!

سؤال قديم عقيم لطالما شغل محافل النقاش كثيرا من دون الوصول الى إجابة تقنع المختلفين فيه، لذا لا نريد الخوض في البحث عن اجابة أخرى والتي لا تعتبر من موضوعنا الذي نحن …

سؤال قديم عقيم لطالما شغل محافل النقاش كثيرا من دون الوصول الى إجابة تقنع المختلفين فيه، لذا لا نريد الخوض في البحث عن اجابة أخرى والتي لا تعتبر من موضوعنا الذي نحن فيه، اذن لماذا اخترناه عنوانا لموضوع مادام الامر كذلك؟!
عزيزي القارئ تابع معي الأسطر الباقية التي آمل الا تخلو من الفائدة علَّنا نجد ربطاً بين العنوان والموضوع.
قبل فترة من الزمن وعند اشتداد الحراك الجماهيري والشد والجذب في محافظات الوسط والجنوب العراقي للمطالبة بالحقوق بالطرق السلمية تارة والتصعيدية تارة أخرى، سأل أحد الأخوة المشتركين معنا في إحدى المجاميع الخاصة في النقاش سأل في الصباح الباكر عن آخر الاخبار قائلا: “شكو ماكو”، فانهالت عليه الاجابات بالأخبار الميدانية والسياسية التي كان معظمهما يتحدث عن أحداث العنف والتخريب والإصابات ولعله عن سقوط شهداء وغيره، فقاطع صاحبنا السائل الأخبار معترضا، عادة ما يقولون في بداية الصباح كلمات مثل (يسعد صباحك، صباح الخير و…) التي تبعث على التفاؤل والأمل لا ما يدفع الى التشاؤم والملل.
هذا الاعتراض جعلني استذكر موقفين متناقضين من ثقافتين مختلفتين، ثقافة مبنية على الحيوية والنشاط وبث روح الامل والأخرى على التشاؤم والكسل، أما الموقف الاول فكان لرئيسة وزراء نيوزيلندا “جاسيندا أرديرن” التي أدخلت نفسها قبل فترة في تحدٍ لذكر انجازات حكومتها في عام واحد خلال دقيقتين، فوجدتها تتحدث بكل سرعة معددة ما انجزته بالأرقام والاحصاءات الدقيقة الا انها لم تستطع الإلتزام بتحدي الوقت حيث تجاوزته بحدود الدقيقة تقريباً الا انه في نهاية التجربة، أنا كمتلقي أحسست بأهمية ما أنجزته هذه المرأة في بلدها.
أما الموقف الثاني فكان في تجربتي الشخصية عند مناقشة رسالتي لنيل شهادة الماجستير التي كنت أظن بأني كتبتها بإتقان وأني سوف لا ألقى الا المديح من اللجنة المناقشة، واذا بي أفاجئ بثلاث ساعات من الانتقاد المتوالي، مما جعلني صامتا مندهشا لا حول لي ولا قوة في رد ما ورد علي من اشكالات، وقررت للحظات ان أقوم بإتلاف الرسالة بعد الانتهاء من المناقشة ونيل الشهادة لما أصابني من احباط، وكعادة كل المناقشات سابقا هنالك دعوة غداء يحضرها بعض الأحبة واللجنة المناقشة، فإذا بهم ينهالون علي بالمديح وعلى ما كتبت: “لابد ان تطبع رسالتك ككتاب، تستحق اكثر من ماجستير، لم نجد الملل في قراءتها.. الخ”. فقلت مستفسرا: أين كان كل هذا المديح؟ ولم غاب عن المناقشة؟ ولم يظهر منها إلّا الانتقاد اللاذع؟!
فكانت الاجابة بأن العادة جرت هكذا لا نذكر الا الاخفاقات أملاً في رفعها، دون النظر الى ما قد تؤديه هذه الانتقادات الى سلب روح الإقدام والتحدي والاحباط.

أن رؤيتنا السلبية تجاه كل ما حولنا وتناقلنا للأخبار السلبية والمحبطة فقط، دون ذكر الايجابيات التي نمتلكها والتركيز على جلد الذات هي التي تجعل من الوضع والعيش اكثر مأساوية في بلدننا

لعلك عزيزي القارئ الآن بعد هذه المواقف تبينت لماذا اخترت عنوان المقال، وما ربطه بالموضوع؟ نعم؛ لو اعدنا صياغته بطريقة أخرى سيكون أكثر وضوحاً هل رؤيتنا لما يدور حولنا من احداث تغيير في تعاطينا مع الواقع سلباً وايجاباً؟ أم أن الأحداث السلبية والايجابية هي التي تؤثر في رؤيتنا تجاه الأمور أساساً.
شخصياً أرى أن رؤيتنا السلبية تجاه كل ما حولنا وتناقلنا للأخبار السلبية والمحبطة فقط دون ذكر الايجابيات التي نمتلكها والتركيز على جلد الذات هي التي تجعل من الوضع والعيش اكثر مأساوية في بلدننا.
فالعراق والبلدان الإسلامية كمعظم البلدان الأخرى فيها ايجابيات وبالذات في الأمور المجتمعية وعليها سلبيات كذلك.
لذا ارغب بدعوة ـ ولا اقول تحدٍ بل اكتفي بدعوة ـ جميع الاخوة الى نقل ونشر الصور الايجابية التي يرونها من حولهم، فحياتنا لا تخلو من ايجابيات بكل تأكيد سواء على المستويات الادارية والخدمية، وان لم تكن مثالية او على مستوى الامور الاجتماعية، فلا اظن أن هنالك مجتمعات كالمجتمع الاسلامية فيها روح التآخي والتعاون، لا أظن أن هناك مؤسسات تهتم بالفقراء والايتام والمعوزين كما يهتم المجتمع الاسلامي وبالذات العراقي منه، فلم نجعل هذه الصورة السوداوية هي المنتشرة عن مجتمعنا؟
علينا أن نسعى لتغيير هذه الصورة ورسم صورة أخرى تتلاءم مع واقعنا الحقيقي، مع طيبتنا، مع اخلاقنا، مع قيمنا الاسلامية والعراقية.
وقد أبدأ من نفسي وتجربتي الخاصة قبل فترة من الزمن حين مرضت ابنتي الصغيرة منتصف الليل فلم أجدل طريقا أسهل للوصول من مستشفى الأطفال الحكومي وبناء على الصورة النمطية التي احملها من الرؤية السلبية بأني سأجد مكانا مزدحما تملؤه الاوساخ ولا اجد من يجيبني عن اي سؤال او استسفسار، فإذا بي افاجئ بعكس ما كنت اظن، فالكل متعاون وأجريت كل الفحوصات اللازمة وعرضت على الطبيب الذي قال بأن لا شيء هنالك يقلق ولكن علينا التأكد فطلب مني ان اجري في اليوم التالي المفراس ومجموعة تحاليل أخرى.
قلت له: لنقوم بذلك في مستشفى أهلي للسرعة، قال: لا داعي لذلك في نفس مستشفى الاطفال تأتي في الصباح وستجد كل شيء، وبالفعل اليوم التالي قطعت (باص) بثلاثة آلاف للمفراس فلم يكن أمامي سوى شخصين، أجريت التحاليل العديدة بذات الباص وعدت لأجد أن دور ابنتي قد حان للمفراس وتمت العملية بكل سهولة وسلاسة، صراحة فوجئت لما وجدت من تنظيم نسبي في هذه المشفى بخلاف ما كنت قد قرأت عن سوء خدمات وزارة الصحة، ولعل معظمها صحيح الا أنه يبقى هناك جوانب ايجابية يمكن ذكرها لرفع روح الأمل لمستقبل أفضل إذا ما استنسخت التجارب الايجابية وتكررت.
هذه التجربة ليست الوحيدة فهنالك العديدة من التجارب الايجابية سواء على مستوى المؤسسات الخدمية الحكومية او المؤسسات المجتمعية التي تفوقها بكثير، ولكن اكتفى بها لأجدد الدعوة إليكم اخوة الأعزاء بذكرى ونشر ما ترونه ايجابية من حولكم.

عن المؤلف

محمد جواد منذور

اترك تعليقا