مناسبات

الإعداد فلسفة الإنتظار

“الفائز الأول بالمسابقة للكتابة حول الإمام المهدي”

قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}.

الإعداد مسألة عقلية، ووجدانية، حيث أن في فطرة كل إنسان إذا أراد القيام بعمل ما، فإنه يعد ويستعد له، فمن أراد السفر لابد له من ان يعد له ويهيئ المستلزمات الضرورية لسفره، ومن يريد أن يبني بيتاً فإنه يعد له من خلال توفير قطعة الأرض التي يريد أن يشيد عليها البناء ومن ثم يضع الخريطة المناسبة ويوفر مواد البناء، وهكذا في جميع مجالات الحياة، فإنها تحتاج إلى إعداد، فإذا أقبل فصل الصيف فإن الناس يستعدون له من خلال شراء أجهزة التكييف والتبريد وتوفير وسائل الراحة واختيار الملابس المناسبة لفصل الصيف وحرارته، وكذلك بالنسبة للشتاء فيستعدون له بشراء الملابس التي تقيهم البرد وشراء أجهزة التدفئة وما أشبه، فكل شيء يحتاج إلى إعداد، وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة عندما ذكر أهمية الإعداد  والإستعداد في الحرب والمواجهة، ولكن حقيقة الإعداد حقيقة عامة تنطبق على الكثير من المصاديق وتسري على جميع الأمور.

ولأهمية الإعداد وضرورته الملحة، برزت أهمية انتظار الفرج، فقد جاء عن أهل البيت عليهم السلام: عن أمير المؤمنين عن الرسول الأكرم: “أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج”

⭐ إن الإنتظار يكون كذلك عندما يُطبق بمعناه الحقيقي وهو الإعداد، حيث ان الروايات تصرح بأنه عمل وحركة وجهاد، لا انعزال وصمت وسكون وانطواء على الذات، بل سعي دؤوب وعمل متواصل وحركة مثمرة

وعن أمير المؤمنين : “انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج، وعن الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله: “سلوا الله من فضله فإن الله عز وجل يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج”

وعنه أيضاً : “أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج”.

فما هي فلسفة الإنتظار؟

 وكيف لابد أن يكون الإنتظار الحقيقي؟

وماذا على المؤمن المُنتظِر ان يعمل في زمن الغيبة؟

 وكيف يكون الإعداد؟

إن الإعداد هو فلسفة إنتظار الفرج وهدفه، لذلك عُدَ إنتظار الفرج “أفضل الأعمال” و “أفضل العبادة”، و “أفضل الجهاد”، كما ورد ذلك في نصوص كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام.

إن الإنتظار يكون كذلك عندما يُطبق بمعناه الحقيقي وهو الإعداد، حيث ان الروايات تصرح بأنه عمل وحركة وجهاد، لا انعزال وصمت وسكون وانطواء على الذات، بل سعي دؤوب وعمل متواصل وحركة مثمرة.

فالمُنتظِر الحقيقي هو الذي فهم ان فلسفة انتظاره إنما تتمثل في الإعداد والإستعداد والتهيؤ لإستقبال الإمام صاحب العصر والزمان ونصرته، ألا ترى من ينتظر قدوم ضيفاً عزيزاً عليه، فإن انتظاره له يكون من خلال إعداد نفسه  وتهيئة منزله، وتحضير الطعام له وما أشبه.

وأي شخص اعز وأجل من المولى صاحب الزمان عجل الله فرجه، الذي ينتظره المؤمنون، فحري بالمؤمن المنتظر لإمام زمانه ان يعد نفسه إعداد حقيقي متكامل، حتى يحظى بشرف اللقاء ونصرة الإمام المهدي المنتظر -ارواحنا لتراب مقدمه الفداء-

وان الإنتظار الرسالي الحقيقي للإمام عجل الله فرجه الشريف إنما يكون من خلال الإعداد الذي يتمثل بما يلي:

  • أولاً: الإستعداد الروحي

إن من أهم الجوانب التي على المؤمن المُنتظِر أن يعمل عليها في الإعداد للقاء الإمام المنتظر هي الجانب الروحي في شخصيته، فلابد ان يجتهد في إعداد نفسه وتزكيتها وتكاملها والارتقاء بها في الإيمان واليقين والتقوى والورع، حتى يصل إلى مقام أصحاب الإمام الذين جاء في اوصافهم، بأنهم أفضل أهل زمانهم وأنهم رهبان الليل وهم أهل الفضائل والمناقب. فقال عنهم الإمام السجاد عليه السلام؛ “إن أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان.”

هذا وان من طرق تنمية الجانب الروحي في شخصية المؤمن المُنتظِر هو أن يلتزم بالواجبات ويترك المحرمات ويؤدي ما افترض الله عليه من الطاعات، ويحافظ على أوقات صلواته، بالإضافة إلى التطوع في أداء المستحبات؛ كالصلوات المستحبة، والصوم المستحب، وقراءة القرآن والتصدق، والأفضل إن يهدي ثواب ذلك للإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، حتى تكون هناك رابطة روحية بينه وبين الإمام، ومن ذلك أيضاً المواظبة على ذكر الإمام والدعاء له وندبته، كالإلتزام بإدعية الفرج، ودعاء العهد ودعاء الندبة، وزيارة آل ياسين وزيارة يوم الجمعة وما اشبه من الأذكار الخاصة بالإمام، كل ذلك كفيل بأن يقرب المؤمن من الإمام ويزيد بإيمانه ويرتقي بالجانب الروحي في شخصيته.

⭐ من الأمور المهمة في شخصية المؤمن المُنتظِر حيث لابد أن يكون صاحب فقه وفهم وعلم، ويمتلك العقيدة السليمة والثقافة الصحيحة ويمتلك الرؤية والبصيرة

كما ان من الإستعداد الروحي هو أن يعمل المؤمن على الوصول إلى مكارم الأخلاق واشرفها وان يعمل على اكتساب الفضائل والمناقب الحسنة، ويعمل على تزكية نفسه وتهذيبها وتصفيتها من رواسب الذنوب والخطايا وآثار الأخلاق السيئة، ذلك أن سوء الخلق لا يدع صاحبه يرتقي في إيمانه؛ فعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: “الخُلقُ السَّيِّئُ يُفسِدُ العَملَ كما يُفسِدُ الخَلُّ العَسلَ”.

كما أن حسن الخلق هو علامة الإيمان، فقد قال الإمام الباقر عليه السلام: “إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً”

  • ثانياً: الإستعداد العلمي

هو من الأمور المهمة في شخصية المؤمن المُنتظِر حيث لابد أن يكون صاحب فقه وفهم وعلم، ويمتلك العقيدة السليمة والثقافة الصحيحة ويمتلك الرؤية والبصيرة.

حيث أن آخر الزمان مليئ بالفتن والمضلات ولا ينجو فيه إلا من كانت عقيدته سليمة ولديه قواعد فكرية متينة يستند عليها، ويمتلك البصيرة النافذة التي يستطيع بها ان يميز بين الحق والباطل وبين الهداية والضلال، فلابد للمؤمن المُنتظِر ان يعد نفسه إعداد علمي متكامل ويتسلح بسلاح العلم والفكر والثقافة.

وأهم مصادر العلم والثقافة هي:

١- القرآن الكريم.

٢- السنة الشريفة (روايات وسيرة النبي وأهل البيت عليهم السلام).

٣- العالم الرباني المرتبط بالقرآن الكريم والسنة الشريفة.

وأهم وسائل التعلم والتثقف هي:

١- التفكر والتدبر.

٢- استماع الدروس والمحاضرات.

٣- قراءة الكتب الدينية والثقافية.

٤- الاقتداء والاتباع للعلماء الربانيين.

فالاستعداد العلمي هو أحد الجوانب المهمة في شخصية المؤمن المنتظر، حيث أن لا نجاة للمؤمن من فتن الدنيا ومضلاتها ولا نجاة له في الآخرة من العذاب إلا بالعلم، فقد جاء عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال: “يَا هِشَامُ نُصِبَ الْخَلْقُ لِطَاعَةِ اللَّهِ‏ وَ لَا نَجَاةَ إِلَّا بِالطَّاعَةِ وَ الطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ وَ الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَ التَّعَلُّمُ بِالْعَقْلِ يُعْتَقَدُ وَ لَا عِلْمَ إِلَّا مِنْ عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ وَ مَعْرِفَةُ الْعَالِمِ بِالْعَقْلِ”.

  • ثالثاً: الإستعداد الجسدي

لأن أصحاب الإمام “أسود النهار” و “قلوبهم كزبر الحديد”، كما وصفتهم روايات أهل البيت عليهم السلام، ولأن الإمام يريد رجال أبطال يواجهون اعتى الطغاة ويحاربون أقسى الظلمة ويتحدون الصعاب، فلابد من الإعداد الجسدي لذلك، حيث على المؤمن إن يربي نفسه على الشجاعة والاقدام ويهتم ببناء جسده والاهتمام بصحته حتى يكون بقوة جيدة يبذلها في نصرة الإمام، ويسعى للتدرب واكتساب المهارات القتالية والقوة البدنية وتعلم فنون القتال والتدرب على الأسلحة العسكرية، حيث يقول ـ تعالى ـ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، حتى يكون على أهب الاستعداد.

كما أن من الاستعداد الجسدي هو أن يكون المؤمن في هيئة و (كاريزما) محترمة من ناحية المظهر الخارجي المتمثل باللبس وقصة الشعر وما أشبه.

  • رابعاً: الإستعداد العملي

ويتمثل في العمل على تهيئة الأرضية للإمام من خلال السعي في إصلاح المجتمع وربط الشباب بالدين وتعريفهم بمسؤولياتهم الدينية وواجبهم تجاه إمام زمانهم، وذلك يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحياء المساجد، والدعوة إلى التمسك بنهج أهل البيت عليهم السلام، والعودة إلى القرآن الكريم وتطبيقه على الواقع.

حيث ان الإمام المهدي عجل الله فرجه، هدفه هو الإصلاح وربط الناس بدين الله ـ عزوجل ـ، فمن يعمل بهدف الإمام ويمهد له فإنه سيكون معه وسيختاره الإمام من أنصاره وأعوانه على تطبيق أمر الله تعالى في الأرض.

من يطبق ذلك وينتظر الإمام المهدي عجل الله فرجه من خلال التهيؤ والإعداد ويثبت على إيمانه بالإمام وانتظاره له فإنه حتماً يكون منتظِراً حقيقياً وينطبق عليه مصداق الإنتظار الذي ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام، التي تبين فضل وأجر المنتظر لإمام زمانه، قال الإمام الصادق عليه السلام: “يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول: عبادي وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي فابشروا بحسن الثواب مني فأنتم عبادي وإمائي حقاً منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم أغفر وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي”.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: “الأخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله”.

وعن الإمام الصادق : “المنتظر للثاني عشر (الشاهر سيفه بين يديه) كان كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله ان يذب عنه”.

وعن الإمام الباقر: “واعلموا أن المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم”. وعنه أيضاَ: “القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمد نصرته كالمقارع معه بسيفه”.

وعن الإمام الصادق: “إعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك، تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه”.

فالمؤمن المنتظر لإمام زمانه إذا مات على ذلك فإنه يحضى بالدرجة العالية والمقام الرفيع والثواب الجزيل، أما إذا أدرك الإمام فإنه يتشرف برؤيته ويتوفق لنصرته والجهاد بين يديه، فإن يحصل على الأجر العظيم والشرف الكبير، فقد جاء عن الإمام الباقر: “… ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيداً، ومن قتل مع قائمنا كان له أجر خمسة وعشرين شهيداً”.

 وعن أيضاً : “القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمد نصرته كالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان”.

 وعن الإمام الصادق عليه السلام، عندما دخل عليه رجل معه صحيفة وقال: “هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل. فقال: رحمك الله هذا الذي أريد. فقال الإمام الصادق : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتقر بما جاء من عند الله، والولاية لنا أهل البيت، والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا والورع والتواضع، وانتظار قائمنا، فإن لنا دولة إذا ما شاء الله جاء بها”.


المصادر:

١- الكافي ج ٢، ج ٨.

٢- الغيبة للنعماني.

٣- آمال الطوسي ج ٢.

٤- الغيبة للطوسي.

٥- كمال الدين وتمام النعمة.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا