تربیة و تعلیم

حسن الجوار… هل ذهب مع الريح؟

 تقول السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام: “الجار قبل الدار”، مَن منا لم يسمع هذه العبارة او يرددها عند التفكير بشراء منزل جديد؟ جميعنا يشغل تفكيره ما يحيط به من سَكَنة المكان( الجيران) فيبدأ بالبحث والسؤال المكثف، حين كنا صغار لم نكن نعطي للأمر وحين يثار الموضوع نعتقد ان ثمة تهويل يحصل له  وكان ما يهمنا السكن في مكان مريح فقط  لكوننا غير مدركين لأهمية الجار حسن الاخلاق، والسلوك وغير آبهين لما سيصبح السكن ان لم تتوفر في جارك ما يدفعك لحبه  واحترامه واحساسك بقربه منك نفسياً.

الاختلاط بين الجيران باحترام وحسن معاملة من الامور الواجب الاعتناء بها، واخذ بالحسبان كل خطوة لكون الجار يكون معك وبقربك لأوقات ربما اكثر من الاوقات التي يكون  فيها اهلك او اصدقاؤك، وهذه الخاصية يجب ان تُحترم ويوضع لها ضوابط اخلاقية ذاتية ليبقى الود سائداً، ويبقى الاحترام متسيدا، فتسير الحياة بلا منغصات ولا اشواك مع الجيران.

التعامل مع الجار بإحسان حق من حقوق الانسانية وهو دلالة على سمو الاخلاق وهو ايضاً سلوك اجتماعي حضاري يمثل رقي من يعمل به ويقدم في جميع التعاملات الحياتية، وقد يسعد المرء بحسن جواره ويشقى بسوئه، والله ـ تعالى ـ امرنا وفي مناسبات عديدة الى احترام الجوار والاحسان اليهم بقوله  ـ تعالى ـ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}. (سورة النساء: آية/36).

⭐ الاختلاط بين الجيران باحترام وحسن معاملة من الامور الواجب الاعتناء بها، واخذ بالحسبان كل خطوة لكون الجار يكون معك وبقربك لأوقات ربما اكثر من الاوقات التي يكون  فيها اهلك او اصدقاءك

نفسياً يحتاج الانسان الى الجار الذي يبادله المودة والاحترام ويذكره حين ينسى ويعوده اذا مرض ويغيثه اذا استنجد ويعينه اذا احتاج مساعدة مالية او غيرها ويشاركه احزانه وافراحه ويصفح عن زلاته ويكون له ناصحاً امينا، ويحفظ في غيبته كما في حضرته ويحرس بيته إذا غاب عنه، ولا يفشي أسراره، ولا يتطلع إلى عوراته، ويناصحه في أمر دينه ودنياه.

من الامور الجميلة التي تدل على حسن الجوار في تراثنا وربما في حاضرنا لكن على نطاق اضيق هي تبادل الطعام بين العوائل، فما ان تقوم ربة المنزل بصناعة نوع مميز من الطعام حتى تهدي جيرانه جزء كنوع من التحبب والتواصل وإحلال الالفة بين الجيران، لاسيما في شهر رمضان المبارك، لكن من المؤسف بدأت مثل هذه العادات بالانقراض واصبح كل منا يعيش في دائرته الصغيرة دونما يسعى الى الجماعية كما في السابق.

من سلبيات الجيرة الغير حسنة ان الناس يعيشون بوحدة رغم كونهم وسط محيط انساني، في هذا السياق يذكر لي صديق عاش سنون طوال في بلدان تدعي التطور والثقافة وفعلاً بلدانهم تمتلك من مقومات العيش البشري الكثير، غير انها تغيب عنها  فضيلة الوقوف مع الجيران، يقول: حصل لي مره ان مررت بوعكة صحية وانا وحيداً في مكان سكني وحين استنجدت بجيراني تفاجئت بامتناع اغلبهم عن مساعدتي اما الاخرين فاقترحوا عليه الاتصال بالإسعاف لإيصالي الى المشفى.

⭐ من الضروري ان يشعر الانسان بجاره ان كان معوزاً ومقاسمته رغيفه وهو يجعل بركة في رزق الانسان وحياته

ويضيف قائلاً: حينها ادركت ان سكني في هذا المكان خطأ كبير وعليه استبدال المكان لكون مثل هذه الجيرة غير مدركة لأهمية الوقوف مع الجار حين يكون بحاجة الى المساعدة.

ماهي مظاهر تغير العلاقات بين الجيران في وقتنا الحالي؟

من مظاهر الاساءة للجيران هي:

  1. عدم مقابلة الهدية بالشكر او ردها ولو بالقليل الذي هو خير من الحرمان فالكثير من الناس باتوا يقابلون الاحسان بالإساءة  والعطاء بالجحود.
  2. عدم غض البصر عن محارم الجيران والتنصت عليهم واستغلال اية فرصة لفضح اسرارهم والتشهير بهم.
  3. عدم الوقوف بجانب الجار عند شدته او محنته او مصابه  وعدم الاكتراث لأمره سواء  شبع او نام يتضور جوعاً وهو يعلم حاجته وفاقته فلا يمد له يد العون والمساعدة.

📌 الوصايا:

من اجل اعادة النسيج المجتمعي الاصيل الذي تربينا عليه وعدم التفريط بالعلاقات الرصينة بين الجيران كما امرنا الله ـ تعالى ـ ونبيه واهل بيته الكرام، صلوات الله عليهم، نوصي بما يلي:

  1. ضرورة مشاركة الجار لأفراح جاره كما احزانه لإشعاره بالتضامن معه وهذا الشعور بالمناصرة يعطي احساس بالأمان والسلام الداخلي للانسان.
  2. من الضروري ان يشعر الانسان بجاره ان كان معوزاً ومقاسمته رغيفه وهو يجعل بركة في رزق الانسان وحياته.
  3. من الاهمية بمكان ان يصون الجار عرض جاره ويحافظ عليه كما يحافظ على عياله.
  4. الابتعاد عن التشنج والعصبية في التعامل مع الجار والتعال معه بحسن الظن وحمله على سبعين محملاً كما يقال.

ومن حسن الجوار ان يغيث الجار جاره الطالب لمساعدته وعدم رد في حال طلب المعونة منه ففي ذلك مرؤة واخلاق وانسانية، وبذا يمكن ان نحافظ على حسن الجوار ونبقي الود والاحترام قائم ودائم.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا