أسوة حسنة

الإمام الباقر عليه السلام في مواجهة الأفكار التبريرية

من الأمور التي يقوم عليها عرش الطغاة؛ الأفكار التبريرية واللامسؤولة التي تتغلغل إلى الأمة الإسلامية وتعشعش فيها، لتجعلها أمة كسولة خاوية لامسؤولة، مهادنة للطغاة ومستسلمة لهم، وإن الطغاة يؤيدون ويدعمون انتشار مثل هكذا أفكار لأنها تكون عامل مساعد لهم لتكريس سلطتهم الظالمة.

📌قام الإمام عليه السلام، بتربية العلماء والفقهاء والكوادر الرسالية التي تغذي الأمة بالفكر الصحيح السليم الخالي من الانحرافات

أما القائد الرباني الرسالي فإن مسؤوليته تحتم عليه أن يتصدى لمثل هكذا أفكار منحرفة تبعد الناس عن طاعة الله وعبادته، وان يسعى لتحريرهم من الاصر والاغلال التي تقيدهم وتبعدهم عن الله ويحررهم من عبودية الطاغوت.

في عهد الإمام الباقر، عليه السلام، انتشرت بكثرة وبدعم وتأييد من السلطة الحاكمة الأفكار والعقائد المنحرفة والتي هي في حقيقتها افكاراً تبريرية تجرد الإنسان من المسؤولية، ومن تلك الأفكار :

١-المرجئة: وهم الذين يقولون لا نحدد موقفنا من الرجال السابقين ونرجئ ذلك إلى يوم القيامة، والله سبحانه هو المسؤول فقط، فمثلاً الإمام علي عليه السلام ومعاوية تحاربا وذهبا إلى ربهم، هو يحكم بينهم، أو الإمام الحسين عليه السلام ويزيد كذلك، فنحن لا نقف مع طرف دون الآخر وإنما نرجئ الأمور إلى يوم القيامة.

 ٢- القدرية: والتي تقول بأن الحاكم إنما يأتي إلى الحكم بأمر الله أي بالجبر ونحن لا نستطيع مخالفة أوامر الله.

٣- المفوضة: و هو أنّ أفعال العباد مفوَّضة إليهم وهم الفاعلون لها بما منحهم اللّه من القدرة، وليس للّه سبحانه شأن في أفعال عباده.

٤- الغلاة: بقيادة المغيرة بن سعيد الذي كان يكذب ويفتري على الإمام الباقر، عليه السلام، وينقل أحاديث عن الإمام لم يقلها عليه السلام.

هذه أبرز المذاهب والأفكار التي نشطت في زمن الإمام الباقر، عليه السلام، وأخذت تدب في وسط الأمة، وهذه الأفكار وان اختلفت مسمياتها إلا أنها في الحقيقة ذات مغزى وهدف واحد وهو نزع روح المسؤولية من الأمة الإسلامية وافشاء الفكر التبريري المتخاذل.

فما كان من الإمام، عليه السلام، وهو القائد الرباني وخليفة الله في الأرض وخليفة رسوله والمسؤول عن دين الله، إلا أن يعلن تصديه ومواجهته لهذه الأفكار ولمروجيها، وقد قام الإمام بعدة أساليب لمواجهتها، وأهم تلك الأساليب:

أولاً: أعلن موقف صريح وواضح اتجاه أركان ومروجي هذه الأفكار، حيث قام، عليه السلام بفضحهم وتحذير الناس منهم ولعنهم والتبرء منهم، ومن تلك المواقف كان يقول أمام الناس: “لعن الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا “.

ولعن، عليه السلام، بقية رؤساء الغلاة ومنهم بنان التبّان، فقال: “لعن الله بنان التبّان، وان بناناً لعنه الله كان يكذب على أبي.”

وحذّر، عليه السلام من المرجئة ولعنهم حين قال: “اللهمّ العن المرجئة فإنهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة”.

ثانياً: قام الإمام عليه السلام ببث العلوم والأفكار الصحيحة والعقائد السليمة ومن أقواله عليه السلام، التي كان يبثها بين الناس: في التفويض كان يقول: “إيّاك أن تقول بالتفويض فإنّ الله عزّ وجلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهناً وضعفاً ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً.”

وكان، عليه السلام، يحذّر المسلمين وخصوصاً أنصار أهل البيت، عليهم السلام من أفكار الغلو، ويرشدهم إلى الاعتقاد السليم، بقوله: “لا تضعوا عليّاً دون ما وضعه الله ولا ترفعوه فوق ما رفعه الله.”

وفي جوابه، عليه السلام، للسائلين عن جواز القول بأنّ الله موجود، قال: “نعم، تخرجه من الحدّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه”. كما دعا إلى الانقطاع الكامل لله ـ تعالى ـ بقوله: “لا يكون العبد عابداً لله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلّه إليه “.

ثالثاً: قام الإمام عليه السلام، بتربية العلماء والفقهاء والكوادر الرسالية التي تغذي الأمة بالفكر الصحيح السليم الخالي من الانحرافات، ومن الذين رباهم الإمام عليه السلام: جابر بن يزيد الجعفي، و أبان بن تغلب، ومحمد بن مسلم، و زرارة بن أعين وأبو بصير المرادي، و بريد بن معاوية، وقبل هؤلاء جميعاً؛ إبنه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وأخيه زيد الشهيد.

فكانوا هؤلاء اقطاب وأركان الحركة التصحيحية التي قام بها الإمام الباقر عليه السلام، التي كانت تهدف مواجهة الأفكار الدخيلة التبريرية وارجاع الناس إلى ثقافتهم وافكارهم الإسلامية الحقة.

هذه الحركة العلمية التصحيحية التي قام بها الإمام محمد الباقر عليه السلام، آتت نتائجها في زمن ولده الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فما نراه من توسع كبير للحركة العلمية وتأسيس أول جامعة للعلوم في زمن الصادق، عليه السلام، يدرس فيها أكثر من خمسة آلاف طالب، وانتشار العلماء والمحدثين والفقهاء في أرجاء العالم الإسلامي، إنما يرجع للدور التأسيسي المهم الذي قام به الإمام الباقر عليه السلام، حيث أن كل حركة تمر بعدة مراحل ومنها مرحلة التأسيس ومرحلة التوسع والانتشار، فكان دور الإمام الباقر عليه السلام، دوراً تأسيسياً لتلك الحركة التي انتشرت وتوسعت على يد الإمام الصادق عليه السلام.

📌 في عهد الإمام الباقر، عليه السلام، انتشرت بكثرة وبدعم وتأييد من السلطة الحاكمة الأفكار والعقائد المنحرفة والتي هي في حقيقتها افكاراً تبريرية تجرد الإنسان من المسؤولية

وكان لتلامذة الإمام الباقر عليه السلام الذين رباهم دور مهم في قيام و انتشار تلك الحركة، وقد أصبحوا فيما بعد اصحاباً للإمام الصادق عليه السلام ورجالات يعتمد عليهم في حركته.

وما ورد في فضلهم وحقهم عن الإمام الصادق، عليه السلام إذ يقول: “ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام، إلّا زرارة، وأبو بصير المراديّ، ومحمّد بن مسلم، وبُريد بن معاوية، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هدى‏، هؤلاء حفّاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا وفي الآخرة.”

وفي نصّ آخر يقول الإمام الصادق عليه السلام: “رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست‏ أحاديث أبي عليه السلام .”

فهذا بعض ما قام به الإمام الباقر عليه السلام في مواجهة الأفكار المنحرفة التبريرية وتغذية الأمة بالفكر الرسالي المسؤول.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا