إضاءات تدبریة

المؤمن الذكي كيف يتعامل مع الاخبار؟

التعامل مع الآخرين والتواصل معهم هو أساس حياة الانسان الاجتماعية، فالله ـ تعالى ـ ميَّز الانسان عن سائر المخلوقات الحية بميزات عديدة؛ من أهمها أنه مخلوق اجتماعي يحتاج الى التعاطي مع الآخرين، فالزراعة، والصناعة، والبناء، والانتاج، والتجارة، والطعام، واللباس، والاجهزة والملزومات، كل ذلك وعشرات المفردات الأخرى في حياة الانسان تتوقف على التعاطي والتعامل مع الآخرين.

ولكي تنعم حياة الانسان بالراحة النفسية والطمأنينة لا بد أن يكون هذا التعاطي والتعامل قائماً على اساس سليم وايجابي وبنّاء، ولا يكون كذلك إلا إذا كانت افكار الانسان وخططه وبرامجه قائمة على العلم والصدق.

فاذا علمتَ أنَّ الثوب الذي تحتاجه موجود في السوق الفلاني، وأن بائع الثوب صادق حين يقول لك أنه منسوج من القطن، وأن مقاسه (42) فيناسبك، وأن قيمته الحقيقية كذا، وأنا اربح 10% ليس أكثر، كل هذه المعلومات هي التي تجعلك تقرر شراء هذا الثوب لأنك تحتاجه. هذا كمثال بسيط، وإلا فانك في كل شيء في الحياة تستند قراراتك على العلم والمعلومات.

فقسم من المعلومات تحصل عليها بجهدك الشخصي، حيث تتعرف على انواع المحلات التجارية ونشاطاتها، وتسجل عناوينها في ذهنك وذاكرتك، فكلما احتجت الى شيء ترجع الى الذاكرة، وتسترجع العناوين، فتعرف أن حاجتك موجودة في المحل التجاري الكذا، الموجود في العنوان كذا، فتذهب اليه وتأخذ أو تشتري تلك الحاجة.

📌 لكي تنعم حياة الانسان بالراحة النفسية والطمأنينة لا بد أن يكون هذا التعاطي والتعامل قائماً على اساس سليم وايجابي وبنّاء، ولا يكون كذلك إلا إذا كانت افكار الانسان وخططه وبرامجه قائمة على العلم والصدق

أما القسم الاعظم من المعلومات الحياتية  فانها تأتي عن طريق إخبار الآخرين لك بذلك.

فأحياناً تسأل الآخرين عن شيءٍ ما فيخبروك عنه، واحياناً أخرى هم يبادرون الى إخبارك عن طريق الإعلام والإعلان.

والإعلانات والأخبار قد تكون مربوطة بامور مادية (كالاعلانات التجارية) وقد ترتبط بامور معنوية ونظرية في الحياة؛ كالأخبار السياسية والاجتماعية والدينية وما شاكل.

وهذه الاعلانات والأخبار إذا كانت صادقة وصحيحة فانها تشكّل خلفية القرارات والتوجهات السليمة للانسان في الحياة، أما إذا كانت مفبركة وكاذبة فانها تتسبب في وقوع الانسان في أخطاء واشتباهات تجعل حياته نكدة، وتقوده الى مسالك غير صحيحة، وبالتالي الاخفاق في تحقيق الأهداف المرجوّة من تحركاته وقراراته في الحياة، بلا فرق بين المادية والنظرية والمعنوية .

من هنا أعطانا القرآن الكريم معيارين في هذا المجال: العلم والتبيّن.

1- قال ـ تعالى ـ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.(سورة الاسراء)، فعليك ان تحصل العلم وتتبع العلم في الحياة وليس الجهل، فاذا كنتَ تجهل الطب لا يصح لك أن تذهب الى الصيدلية وتأخذ منها ما يحلو لك من العلاجات دون علم بتفاصيلها وما اذا كانت تفيد حالتك أم لا.

2- اما التبيّن فهو يرتبط بالمعلومات التي يضخها الآخرون وتتلقاها أنت. هنا عليك أن تتثبت وتتبيّن من مصداقية هذه المعلومات والأخبار، وذلك عن طريق المعيار الذي وضعه القرآن بقوله:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

  • من هو الفاسق؟

قد يتصور البعض أن الفاسق فقط هو من يتجاهر بارتكاب المعاصي والذنوب المتعارفة بين المجتمع، بينما معنى الفاسق أوسع من هذا، فهو كل منحرف عن طريق الصواب، سواء كان متجاهراً بارتكاب المعاصي؛ كمعاقرة الخمر، ولعب القمار، وايذاء الناس، وسرقة الاموال، وارتكاب المفاسد الأخلاقية، وما شابه، او كان يعصي الله في السياسة والإدارة وجعل الأخبار، وتزوير الحقائق وما شاكل.

📌 الاعلانات والأخبار إذا كانت صادقة وصحيحة فانها تشكّل خلفية القرارات والتوجهات السليمة للانسان في الحياة، أما إذا كانت مفبركة وكاذبة فانها تتسبب في وقوع الانسان في أخطاء واشتباهات تجعل حياته نكدة

فالآية الكريمة تطالب المؤمن ان لا يعتمد على كل خبر يسمعه. ولا يصدق كل نبأ، خاصة حين يصدر من (فاسق) أي من شخص او من جهة غير ملتزمة بالشرع وقيم الدين. بل يجب التبيّن والفحص لمعرفة صدق الخبر من كذبه، فاعتماد الأخبار الكاذبة تثير المشاكل في المجتمع: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} ونتيجة ذلك يكون: الندم سواء في الدنيا او في الآخرة او كليهما: {فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

وفي عصرنا الحاضر اتسعت مصاديق الآية الكريمة، حيث تشمل اليوم:

1- أخبار الإذاعات وشبكات التلفاز والصحف والمجلات، والتي اغلبها يصدّرها اناس غير ملتزمين بالقيم الدينية، او دول وجهات دولية فاسقة.

2- شبكات التواصل الاجتماعي وكل فروع شبكة الانترنت، حيث الأخبار والأنباء والمعلومات تُحشر فيها من الفاسق وغير الفاسق، بل الفاسقون هم الأكثر استفادة من هذا المجال لبث الأكاذيب، فاللازم عدم الاعتماد على هذا المصدر، بل الأصل في هذا المصدر هو الكذب حتى يثبت العكس.

3- بيانات الحكومات والمؤتمرات الصحفية لكبار مسؤولي الدول حيث ثبت بالوجدان والواقع أنها تحتوي على الكثير من الاكاذيب والمزاعم غير الحقيقية مما يستدعي التبيّن والنثبّت قبل تصديق ما يُقال.

في كل الأحوال: المؤمن يجب أن يكون ذكيا، لا يقبل معلومة أو خبراً بلا دليل يدل على الصدق، فهو لا ينعق مع كل ناعق، ولا يميل مع كل ريح.

عن المؤلف

الشيخ صاحب الصادق

اترك تعليقا