قراءة فی کتاب

التطبيع مع المنكر

قبل ثلاثين سنة او زد عليها قليلا؛ كانت حالات الطلاق، او بعض المنكرات الأخرى قليلة الحدوث، وإن حدثتْ فهي تقع بين سنين متباعدة، يقول أحد كبار السن في منطقتنا: كانت إذا حدثت حالة طلاق في منطقتنا أو منطقة مجاورة لنا، نتعجب! وتبقى هذه الحالة حديث الناس لاسابيع وربما لأكثر من ذلك.

📌 لا ينبغي أن يكون الحديث عن الفواحش منتشرا بين المؤمنين، وحتى لو كان بغرض الاصلاح

يضيف قائلا: نحن لم نعتد حدوث حالات مشابهة، وإذا حدثت فهناك استهجان كبير من الناس، أما هذه الأيام فعشرات الحالات المختلفة؛ من طلاق، وقتل، وأفعال منكرة أخرى، تقع بين الفَينة والأخرى، وكأن الناس قد تطبعوا عليها، وألِفوا سماع أخبارها، ويتداولونها وكأنها حدث عابر!

جميعنا وبنسب متفاوتة يتعرّض لأخبار كثير على مستوى اليوم والليلة، وأغلب تلك الاخبار ـ بالتأكيد ـ ليست كلها إيجابية، فهي من قبيل: امرأة تحرق زوجها وتهرب مع عشيقها، أوخبر مفاده: أحد الآباء في محافظة ديالى يلقي بأطفاله من أعلى الدار.

في بداية الأمر قد نستهجن بعض الأخبار، أو الأفعال التي تخالف الفطرة، والإنسانية، والأخلاق، وتتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ولكن شيئا فشيئا تصبح هذه الأخبار عادية بالنسبة لنا، لأننا اعتدنا على سماع مثيلاتها عشرات المرات في اليوم والليلة، خصوصا وأن وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي تنشر هذه الأخبار، ليس من بلدنا فحسب، بل ومن بلدان كثيرة، وبهذا يصبح التفاعل معها باهتا وعاديا.

تكمن الخطورة في أن كثير من الناس بدأوا يتعايشوا مع بعض المنكرات، لأنها أصبحت روتِيْناً يومياً، بل حدا بالبعض الى التعرض لمن يستهجن الافعال المنكر؛ كما حدث في قضية سندباد بغداد، والتي اثارت ضجّة كبيرة في حينه.

وحتى لا نعتاد على المنكر وربما نصل الى مرحلة التطبيع معه، سعى السيد محسن المدرّسي وعبر مؤلفه القيّم “التطبيع مع المنكر” الى مناقشة هذه القضية المهمة، عبر بيان ماهية التطبيع مع المنكر، وما هي اساليبه، وكيف يمكن مواجهة التشوه الذي يصيب فطرة الإنسان. يقع الكتاب في أربعة فصول، وبإيجار نعرض تلك الفصول:

  • الفصل الأول: عن الفطرة

في هذا الفصل بيّن المؤلف ما هي الفطرة؟ وهل كل البشر يمتلكونها أم لا؟ وهل هي اكتسابية؟ أم أنها خلقت مع الإنسان؟

وفي تعريفه للفطرة يقول المؤلّف: “ما نفهمه أن أساس الفطرة، هي ما يرتبط بمعرفة الخالق، ومن ثم معرفة الحُسن والقبح، وبعد ذلك منظومة القواعد العقيلة التي تكون أساسا لأي عملية استدلال ومعرفة، وهذه بجملتها ما نطلق عليه (الفطرة)”.

وفي هذا الفصل من الكتاب يوضح المؤلف الفطرة، ويستشهد بأمثلة كثيرة، ثم يستطرد الى أن الفطرة أيضا يمكن أن تتعرض للتشويه، فنتقلب المعايير عندها؛ فترى المنكر معروفا، والمعروف منكرا.

  • الفصل الثاني: التطبيع مع المنكر، المفهوم والأدوات

وفي الفصل الثاني من الكتاب تعرّض المؤلف المدرّسي الى ماهية التطبيع مع المنكر، وكيف يُستساغ المنكر عند البعض حتى يصبح حالة عادية، يتطبع معها شيئا فشيئا.

وتناول في هذا الفصل التبرير الذي ينطلق تحت ثقافة (شكو بيها)، يقول المؤلف في تناول بعض الأمثلة لهذه الثقافة الخاطئة:

“(شكو بيها) إذا كان الشخص مدمنا على الخمر، صحيح أنه مذنب لكنّه يساعد الفقراء”.

 في هذا الفصل ايضا أشار الى حِكمة حرمة اظهار الفاحشة، قولا وفعلا في المجتمع، وفي هذا الصدد يقول المؤلف في إشارة مهمة ويجب أخذها بعين الإعتبار: “ولذا لا ينبغي أن يكون الحديث عن الفواحش منتشرا بين المؤمنين، وحتى لو كان بغرض الاصلاح، فينبغي أن يكون مقتصرا على أضيق دائرة، لا أن يكتب الكاتب منشوراً عاماً ينتقد حالة واحدة لم يعرف بها أحد، أو يحاضر الخطيب معلنا عنها، وبدل أن يعالج المشكلة يزيدها تفاقما بنشرها في المجتمع، فهو وإن صلحت نيته إلا أنه ساهم في نشرها”.

  • الفصل الثالث: مراحل التطبيع مع المنكر

في هذا الفصل يتناول المؤلف المراحل المختلفة التي يمر بها الإنسان حتى يصبح مطبعاً مع المنكر، وأشار الى أن الإنسان المؤمن يحترم العناوين الشرعية التي جاء بها الدين، وكل ما يرتبط بالله ـ جل شأنه ـ فهو مقدس ومستمد قدسيته من الباري ـ عزل وجل ـ.

والى مراحل التطبيع أشار المؤلف الى مرحلتين، وكل مرحلة منهما تضم مراحل ثانوية:

المرحلة الأولى: تخفيفه وتقليل قُبحه (ثقافة شكو بيها).

المرحلة الثانية: انقلاب القيم والمفاهيم.

  • الفصل الرابع: سُبل المواجهة

بعد أن نقاش المؤلف الداء وفصّل فيه، وأبان أسبابه، يتطرق في هذا الفصل الى العلاج الناجع الذي يجب أن يؤخذ بجدية.

📌 تكمن الخطورة في أن كثير من الناس بدأوا يتعايشوا مع بعض المنكرات، لأنها أصبحت روتيناً يومياً

في هذا الفصل يطرح المؤلف تكتيكات فعالة لمواجهة الثقافة الخاطئة التي مُني بها الكثير من أبناء المجتمع، وهذه التكتيكات يمكن الاستفادة منها لمن وقع في وحل تلك الثقافة، بأن ينتشل نفسه من ذلك المستنقع، ولمن لم يقع، حتى يحذر من الوقوع في شِراك الثقافة الخاطئة والمغلوطة.

من طرق طرق المواجهة التي يطرحها المؤلف:

اولا: تعظيم الله عز وجل.

ثانيا: مفارقة أهل المعاصي.

ثالثا: التجمعات الايمانية.

وغيرها من طرق المواجهة ذكرها السيد المؤلف، وأوضح كيف يكمن للفرد ان يحصّن نفسه ومن حوله.

يقع الكتاب في 160 صفحة، بواقع اربعة فصول، يشار الى ان الكتاب يباع بدار البصائر، الواقعة في شارع قبلة الإمام الحسين، عليه السلام، كما أن الكتاب متوفر بالصيغة الإلكترونية ((pdf، وللحصول على النسخة الإلكترونية عبر قناة المؤلف على التلغرام: https://t.me/Mohsen_Modarresi

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا