ثقافة رسالية

معالم الشخصية الإيمانية (2) بهذه الصفات ستتغيّر حياتك الى الأفضل*

افترض نفسك في عمارة متعددة الطوابق، وكل طابق يخلتف عما تحته وفوقه اختلافاً كبيراً، فكم سيكون الجهد الذي لابد أن تبذله حتى تنتقل من طابق الى آخر؟ مع الاشارة الى ان الجهذ المبذول سيغيرك من حالة الى أخرى، فالطابق الاول فيه حياة بسيطة، والثاني حياة أفضل وأهنأ عما في الطابق الاول.

نحن في الدنيا  إذا بذلنا جهداً مركّزا  ـ ولو خلال فترة قصيرة  ـ حتى ننتقل من حالة الى أخرى، فإن كل حياتنا تتبدل، وكل شيء يتغير، في أحاديث أهل البيت، عليهم السلام: “نوم العالم خير من شخوص الجاهل”، وفي رواية أخرى: “مداد العلماء افضل من دماء الشهداء”.

إذا افترضنا شخصاً كان جاهلاً ثم اصبح عالما، فكم هو التحوّل الكبير في هذه الشخصية، وفي هذا التحول بذلٌ للكثير من الجهد، وهو جهد يستحق أن يُبذل، لان وراءه ثواب وأجر عظيم، لانه انتقال الى وضع جديد يختلف عن السابق.

⭐ نحن في الدنيا  إذا بذلنا جهداً مركّزا  ـ ولو خلال فترة قصيرة  ـ حتى ننتقل من حالة الى أخرى، فإن كل حياتنا تتبدل، وكل شيء يتغير

إذا كانت لديك همّة، وعزم قوي بأن تكون لديك الشخصية الإيمانية، فإن عليك صرف جزء من وقتك في التحوّل، وبعد التغيّر والتحول ستجد بأن كل شيء يسهل عليك، ولكن السؤال: ماهي القوة التي تنقلنا من الحالة الأولى الى الحالة الأفضل؟

الاجابة على ذلك تتمثل في ثلاثة أمور:

أولا: التوكل على الله: فالتوكل على الباري ـ جل وعلا ـ قوة هائلة، فهو يجعل الانسان وكأنه يتناول الثريا بيده.

ثانيا: توفر الصفات ومحاولة تمثليها في شخصيتنا ـ وهذه الصفات سنذكرها في طيات المقال بشكل مفصل ـ.

ثالثا: الالتحاق بالتجمع الايماني؛ فالانسان حينما يكون مفرده لا يحقق أي انجازٍ في بناء شخصيته الايمانية، ويكون ذلك صعبا، لكن حين يلتحق بالتجمع الايماني يجد أن الانتقال من حالة الى أخرى سيكون انتقالا سهلا ويسيرا بدون جهود مضاعفة كما لو كان وحده.

  • الصفات الايمانية مرقاة الكمال

والسؤال هنا: ما هي الصفات الايمانية التي يجب أن يوفرها الانسان في نفسه؟

القرآن الكريم يبين هذه الصفات في مجموعة من الآيات الكريمة، يقول ـ تعالى ـ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

الصفة الأولى: أولى هذه الصفات هي الانفاق فهناك من يده مفتوحة سواء كانت حياته مسيورة او معسورة {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}، وهذه الصفة تتأتى حين يتجاوز الانسان ذاته؛ فيقهر نفسه، وعلقه يسيطر على هواه، عن حذيفة العدوي أنَّه قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي بين القتلى ومعي شيء مِن الماء ، وأنا أقول : إنْ كان به رمق سقيته ، فإذا أنا به بين القتلى ، فقلت : أسقيك ؟

فأشار إليَّ أنْ: نعم.

فإذا برجل يقول: آه ! فأشار إليَّ ابن عَمِّي أنْ: انطلق إليه واسقِه، فإذا هو هشام بن العاص.

فقلت: أسقيك؟

فأشار إليَّ أنْ: نعم ، فسمع آخر يقول : آه ! فأشار إليَّ أنْ: انطلق إليه.

فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى ابن عمِّي فإذا هو قد مات.

فماتوا جميعا ولم يشرب اي واحد منهم، وهذا قمة الايثار وكانوا مصداقا لقوله ـ تعالى ـ: {ويؤثرون على انفسهم … خصاصة المفلحون}.

الانسان عبر المران المستمر يسيطر على نفسه، وشهواته، وغلب هواه، فالانفاق في السراء والضراء عنده سواء.

الصفة الثانية: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، الانسان عنده ردة فعل سريع في لحظة الخطر الذي يتوجه إليه، فطبيعة الانسان ينفعل في هذه الحالة، وحين ينفعل يقوم بردة فعل، والمشاكل في كثير من الأمور تبدأ صغيرة بين اثنين في الشارع، سرعان ما يصور احدهما امام عشيرته ان المشكلة كبيرة، وكذلك الآخر، بعدها تنشب الخلافات بين العشيرتين، وبعدها تندلع المواجهات العسكرية لسبب بسيط وتافه جدا، كان احدهم يحلب الناقة فرماه آخر بسهم على محلب الناقة، وعلى إثر ذلك ادلعت حرب استمرت ثلاثمئة سنة، وكانت تلك بين الأوس والخزرج ولم تخمد هذه الحرب إلا بعد مجيء النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله.

⭐ الالتحاق بالتجمع الايماني؛ فالانسان حينما يكون مفرده لا يحقق أي انجازٍ في بناء شخصيته الايمانية

الصفة الثالثة: {وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ}، فلا يتوقف الانسان المؤمن عند كظم الغيظ فقط، بل ينتقل الى حالة أخرى وهي العفو.

الصفة الرابعة: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، والمحسن هو ذلك الذي يكون في عطاء دائم للناس، البعض يتعامل مع الآخر في العطاء تحت قاعدة: “واحدة بواحدة”، لكن هناك أناس يتعاملون بالإحسان؛ فإذا اعطاه احدهم شيئا فهو يرجعه مضاعفا.

وهناك صفات أخرى في طيات الآيات الكريمة؛ الانسان قد يخطىء في حالة من الحالات، نتيجة موجة تضليل من الشيطان الرجيم، والمؤمن إذا اخطأ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الذنوب نوعان؛ فالذنب الكبير يسمى فاحشة، اما ظلم النفس فهو أدنى من الذنب الكبير، {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ}، الذنب الذي يقترفه الانسان بينه وبين الله، فإنه ـ تعالى ـ الوحيد الذي يغفر ذلك الذنب.

{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، الاصرار على الخطأ هو تبرير للخطأ نفسه، وربما بهذا الاصرار قد يعاود لارتكاب محذور آخر، فلابد للمؤمن ان يتنازل عن ذاته في سبيل الله. وإذا التزم الانسان المؤمن بهذه الصفات فإن هناك عاقبة محمودة تنتظره، تبينها الآيات القرآنية في ذات السياق، { أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، الذنوب تتراكم على الانسان لكن في لحظة واحدة يغفرها الباري ـ جل وعلا ـ، وتكون نتيجة ذلك هو الثواب العظيم ودخول الجنة، وذلك هو الفوز العظيم الذي يجب ان يسعى الانسان لتحقيقه.


  • مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا