بصائر

هل نتمكن من تحمل المسؤولية؟*

المسؤولية ذات أهمية كبيرة في حياة المجتمع، وقبل الحديث عن المسؤولية لابد من بيان بصيرتين:

الأولى: لا نتحدث من اجل ان نفهم فقط، وانما من أجل الاستيعاب ايضا، وتصبح الحقائق جزاءً لا يتجزأ من شخصياتنا وذواتنا، وتغير سلوكنا وافكارنا، وتصلح مسيرتنا، فنحن في الدنيا نتعرض للتحديات، ففي الحالات العادية لا يشعر الإنسان بالتحديات، لكن خلال لحظة واحدة يأتي التحدي من قبيل البلاءات والفتن.

مَن يمتلك رصيداً من الايمان والبصائر القرآنية الكافية فهو يتجاوز التحدي المرحلي بكل سهولة، أما إذا لم يمتلك ذلك، فقد يسقط في الامتحان.

⭐ من يمتلك رصيداً من الايمان والبصائر القرآنية الكافية فهو يتجاوز التحدي المرحلي بكل سهولة

الثانية: ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ حين خلق الخلق اودع فيه انظمة تساهم في صلاحه، وإذا ذهبنا الى أي علم كان نجد ان هناك عناصر في الخَلق، بالاضافة الى عناصر في المحافظة عليه، ـ فمثلا ـ الإنسان لديه الكثير من الخلايا ـ مثلا ـ الخلايا البيض، وهناك قوة تحافظ على الخلايا، بعض الناس مناعتهم الذاتية قليلة، فمع أول فايروس يسقط، والبعض الآخر لديهم مناعة ذاتية قوية تتحدى الأمراض، هذه المناعة هي التي تحافظ على خلايا الانسان، وبالتالي تحافظ على الانسان ككل.

احدهم كان لديه بحيرة لتربية الاسماك وكانت بعض الطيور تأتي لأكل بعضا من تلك الاسماك، فقرر ان يعمل شبك غطّى به مساحة البحيرة، وبذلك تم منع الطيور من الوصول للأسماك. في تلك السنة ماتت اكثر الاسماك، فقال صاحب البحيرة: عرفت حينها ان الطيور لا تأكل إلا السمكة المريضة! هكذا هي حالة الحياة في الطبعية.

لكن البشر يختلف عن ذلك، لأن الله ـ تعالى ـ زوده بقوة العقل والإرادة، وجعل فيه الشهوات حتى يمتحنه بذلك.

المسؤولية قيمة؛وبفهمها بشكل صحيح نطهر انفسنا والمجتمع من حولنا، والله ـ تعالى ـ يذكرنا عواقب الهروب من المسؤولية ويكون جزاء ذلك في الدنيا او الآخرة.

الله ـ تعالى ـ لم يأخذ الأقوام بذنوبهم في بداية العصيان، فمثلا قوم لوط، تركوا المسير الصحيح للإنجاب واتجهوا نحو الشذوذ الجنسي، كما يحصل الآن وما يعمله المثليين ومحاولتهم إعادة المجتمع الى ما كان عليه قوم لوط، فالله ـ تعالى ـ لم يأخذ قوم لوط بالعذاب في بداية الامر، بل حذرهم وانذرهم، ثم اخذهم حين لم يستجيبوا.

حسب آخر التقديرات الحديثة وعبر لجنة تشكلت من ثلاث دول، ان العذاب الذي نزل على قوم لوط يعادل ألف قنبلة ذرية كتلك التي أُلقيت على هيروشيما، حتى عظامهم لا أثر لها في البحر الميت!

الله ـ تعالى ـ يحمّل الناس المسؤولية: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

المسؤولية تعني: أن جزاءنا في الخير والشر حاضر، بمعنى آخر: الله حين خلق هذا الكون جعل فيه ردود أفعال، فإذا عمل الإنسان شيء يعود إليه سواء كان خيراً أم شراً، فالذي يركض كرة القدم باتجاه الحائط فإنها تعود عليه! لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الإتجاه.

  • انواع المسؤولية

المسؤولة نوعان؛ مسوؤلية الفرد عن المجتمع، فإذا انهار المجتمع فلا قيمة حينها للفرد، والباري ـ جل وعلا ـ يذكرنا بهذه المسؤولية؛ فيرسل لنا الأنبياء، ويضرب لنا الامثال عبر آيات الذكر الحكيم.

⭐ المسؤولية قيمة؛وبفهمها بشكل صحيح نطهر انفسنا والمجتمع من حولنا

الإنسان مسؤول عن مجتمعه، لان التقدم الحضاري او التخلف يصيب الكل، فالكل مسؤولون عن التقدم او التخلف، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله:  “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم”.

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “اتقوا الله في عباده وبلاده فانكم مسوؤلون حتى عن البقاع والبهائم”. فإذا كانت هناك ارض ـ كالعراق مثلا ـ لم ينزل المطر فيها، فالناس مسؤولون عن ذلك، “إذا جار القضاء منعت السماء قطرها”. كل شيء خاطئ في حياة الإنسان إنما يصيبه حين يرتكب الذنوب، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين، عليه السلام، في قول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}: ليس من إلتواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عود إلا بذنب ولما يعفو الله أكثر، فمن عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا فإن الله أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة”.


  • مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا