ثقافة رسالية

هل للمشروع الليبرالي العربي أو الخليجي فرصة للنجاح؟

  • بانوروما عامة:

اجمالاً وبصورة عامة، فإن المشروع العلماني بمختلف صوره؛ الليبرالية وغيرها، وجد ويجد نفسه أمام صعوبات “بنيوية” في غرس بذوره في أرض العالم الإسلامي، فضلاً عن نموه وازدهاره.

وهذا أشبه بثابت تاريخي منذ منتصف القرن التاسع عشر وإلى اليوم، يعتبره العلمانيون أنها مشكلة العالم الإسلامي؛ حتى ذهبوا بها بعيداً في حفريات للعقل المسلم، ويعتبرها الإسلاميون أنها مشكلة العلمانية بأنها نبتة لا تنمو في رحم العالم الإسلامي.

اعتمد المشروع العلماني – عموماً- على القوة والإكراه في فرض نفسه، وكان ذلك بظهير خارجي استعماري؛ مباشر أو غير مباشر، وتشكل عبر قوى عسكرية حكمت باسم الجمهوريات أغلب العالم العربي والإسلامي.

📌هناك ضعف شديد في البنية الفكرية لدى عموم الليبراليين، بحيث لا يكادون يجتمعون على رؤية، ويصعب الحوار الجاد معهم، ويمثلون نقولات مشوهة جداً للفكر الليبرالي الغربي، وغالب النقل قديم في العالم الغربي نفسه

لم تتكوّن دعوى لمشروع “ليبرالي” صريح إلا بعد حرب الخليج الثانية عام ١٩٩٠م مع تواجد القوى الأمريكية في المنطقة، وحلول نظام عالمي جديد بشّر بنهاية التاريخ بنظام ليبرالي، لكن هذه الدعوى ما لبثت قليلاً حتى تلاشت، خصوصاً في السياق الخليجي.

  • هل للمشروع الليبرالي فرص للنجاح؟

مقومات هذا المشروع حالياً هو التحول في مسار الخليج نحو “تخفيف” أو “معاداة” الفكر الديني والحالة الدينية، تحت عناوين الخطط التنموية والدول الجديدة، لكن هذا المقوم، وهو الأهم فعلياً لا يريد من الليبرالية إلا ما اسميه “ليبرالية” الفسق لا الحرية ولا المشاركة في السلطة ولا الحكومات الشعبية.

في هذا السياق، ينجر الليبرالي الخليجي نحو ملكية أكثر من الملك في مقولات الليبرالية، بحيث تختزل صورته في “معاداة” كل ما هو ديني بصورة أحياناً هستيرية، أو الحديث عن الحرية في أبشع صورها كـ”الشذوذ الجنسي” ويعتبرها معركة تنويرية، لكنه لا يكاد يضحي بأقل الأثمان في نقد السلطة بصراحة تشير إلى الجهة المسؤولة عن أي تردي فعلي لواقعنا، ويكتفي في أحسن الأحوال بهمز ناعم لطيف حريري لا يؤذي أحداً.

  • ما معوقات المشروع الليبرالي؟

في ظني هناك أكثر من معوق:

أولاً: ضعف شديد في البنية الفكرية لدى عموم الليبراليين، بحيث لا يكادون يجتمعون على رؤية، ويصعب الحوار الجاد معهم، ويمثلون نقولات مشوهة جداً للفكر الليبرالي الغربي، وغالب النقل قديم في العالم الغربي نفسه.

ثانياً: تركيز على الحرية في مجتمعات تضج من مشكلة “العدالة”، وهذا ما يجعل بقية الحركات العاملة في الساحة والأقرب لقضايا العدالة الاجتماعية أكثر جاذبية من الليبراليين. ولنا في ثورة شباب الربيع العربي عبرة والتي انطلق من تونس وهي الدولة الأكثر ليبرالية في العالم العربي آنذاك بل كانت فيها الليبرالية متوحشة.

ثالثاً: ضعف العطاء الاجتماعي؛ إذ أن غالبية المشروع الليبرالي الخليجي بعيد عن عناوين الإحسان في المجتمع، بل أحياناً يكونون قريبين من الرأسمال الضاغط على الشعوب، بل حتى جمعيات النفع العام التي يديرونها “مخملية”.

رابعاً: تصدع النظام الليبرالي الغربي منذ ٢٠٠٨ وإلى الآن، وما بعد كورونا، وحالياً الحرب في أوكرانيا، بات فيه بريق الغرب الليبرالي ليس في لمعان، بل يقترب من الأفول كنموذج لصالح أنظمة أكثر مجتمعية، وهذا سينعكس بشكل مباشر على خيارات الشباب الصاعد في عالمنا.

  • كيف سيكون مستقبل المشروع الليبرالي؟

في ظني أنّه موجة طارئة، ستستعمله السلطة في صراعاتها، ثم تلفظه لأنها تعلم أن لا أرضية له، فهو أداة “ملهاة”، وسيكون ضحية ذلك شباب وشابات طيبون أحسنوا الظن في غير موضعه.

عن المؤلف

الشيخ حسن البلوشي

اترك تعليقا