مناسبات

رسائل من النهضة الحسينية (2) سبب ابتلاء الأمة بالطغاة

“وعلى الإسلام السلام إذا بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد”

هذا ما قاله الإمام الحسين عليه السلام في حواره مع مروان بن الحكم عندما اعترضه في الطريق وقال له: أبا عبدالله، إني لك ناصح، فأطعني ترشد وتسدَّد.

فقال الحسين، عليه السلام : ما ذلك، قل حتى أسمع؟

فقال مروان: أقول إني ارشدك ببيعة يزيد، فإنها خير لك في دينك ودنياك.

فاسترجع الحسين قائلاً: إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إذا بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد.

ثم قال: “يا مروان؛ اترشدني لبيعة يزيد وهو رجل فاسق؟ لقد قلت شططاً من القول وزللاً، ولا ألومك، فإن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينكر من أن يدعوا لبيعة يزيد”.

سبب ابتلاء الأمة بطاغية كيزيد هو خذلانها للحق وتقاعسها عن مواجهة الباطل، عندما لا ينصروا الحق ضد الباطل ويسكتوا إذا رأوا الباطل يصول ويجول، فإن الله يبتليها بمن هو شر لدينها ودنياها

وهنا سيد الشهداء الإمام الحسين، عليه السلام، قد استخدم مفردة “مثل” ليأصل إلى قاعدة وهي عندما يتحكم بالأمة ومقدراتها شخص “مثل يزيد”، يعني يتصف بصفات يزيد وسلوكه وأفعاله ومنهجه فإن الأمة ستنهار والإسلام سينتهي عند تلك الأمة، أي ستفقد الأمة شخصيتها وهويتها وبالتالي تفقد عزتها وكرامتها.

إذا حكم الأمة شخص متجاهر بالفسق والفجور ولم يؤدي حقوق الله عليه فكيف سيؤدي حقوق الناس، وهنا رسالة يوجهها الإمام الحسين، عليه السلام، لمن يدعي أنه من جماعته ولكنه يقبل بحكم الحاكم الفاسق شارب الخمر وفاعل المحرمات، ويظن أنه سيحقق له العدالة ويوفر له حقوقه، فإن هذا الشخص واهم.

 فلا يمكن لشخص خان عهده مع الله ولم يؤدِ حق الله، أن يؤدي حقوق الناس، فلابد أن نراجع أنفسنا ولا تختلط عندنا الأمور ونرضى ونقبل بحاكم غير متقي ولا مؤمن، كأن يكون علماني أو شيوعي، لأن المحرمات لديه مباحة؛ فهو حاله حال يزيد، والحسين، عليه السلام يقول: “إذا بليت الأمة براعٍ مثل يزيد فعلى الإسلام السلام”، اي انه لا يمكن أن ينفع الأمة حاكم وراعي يتصف بصفات يزيد غير متقي.

لا يمكن لشخص خان عهده مع الله ولم يؤدِ حق الله، أن يؤدي حقوق الناس، فلابد أن نراجع أنفسنا ولا تختلط عندنا الأمور ونرضى ونقبل بحاكم غير متقي ولا مؤمن

ولكن ما هو السبب الذي يجعل مثل هؤلاء الحكام الذين هم مثل يزيد حسب تعبير الإمام الحسين، عليه السلام، يتسلطوا على رقاب الناس ويسيطروا على الأمة ويتحكموا بها؟

نجد الجواب في كلام الإمام الحسين، عليه السلام، حيث يكمل كلامه مع مروان ويقول له: “إليك عني يا مروان، فإنا أهل بيت رسول الله، والحق فينا، وينطق على ألسنتنا، وقد سمعت جدي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان، الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه”. ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول الله، فلم يفعلوا به ما أمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد.

فسبب ابتلاء الأمة بطاغية كيزيد هو خذلانها للحق وتقاعسها عن مواجهة الباطل، عندما لا ينصرون الحق ضد الباطل ويسكتوا إذا رأوا الباطل يصول ويجول، فإن الله يبتليها بمن هو شر لدينها ودنياها.

فعندما خذلت الأمة الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، وهو كان يمثل الحق ولم تنصره ضد الباطل المتمثل بمعاوية، ابتلاهم الله بيزيد، وفي فرصة ثانية أعطاها الله للأمة وهي الإمام الحسين، عليه السلام، ولكن أيضاً خذلوه ولم ينصروه ضد يزيد، فابتلاهم الله بالحجاج، وهكذا على مر التاريخ كلما تقاعست الأمة عن مواجهة الباطل وخذلت الحق، يبتليها الله بالطغاة الذين يسومونهم سوء العذاب.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا