ثقافة رسالية

نهج البلاغة والحياة (10) من ينجو من الفتنة*

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “ما كل مفتون يعاتب”.

الفتنة لها معانٍ مختلفة منها؛ أن يتعرض للإنسان الى الامتحان، أو ان يدخل في شبهة، الفتنة بهذا المعنى يبتلى بها كل إنسان، لأن هذه الارض مساحة امتحان؛ فبعضهم يخرج من الفتنة سالما، وبعضهم يخرج منها ساقطا.

 اولئك الذين يُفتنون قد يجرى منهم العودة، فلابد من عتابهم، فإنسان فتن بالمال، أو بالجمال، أو آخر بالسلطان، ولكنه تعثّر في هذه الفتنة ولم يبقَ ثابتا، هذا الانسان لابد من عتابه.

لكن ليس كل المفتونين يُعاتَبون؛ إذ ليس كلهم يرجى منهم الشفاء من الفتنة، والخلاص منها، “ما كل مفتون يعاتب”، أمير المؤمنين، عليه السلام، قال هذه الكلمة لثلاثة من اصحابه، حين رفضوا أن يذهبوا معه لمعركة الجمل.

كثير ما تقع شبهة للإنسان فلا يدري أين هوالحق وأين هو الباطل، ومن لا يملك بصائر وهدى من القرآن الكريم، ولا يحمل رؤيةً صادقة عن الحياة، فإن هذا الإنسان في اوقات الشبهة يسقط، و يتخذ موقفا سلبيا تجاه الحق.

  • بصائر القرآن طريق النجاة

من يحملون بصيرة من القرآن الكريم، او يمتلكون رؤية للحياة، هم الذين ينجون من الفتن، لأن الفتن تأتي مشتبهة، فالحق يختلط بالباطل، خاصة في بداية الفتنة، فقد يرى إنسان ما الباطل ولكن من زاوية الحق فيتمسك بالباطل فيسقط في الفتنة.

المفتونون يحتاجون الى عتاب وهداية، لان الذي يُفتتن بالمال، أو السلطان او ما أشبه، قد يكون عن وعي وعن بصيرة يتمسك بالباطل.

📌كثير ما تقع شبهة للإنسان فلا يدري أين هوالحق وأين هو الباطل، ومن لا يملك بصائر وهدى من القرآن الكريم، ولا يحمل رؤيةً صادقة عن الحياة، فإن هذا الإنسان في اوقات الشبهة يسقط، و يتخذ موقفا سلبيا تجاه الحق.

 صحيح؛ أنه يجب أن نعاتب ونهدي من يسقط في الفتنة؛ الى الصراط السوي، وأن نأمرمهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، ولكن ماذا تفعل مع شخص ـ مثلا ـ مفتون بالسلطان، فهل عنده مشكلة في الهداية؟ أم انه لا يعرف الحق من الباطل؟ أم ذلك الذي يصر على رأيه فهل عنده مشكلة انه لا يريد الارشاد؟

الطواغيت والحكام الظلمة لا يُعاتبون بل على الناس أن لا يسكتوا عن ظلمهم، فهؤلاء ليسوا في موقع عتاب، ولا يحتاجون الى هداية وإرشاد!

كل إنسان يُعرّض لنوع من الفتنة، ولذا لابد للفرد أن يتهم نفسه بين حين وآخر، ويقوم بعمليةِ نفضٍ لاهوائه ورغباته، وفي كل موقف لابد أن يتساءل: إني أرى هذا الحق، فهل اهوائي هل التي تزين لي الباطل في ثوب الحق أم لا؟

ليس دائما يرى الانسان الحقّ حقا، والباطل باطلا، ولذلك نقرأ في الدعاء، ونطلب من الله: اللهم أرني الحق حقا فأتبعه، وأرني الباطل باطلا فاجتنبه”، لان هناك من يرى الباطل حقا، ويرى الحق باطلا.

يقول الإمام الباقر، عليه السلام: “اجتمع على جدي الحسين في كربلاء ثلاثون ألفا كلٌ يتقرب الى الله بدمه”، الأهواء البستْ جريمة قتل الإمام الحسين، عليه السلام، ثوب الحق والاصلاح.

  • هل بإمكاني اختيار الامتحان الذي يناسبني؟

من يمتلك هدى وبصائر لايسقط في فتنة الباطل، ولكن الذي لا يمتلكهما هو الذي يسقط، إذاً فكلنا معرضون للفتنة، والفتنة يحددها الله ـ تعالى ـ؛ فقد لا يسقط إنسان في فتنة الفساد الخُلُقي، ولكنه يسقط في فتنة عبادة المال، وقد يسقط في فتنة عبادة السلطان، أو في فتنة عدم نصرة الحق، فنوعية الامتحان والفتنة يحددها الله لا الإنسان نفسه.

في كلام لامير المؤمنين، عليه السلام، يبين فيه الفتنة على حقيقتها، يقول عليه السلام: “إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اَللَّهِ”، حينما يأتي المشرعون في دولنا  الاسلامية لكتابة الدستور، يطالبون ان لا يكتب في الدستور ان الاسلام مصدر رئيسي للتشريع، وإنما يبقى الاسلام شكليا، لا يتعدى إلا في حدود التهاني العيدية بين الروؤسا، وهذا هو خلط الحق بالباطل.

📌 ثمن الجنة دفعه الانبياء، والاولياء، أما من يريد أن يدخل الجنة بدون ثمن فلن يكون ذلك. فإذا كان الانبياء يدفعون ثمنا ويتعرضون للإمتحان، فكيف بنا نحن؟

الكل معرض للفتنة؛ سواء المؤمن أم الكافر، والمؤمن أشد افتنانا، يقول الله ـ تعالى ـ في حديث قدسي” لولا أني استحي من عبدي المؤمن ما تركت عليه خرقة يتوارى بها”. لا لأن الله لا يريد للمؤمن خيرا، ولذا فإن البعض يظن أن عبادة الله يعني أن الله يوفر لهم كل شيء؛ فلا يصاب في ماله، ولا عائلته، ولا في وطنه، ولا في أمته.

  • هل أعددنا ثمناً للجنة؟

يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل “، فكلما كان الانسان قريبا من الانبياء كلما كان البلاء اسرع إليه. جاء رجل الى رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه وآله فقال له : إني أحبك يا رسول الله.

 فقال له النبي: أبشر بكثرة الإبتلاء.

 فقال: وأحب ابن عمك علي بن ابي طالب.

 فقال النبي: أبشر بكثرة الأعداء .

فقال: إني أحب الحسن والحسين فقال النبي : فاستعد للفقر وكثرة البلاء”.

المؤمن مبتلى يعني ذلك ان الله ـ تعالى ـ يمتحن ايمانه لحظة بلحظة، لكي يبقى أمله في الله وحده، وتكون قوته في الله.

أما أن يؤمن الانسان بالله لانه يعطيه بيتا، فهذا حب البيت والمسكن، ومن يحب الله لانه يشافيه، فهذا حب الطبيب والصيدلية، نعم؛ الله يغني، ويعطي، لكن ليس من الصحيح أن ينتظر الانسان من الإيمان العطاء فقط، فالايمان تكليف، لان الجنة تُكلِّف، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها”.

 ثمن الجنة دفعه الانبياء، والاولياء، أما من يريد أن يدخل الجنة بدون ثمن فلن يكون ذلك. فإذا كان الانبياء يدفعون ثمنا ويتعرضون للإمتحان، فكيف بنا نحن؟


  • مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي (حفظه الله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا