حدیث الناس

المجالس الفاطمية أم مباريات كرة القدم

يحصل التزامن أحياناً في التقويم السنوي بين أحداث بهيجة وفق التاريخ الميلادي، وأخرى شجيّة وحزينة وفق التاريخ الهجري القمري، منها؛ الاعياد والمناسبات الوطنية وفق التاريخ الميلادي، بالمقابل تكون لدينا مناسبات حزينة تتعلق برموزنا الدينية الكبيرة؛ بدءاً برسول الله، ومن ثمّ الصديقة الزهراء، والأئمة المعصومين، صلوات الله عليهم أجمعين.

ومن هذه المصادفات ما يحصل اليوم من تزامن بين مباريات كرة القدم لبطولة كأس العالم، وحلول ذكرى استشهاد الصديقة الزهراء في الثالث عشر من شهر جمادى الاولى، فماذا يكون الموقف لدى الجمهور العراقي تحديداً في وقت تتابع شريحة واسعة من المجتمع هذه الرياضة المثيرة والحماسية، حتى امتد الأمر الى الفتيات الصغار، فضلاً عن الشباب والصبيان، والرجال (الآباء) من قبل؟

⭐ المباريات تنطلق في الساعة السادسة مساءاً، وقد بلغت مرحلة التصفيات الحاسمة، وهو وقت انعقاد معظم المجالس الفاطمية في كربلاء المقدسة، وفي سائر المدن العراقية

المباريات تنطلق في الساعة السادسة مساءاً، وقد بلغت مرحلة التصفيات الحاسمة، وهو وقت انعقاد معظم المجالس الفاطمية في كربلاء المقدسة، وفي سائر المدن العراقية، ولو أن بطولة كأس العالم تسدل الستار على مبارياتها في الثامن عشر من الشهر الجاري (كانون الاول) في المباراة النهائية للفوز بكأس العالم، بيد أن السؤال الحائر داخل البيوت وفي الشوارع؛ هل تكون الأفضلية على الانترنت لمباريات كأس العالم، أم لمتابعة البثّ الحيّ للمجالس الفاطمية على مواقع التواصل الاجتماعي؟

ربما يقول أحدنا: وما المشكلة في ذلك؟ نتابع مباريات كأس العالم، وبعد ساعة نتابع المجالس الفاطمية، او ربما يحصل العكس، لا فرق، ثم إن متابعة الاحداث الرياضية أمراً ايجابياً باعثاً ومحفزاً على الحيوية والنشاط والحماس، ويخرج النفس من الملل والرتابة، بل وحتى يشجع على ممارسة الرياضة بشكل عام، إنما القضية في إمكانية الاستفادة من هذه الاحداث الرياضية، كما نستفيد من مجالس الذكر الخاصة بأهل بيت رسول الله، لاسيما ما يتعلق بالشأن الانساني في مجال التهذيب والتقويم في التفكير والسلوك، فنحن نشاهد كيف يتحرك اللاعب ويراوغ بالكرة بذكاء، ثم يختار المكان المناسب لتحويل الكرة الى صاحبه، ومتى ينطلق من جناح الملعب ليحصل على مناولة من منطقة الوسط وينفرد بالكرة مع حارس المرمى، ثم يفكر بدقّة متناهية وخلال لحظات سريعة جداً بالطريقة التي يقذف بالكرة الى شباك المرمى بعيداً عن يد حارس المرمى، وعندما يحرز الهدف ويقفز اللاعبين فرحاً يعني أن الفريق حقق نجاحاً من خلال خطوات ناجحة في الساحة.

وهذا يذكرنا بنجاح آخر من نوع خاص نجده في سيرة الصديقة الطاهرة خلال المجالس الفاطمية عندما يتناول الخطباء سيرة حياة هذه السيدة العظيمة وكيف أنها حققت النجاح في حياتها وعاشت سعيدة مع زوجها وابنائها، وحتى مع جيرانها ومع سائر افراد المجتمع، فهي تدعو للجار، وتعطي للفقير، وتتواصل مع بنات جنسها فيما يحتاجون، أما عن سيرتها مع أهل بيتها ، ومع رسول الله، فانه يطول، نتركه لأهل المنابر ولمن اراد الاستزادة من المصادر الموجودة.

⭐ النجاح الذي يبحث عن الانسان ذو الرؤية البعيدة نحو المستقبل، هو النجاح في الوصول الى افضل درجات البرّ للوالدين، والنجاح في الحصول على الفتاة الصالحة لأن تكون الأم والمربية في المستقبل، فضلاً عن النجاحات التي يفكر بها شباب اليوم، من الوصول الى مراقي العلم والمعرفة في الدراسة

النجاح في مباريات رياضية أمرٌ محمود، يثير مشاعر الفخر والاعتزاز لاسيما اذا كان الأمر يتعلق بتمثيل بلد وشعب بأكمله، كما أنه يشكل نقطة مضيئة في حياة الرياضي نفسه، بأنه حقق شيئاً ايجابياً في حياته، واسعد الناس في لحظات رائعة، بيد أن هذه المشاعر لن تستمر طويلاً، فقد ينتهي موسم المباريات او البطولات، ويعود الناس الى حياتهم الطبيعية، بينما النجاح الذي يبحث عن الانسان ذو الرؤية البعيدة نحو المستقبل، هو النجاح في الوصول الى افضل درجات البرّ للوالدين، والنجاح في الحصول على الفتاة الصالحة لأن تكون الأم والمربية في المستقبل، فضلاً عن النجاحات التي يفكر بها شباب اليوم، من الوصول الى مراقي العلم والمعرفة في الدراسة، ومن ثم الدخول الى المجتمع بعناوين مرموقة مثل؛ الطبيب، والمهندس، والمحامي، والعالم بالاقتصاد أو الاجتماع او السياسة. إن الصديقة الزهراء تعلمنا كيف يكون العالِم انساناً معطاءً ومضحياً لانقاذ المجتمع من الجهل والتخلف، وكيف يكون الانسان الغني بثروته وممتلكاته انساناً كريماً يستشعر آلام الآخرين، ويحارب الفقر بمشاركته في أعمال البر والإحسان، وهاتين الحالتين جسدتهما الصديقة الزهراء بكل روعة وبطولة في أحداث نقرأها في سيرتها، ويرويها أهل المنابر، فضلاً عن الجوانب الاخرى من سيرتها المشحونة بالنجاحات والمنجزات التي إن أخذنا بها، ولاسيما الفتيات والنساء، لكان وضعنا مختلف تماماً عما عليه اليوم.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا