مناسبات

نجمان أفلا في شهر رمضان فكان عاما للحزن

  • مقدمة تاريخية

في شهر رمضان المبارك وقبل تشريع الصيام على الأمة الإسلامية، وبعد خروج بني هاشم الأكارم من شعب أبي طالب، عليه السلام، حيث عاشوا ثلاث سنوات من الحصار القاتل حتى أكلوا العشب وكل ما ينبت في الأرض، فكانت أول حرب اقتصادية تجويعية يعيشها الهاشميون في الإسلام، وهي نفس الطريقة التي تُجيع فيها إمبراطورية الشر الأمريكية اليوم الشعوب العربية والإسلامية، في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، والسودان، وأفغانستان، وإيران، لأن القوم هم أبناء القوم فبني أمية كانوا من الروم، والكفر والشرك أمة واحدة كما يُقال.

 

  • الحصار الاقتصادي

فقريش المشركة الطاغية الظالمة وبعد سنوات من الظلم والتعذيب والتهجير للمسلمين الأوائل لم يستطيعوا أن يُثنوا رسول الله، صلى الله عليه وآله، عن دعوته التوحيدية، وتبليغ رسالته السماوية، وأن يُقنعوا عمَّه ومربيه، وناصره، وحاميه في أن يتركه وحيداً لسفهائهم، ولا لسيوفهم الغادرة، فكان سيفاً من سيوف الله على رقابهم قولاً وفعلاً، فلم يجدوا حيلة إلا تلك الحيلة الشيطانية والطريقة الظالمة والأسلوب الأموي في الحرب الاقتصادية والتجويع فاجتمعوا في دار الندوة وقرروا محاصرة بني هاشم، وقد تواصوا على أن مَن يخرق المحاصرة فإنه مهدور الدم، ومن بنود تلك الاتفاقية الإجرامية، حيث كتب القرشيون فيها ما يلي:

  • لا نبيع لبني هاشم ومحمد وأصحابه ولا نشتري منهم.
  • لا نعاشر بني هاشم ولا المسلمين ولا نبني أي علاقة معهم.
  • لا نزوجهم من نسائنا ولا نتزوج منهم.
  • لا بد من الدفاع عن كل مَنْ يعادي محمد.

ثم أعلنوها وأخذوا الوثيقة المكتوبة وعلقوها على جدار الكعبة من الداخل لتكون شاهدة، فلما شعر سيدنا أبو طالب، عليه السلام، بالخطر، دعا بني هاشم وأمرهم أن ينزلوا في الشِّعب الذي كان يملكه عن أبيه عبد المطلب، ويسكنون فيه متقاربين كي يحموا أنفسهم ويحموا النبي، وأسكنهم في بيت صغير له وسقيفة مختصرة، وجعل الشِّعب تحت الحراسة الدائمة وبشكل متناوب، وكان إذا نامت العيون يأخذ النبي، صلى الله عليه وآله، ويضع مكانه ولده علي، عليه السلام، خوفاً عليه، وربما فعل ذلك عدة مرات في الليلة إذا لزم الأمر، أو كان إذا نام، صلى الله عليه وآله، في مكان ما جعله ينام في الوسط، ويجعل أبنائه ينامون في الأطراف؛ حفاظاً على حياته، صلى الله عليه وآله، وكان بنو هاشم يستطيعون الخروج من الشِّعب في موسم الحج ويتعاملون مع الحجيج القادمين من خارج مكة، ولما رأت قريش هذا الشيء أصدرت أمراً مفاده: “كل مَنْ يتعامل مع بني هاشم من الحجيج تُصادر أمواله”.

استمرت محاصرة بني هاشم لمدة ثلاث سنوات عجاف، ولكن لم تستطع قريش الظالمة أن تنال من بني هاشم وشبابها الذين صمدوا خلال هذا الحصار ولم يتأثروا بها، وقد أمضى النبي، صلى الله عليه وآله، وزوجته السيدة خديجة، عليه السلام، وعمَّه أبو طالب، عليه السلام، سنوات صعبة في هذا الحصار، حيث كانا قد كبرا في السن حيث تجاوز أبو طالب الثمانين من العمر ولذا ما أن خرجوا من ذلك الحصار الجائر حتى التحقا بربهما طاهرين مباركين، وكان بينهما ثلاثة أيام فقط في شهر رمضان.

 

  • وفاة حامي الرسول الأعظم

في الحقيقة لا يستطيع الإنسان المؤمن أن يمرَّ في شهر رمضان المبارك ولا يذكر هذا النجم الكبير الذي أفلَ في السابع من هذا الشهر الكريم، وهو الذي ربى الرسول يتيماً حتى كانت قريش تُسميه بيتيم أبي طالب، عليه السلام،، ثم زوَّجه من ماله، وبنى له بيتاً بجواره وأسكنه فيه، وأعطاه ولده علياً ليكون معه وفي خدمته لأنه لم يسلم له أولاداً، وعندما بُعِث النبي، صلى الله عليه وآله،ونزل القرآن الكريم عليه في غار حراء، كان معه عليٌّ، عليه السلام،، وهكذا كان يُصلي وحيداً مع النبي، صلى الله عليه وآله،فلما رآه عمه أبو طالب، عليه السلام، وكان معه ولده جعفر الطيار فقال له: “ولدي جعفر صل جناح ابن عمِّك“، فوصل جعفر جناح النبي، صلى الله عليه وآله،فطار بجناحين من أبي طالب، عليه السلام،.

ومما تذكره كتب السيرة أن في السنة الرابعة من البعثة قال، صلى الله عليه وآله، لعمّه العبّاس: “إن الله تعالى أمرني بإظهار أمري، فما عندك؟.

فقال له العبّاس: يا بن أخي تعلم أنّ قريشاً أشد حسداً لولد أبيك، وإن كانت هذه الخصلة كانت الطامَّة الطمّاء، والداهية العظماء، ورُمينا عن قوس واحد، لكن قرِّب إلى عمّك أبي طالب فإنه أكبر أعمامك، أن ينصرك ولا يخذلك ولا يسلمك، فأتياه فلما رآهما أبو طالب قال: ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فأخبره العبّاس بالحال، فنظر إليه أبو طالب وقال: يا بن أخي إنك الرَّفيع كعباً والمنيع حزباً والأعلى أباً، والله لا يسلقك (يؤذيك) لسان إلاّ سلقته ألسُن حداد واجتذبته سيوف حداد، والله لتذللن لك العرب، ولقد كان أبي يقرأ الكتب جميعاً، ولقد قال: إنّ من صلبي لنبياً، لوددت أني أدركت ذلك فآمنت به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به“. (ابن طاووس في الطرائف: 302/ ح 388).

ولما أُمر بإنذار عشيرته الأقربين جمعهم وكانوا أربعين في بين أبي طالب، عليه السلام، فعارضه أبو لهب فقال أبو طالب له: اسكت يا أعور، ما أنت وهذا، ثمّ قال للنبي، صلى الله عليه وآله: “قم يا سيدي وتكلم بما تحب وبلِّغ رسالة ربك فإنك الصَّادق الصِّديق.

هذا هو أبو طالب، عليه السلام، مؤمن قريش، وسيد البطحاء، وكبير العرب، وحامي الإسلام والمسلمين بسيفه وقوته وبطولته وشجاعته وما كان له ذنب عند قريش الظالمة إلا أنه حمى رسول الله، صلى الله عليه وآله،رغم أنوفهم، وولد علي، عليه السلام، الذي ضرب خراطيمهم حتى قالوا: لا إله إلا الله مُكرهين، ولذا تراهم وأشياعهم وأتباعهم وأذنابهم إلى اليوم يُصرِّون بشكل عجيب على تكفيره والعياذ بالله.

 

  • وفاة أم المؤمنين خديجة الكبرى

وبعد أيام ثلاثة فقط من وفاة أبي طالب، عليه السلام، جاء أمر الله وحلَّ قدره على رسوله الكريم، صلى الله عليه وآله، واختطفت المنية حبيبته، وسُكنه، وزوجته الخالصة المخلصة، من بين يديه الكريمتين وتركته وحيداً فريداً في بيت أُوحش لفقدها، وخيَّم الحزن عليه حيث رأى نفسه الشريفة خلال ثلاثة أيام بلا حامي، ولا أنيس فأطلق على ذاك العام، عليه السلام،ام الحزن)، وذلك لعظيم أثر فقدهما على نفسه الشريفة، ومكانتهما في حياته المباركة، فهما يستحقا الحزن عاماً كاملاً عليهما.

فالسيدة خديجة تلك المرأة الطاهرة المطهرة التي كانت تُسمَّى في قريش بـ “الطاهرة“، نالتها السِّهام المغرضة، وحاولوا الانتقاص منها ومن شأنها ومكانتها في الدِّين والدنيا ولدى رسول الله، صلى الله عليه وآله، من أجل تلك المرأة الغيورة جداً، والتي كانت تغار منها وهي ميِّتة كما هي تقول وتُحدِّث في أكثر من موضع كما يروي عنها أتباعها ومحبيها، بل كانت تغار من أقربائها، وصديقاتها لما ترى من إكرام رسول الله، صلى الله عليه وآله،لهم لأجلها وكرامتها، فكانت تروي: “اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وآله، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ؛ فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ فَأبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهَا؛ فقال، صلى الله عليه وآله،لها: لا واللّه ما أبدلني اللّه خيراً منها، آمنت بي؛ إذ كفر الناسُ، وصدّقتني، وكذّبني الناسُ، وواستني في مالها؛ إذ حرمني الناسُ، ورزقني اللّه منها أولاداً؛ إذ حرمني أولاد النساء.

وفي مسلم قالت: “ما غِرْتُ على امرأة ما غرت على خديجة، لكثرة ذِكرِهِ إياها، وما رأيتُها قَطُّ“.

وفي الترمذي: “ما غِرْتُ على أحد من أزواج النبيِّ، صلى الله عليه وآله،ما غِرْتُ على خديجة.. وما ذاك إلا لكثرةِ ذِكْرِ رسولِ الله، صلى الله عليه وآله،لها، وإن كان ليذبح الشاة، فيَتتبَّعُ بها صدائق خديجةَ، فيهديها لهنَّ“.

وفي أخرى قالت: “ما حسدتُ امرأة ما حسدت خديجة.. وذلك أنَّ رسولَ الله، صلى الله عليه وآله،بشّرها ببيت في الجنةِ من قَصَب – قصب اللؤلؤ – لا صَخَبَ فيه ولا نصب“.

نعم هذه المرأة التي تستأهل أن يَحزن عليها عاماً كاملاً رسول الله، صلى الله وآله، وأن يحزن عليها المؤمنون أبد الدهر فهي أمهم الأولى وسيدتهم الكبرى سلام الله عليها.

ففي هذا الشهر الكريم كان لدى رسول الله، صلى الله عليه وآله،نجمان عظيمان فأفلا فيه فحزن عليهما عاماً.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا