ثقافة رسالية

نهج البلاغة والحياة (31) قوة النفس من قوة الإيمان

قال أمير المؤمنين، عليه السلام: الجهاد على اربع شُعب..، “ومن صدق في المواطن قضى ما عليه”.

الامر بالمعروف لتأييد جبهة الحق، والنهي عن المنكر لارغام من انسدّ في هذه الجبهة، وبدأ بالانحراف سواء كان انحرافا فكريا ام خلقيا ام انحرافا في الموقف، والمؤمن موقفه تجاه المنافق هو النهي عن المنكر، ذلك لان من الممكن ان يتسرب منافقا الى صفوف المؤمنين، وقد يصبح مسؤولا داخل المجتمع الاسلامي، فإذا كان المجتمع متحصنا تجاه الانحراف فإن النفاق لا يمكن أن ينمو.

 من نهى عن المنكر أرغم انواف المنافقين” قد يكون من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المنافقين، كما نجد وعاظ السلاطين وعلماء البلاط، فالمفترض ان يكون أمينا على رسالة الله، قد يكون هو منكر.

الأمة كلها تتحمل مسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولابد ان تكون الامة متحصنة تجاه أي منحرف، سواء كان رئيس الدولة ام كان عالما، سواء كان إنسانا عاديا أم إماما للجمعة.

الدين حقيقة تظهر آثارها في عمل المؤمن وهنالك علامات لمن يستغل المعروف أو المحراب او يستغل الدين لذلك.

عن ابن عباس: إنه جاءه رجل، فقال: يابن عباس إن أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، قال: أبلغت ذلك؟ قال: أرجو، قال: إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل، قال: وما هن؟ قال: قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} أحكمت هذه؟ قال: لا، قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} أحكمت هذه؟ قال: لا، قال: فالحرف الثالث؟ قال: قول العبد الصالح شعيب عليه السلام { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ } أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فابدأ بنفسك.

⭐ كلما كان الانسان يمتلك رصيدا كثيرا من الايمان كلما كانت شجاعته في المواجهة أكثر

“ومن صدق في المواطن قضى ما عليه”

الايمان عهد بين العبد وربه، وهو ـ الايمان ـ التزام قلبي وروحي بين الانسان وبين الله، بأن ينصر الانسان ربه، الايمان الذي لا يتعرض للامتحان والابتلاء لا قيمة له، لانه كلما زاد ايمان الانسان زاد ابتلاؤه “اكثر الناس بلاء الانبياء ثم الاولياء ثم الامثل فالأمثل”.

حينما كانوا المؤمنون يأتون لرسول الله، صلى الله عليه وآله، لمبايعته، لم يكن ذلك من أجل الدنيا، وإنما مبايعة للآخرة، وكان رسول الله يقول لهم: قولوا لا إله الا الله تكونوا ملوكا في دنياكم وآخرتكم”.

ما دام أن المؤمن يدخل في عهد مع الله، فيجب ان يقضي ما عليه، فإن لم يصمد في وقت الصمود وضعُف في حالة معينة، فهو لم يقضِ ما عليه، يقول ـ تعالى ـ: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، وواجب المؤمن ان يصمد حينما يتعرض للابتلاء والامتحان.

امتحان الايمان يأتي عبر مواطن المواجهة، وحينما تجد أن نصرة في هذا الوقت ضرورية، فلابد ان تكون صادقا مع الله في كل ما قلت، فمن السهل ان ينطق الانسان بالشهادتين، ولكن من يكون صادقا فيها؟

ما يميز المؤمن الصادق عن الكاذب والمنافق هي ساعة المواجهة، قال الإمام الحسين، عليه السلام: ” إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قلَّ الديانون”.

قد يكون هناك من يتظاهر بالاسلام عمرا كاملا، ولكنه في وقت المواجهة والصعوبات، حينئذ يجبن وينهار، ويبدل جبهته، بينما امتحان الايمان هو موطن الصعوبة والمواجهة.

جاء رجل الى رسول الله، صلى الله عليه وآله، وقال: يا رسول الله إني احبك، فقال رسول الله: استعد للبلاء.

فقال: إني احبُّ علياً.

قال رسول الله: استعد للفقر.

البعض يريد الاسلام كما يريد الطفل العبادة أيام الامتحان لكي ينجح، فإذا نجح استمر في الصلاة، اما إذا رسب يترك الصلاة، وهكذا البعض؛ يريد الله لانه يعطيه تمرا وراتبا، فإذا تعرض للامتحان يترك الله!

⭐ الايمان عهد بين العبد وربه، وهو ـ الايمان ـ التزام قلبي وروحي بين الانسان وبين الله

المواجهة تكون على نوعين؛ فقد تكون مواجهة فردية، فأمير المؤمنين، عليه السلام، حينما خرج لمواجهة عمرو، قال رسول الله: خرج الايمان كله الى الشرك كله”. فلا يقل المؤمن انا واحدا! فقد يـأتي الامتحان حينما تكون فردا، قال رسول الله، صلى الله عليه وآله، في مدح أبي ذر: “يا با ذر تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك أقوام من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك”. فقيمته حين صرخ عندما سكت الآخرون، وهنا تجلت قيمة الايمان، وفي هذه الحالة يزهر الاسلام في قلب الانسان.

وقد تكون المواجهة أمام جبهتين؛ جبهة الايمان و جبهة الكفر، فمن يكن في جبهة الايمان فليستعد لكل الاحتمالات.

كلما كان الانسان يمتلك رصيدا كثيرا من الايمان كلما كانت شجاعته في المواجهة أكثر، وهذا ما عبر عنه الإمام السجاد، عليه السلام، في مجلس يزيد حينما وصل المؤمن الى الشهادتين، فقال عليه السلام: شهد بها جسمي وشَعَري وعظمي”.

روي أن رجلا أتى جبلا ليعبد الله فيه، فجاء به أهله إلى الرسول، صلى الله عليه وآله، فنهاه عن ذلك وقال: “إن صبر المسلم في بعض مواطن الجهاد يوما واحدا، خير له من عبادة أربعين سنة”.

إن امتحان الايمان الصادق يكون في مواطن المواجهة، والمؤمن بينه وبين الله عهد، ولابد عليه من تأديه ذلك العهد، وهو الصبر في المواطن، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: ومن صبر في المواطن قضى ما عليه”.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا