مناسبات

شهر الدعاء (1) جوهر العبادة

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

هاهو قد أقبل علينا شهر رمضان المبارك بالرحمة والمغفرة، هذا الشهر الذي دعينا فيه لضيافة الله وجعلنا فيه من أهل طاعته، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته لاستقبال شهر رمضان.

وحري بنا أن نتسائل ماهو هدف شهر رمضان؟

 وكيف نصل إلى هذا الهدف؟ وما هو أفضل ما نفعله في هذا الشهر؟

 وكيف نستفيد من ضيافة الله بهذا الشهر؟

 وماذا يريد الله منا؟

في الآيات الكريمة من سورة البقرة التي يتحدث الله تبارك وتعالى فيها عن شهر رمضان ويبين أحكامه، ومما يبينه عزوجل في تلك الآيات هو هدف شهر رمضان والذي هو الوصول إلى تقوى الله، حيث يقول تعالى؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

⭐ الصوم الحقيقي يكون عندما يلتزم المؤمن بكل أحكامه، وتصوم جوارحه وجوانحه فإنه يصل بصيامه إلى تقوى الله وهو الهدف المنشود في شهر رمضان

التقوى هي هدف شهر رمضان، والوصول إليها يكون من خلال مابينه الله ـ عزوجل ـ في نفس الآيات وهو الصوم، فالصوم الحقيقي والذي يكون عندما يلتزم المؤمن بكل أحكامه، وتصوم جوارحه وجوانحه فإنه يصل بصيامه إلى تقوى الله وهو الهدف المنشود في شهر رمضان.

وفي التأمل بتلك الآيات القرآنية الكريمة نكتشف من خلال السياق القرآني المتصل ان أفضل ما يفعله المؤمن في هذا الشهر حتى يستفيد من ضيافة الله هو قراءة كتاب الله عزوجل والدعاء، حيث أن كتاب الله هو القرآن النازل والدعاء هو القرآن الصاعد، ومما جاء في سياق الآيات القرآنية التي تتحدث عن الصيام: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

وأيضاً؛  {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}

وكأن الله ـ عزوجل ـ يقول لمن يسأل ماهو أفضل عمل نقوم به في هذا الشهر وكيف نتوجه لله ونتقرب منه ونصل إليه، فيجيب الله بهذه الآية { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} فالدعاء هو أسرع للطرق للوصول إلى الله وخصوصاً في شهر رمضان.

حيث أن الله ـ عزوجل ـ في هذا الشهر دعا عباده لضيافته، ومن يستفيد من تلك الضيافة هو من يتوجه إلى الله ويقبل عليه، والإقبال يكون بالعبادة لذلك كان شهر رمضان شهر العبادة، فجوهر الإقبال هو العبادة، وجوهر العبادة هو الدعاء، أو بتعبير آخر مخ العبادة،  يقول النبي صلى الله عليه وآله: “الدُّعَاءُ مُخُ‏ الْعِبَادَةِ وَ لَا يُهْلَكُ‏ مَعَ‏ الدُّعَاءِ أَحَد”، وقال أيضاً: “الْعِبَادَةِ الدُّعَاءُ وَ إِذَا أَذِنَ‏ اللهُ‏ لِعَبْدٍ فِي‏ الدُّعَاءِ فَتَّحَ‏ لَهُ‏ أَبْوَابَ‏ الرَّحْمَةِ إِنَّهُ‏ لَنْ‏ يَهْلِكَ‏ مَعَ‏ الدُّعَاءِ أَحَد”.

⭐ إن الدعاء هو الطلب من الله ـ عزوجل ـ الذي يكون بالتوجه إليه والإقبال عليه، وإن حقيقته هي توحيد الله

وقد أكد القرآن الكريم ذلك حيث جعل الدعاء بمنزلة العبادة ومن يعرض عن الدعاء كأنما استكبر عن عبادة الله، حيث يقول تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.

وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية: “هي والله العبادة؛ هي والله العبادة”.

وقال أيضاً عليه السلام: “إِنَّ الدعاء هو العبادة”.

في اترى ما هو الدعاء وما حقيقته؟

إن الدعاء هو الطلب من الله ـ عزوجل ـ الذي يكون بالتوجه إليه والإقبال عليه، وإن حقيقته هي توحيد الله كما جاء عن ابن عباس في تفسيره لمعنى الدعاء.

فعندما يقطع الإنسان أمله بكل ما دون الله ويطلب حاجته فقط من الله ويرجوه وحده، ويستشعر خضوعه وحاجته وفقره لله وغنى الله عنه فإنه يكون وحد الله، فيكون الإنسان قد وصل إلى أسمى الغايات وهي توحيد الله، حيث أن هدف الرسالات السماوية هو عبادة الله، ولا يمكن للعبادة ان تكون من دون التوحيد، وإن الدعاء يحقق ذلك الهدف وتلك الغاية، فالدعاء هو جوهر العبادة، وحقيقة الدعاء هي توحيد الله. لذلك جعل شهر رمضان شهر العبادة أي شهر الدعاء والتوجه لله، والإقبال عليه والإستفادة من موائد ضيافته، وهي موائد الرحمة والمغفرة والعتق من النار والفوز بالجنة ولا تنال تلك الا بالدعاء والمسألة، فعلى المؤمنين أن يكثروا من الدعاء في هذا الشهر الفضيل وان يسألوا الله بنيات صادقة وقلوب طاهرة وان لا يملوا من الدعاء فالله يحب العبد اللحوح وقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: “أكثروا من الدعاء، فإنه مفتاح كل رحمة، ونجاح كل حاجة، ولا ينال ما عند الله إلا بالدعاء، وليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه”.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا