مكارم الأخلاق

تأملات في دعاء مكارم الأخلاق (3) كيف يستشعر الإنسان حقيقة نفسه؟

يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ”، السؤال الذي يجب على كل إنسان أن يطرحه على نفسه: لماذا خُلقنا؟

ولماذا سخّر لنا الله ـ تعالى ـ ما في الأرض جميعا؟

فهو سبحانه وتعالى سخرنا لنا الأنعام، يقول تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}، وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، هذه كلها خلقها وسخرها  الله  ـ تعالى ـ لأجل الإنسان، وهو القائل في حديث قدسي: “خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي”

وهذا السؤال مهم جداً ـ أن نتساءل لماذا خلقنا الله ـ لأن اولئك الذين يدعون ـ وهم الدهريون ـ  أن الطبيعة هي الأم، لأنهم فسروا الإنسان بنظرية التطور، ونظرية الصدفة، وغيرها من النظريات، لكن الغاية والهدف لم يستطيعوا أن يحددوها للإنسان.

فإذا كان الإنسان ـ في نظرهم ـ عبارة عن طفيلي صغير ثم أصبح هذا الكائن( الإنسان)، وإذا قبلنا بهذا الفريضة، فما هو الهدف؟

 

  • الهدف من خلق الإنسان

رسالات السماء هي الوحيدة التي بإمكانها أن تجيب عن هذا السؤال: لماذا خلقنا الله؟

يجيب القرآن الكريم؛ في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، فعلاقتنا بالله تعالى كلاقعتنا بالشمس ـ والأمثلة تضرب ولا تُقاس ـ فالإنسان ماذا بإمكانه ان يعطي نفعا للشمس؟ لاشيء؛ غير الإنتفاع منها، وحتى يتم الإنتفاع منها يجب أن يتعرّض لها.

فإذا وضعتَ ألواحاً شمسية فسنستفيد طاقة كهربائية، وإذا عرّض الإنسانُ جسمه للشمس فإن يستفيد فيتامين (د)، وإذا فتحت ستائر البيت، فستحصل على ضوء داخل البيت، أما إذا لم تحاول أن تستفيد من الشمس فلن تحصل على شيء منها.

كذلك فعبادتنا لله سبحانه وتعالى ليس لحاجة في الله لها، وإنما هي لحاجتنا، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، هذه العبادة إنما ارادها الله منا لكي نستفيد ونحصل على ثمارها، بعدها يقول تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}.

 

  • الفراغ من أجل الهدف

“وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ”، إذا كان الله تعالى خلقنا لنعبده، فلماذا لا تكن أيامنا في  هذا المجال؟

والعبادة هنا ليست بمعنى الصلاة و الصيام فقط، فالعبادة لها تفسيرات كثيرة في الروايات الشريفة، فقد جاء في رواية عن أحد المعصومين: “أفضل العبادة الورع عن محارم الله”، فالشاب الذي يغض بصره من النظر الى المرأة المحرّمة، أو ذلك الشخص الذي يصم أذنيه عن الاستماع الى اللغو و اللهو، وذلك الشخص الذي يمتنع عن أخذ الرشى وعن المال الحرام، وغير ذلك، كل هؤلاء في عبادة الله.

ورد عن الإمام الصادق،عليه السلام: “أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته”، وعن، عليه السلام: ” كان أكثر عبادة أبي ذر (رحمه الله) التفكر والاعتبار”، وعن النبي صلى الله عليه وآله:  ..وأفضل العبادة ذكر الموت، وأفضل التفكر ذكر الموت”.

ذلك لأن التفكّر في هذه الأمور يدفع الى استشعار وجود الخالق ـ جل شأنه ـ لذلك فإن الإنسان الذي يستشعر وجود الله، فإن كلامه يكون موزونا، و كل تصرفاته تكون محسوبة، وحتى خطرات قلبه.

يقول أحد الخطباء: كنت أقرأ مجلساً حسينياً في أحد بيوت المراجع، وكان المرجع يحضر لاستماع الخطيب من أول المجلس الى آخرلعدة أيام، فذهبت إليه ـ يضيف الخطيب ـ وقلت له: سيدنا لا استطيع أن آخذ كل راحتي بوجودكم، لانه يتوجب عليّ ان ادقق في صحة الكلمات نحويا..، وغيرها، وبوجودكم أتقيد كثيرا.

إذن فالله تعالى خلقنا للجنة، وهو القائل في حديث قدسي: “خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي”، فهذه النعم التي خلقها الله لنا، هي بلاء وفتنة وإنما الأصل هي (الجنة)، التي هي نهاية مطاف المتقين: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر}

إذا لاحظنا بعض الأدعية فإنها فإن تحوي على مقارنات بين العبد وبين الله، من قبيل: “انت المولى؛ وانا العبد، وانت الغني؛ وانا الفقير..”، وهذه المقارنات مهمة جداً، فحتى يستشعر الإنسان عظمة الله ووجوده، ويستشعر حقيقة نفسه وواقعه، لابد من إجراء هذه المقارنات. فمثلا يقارن الإنسان المؤمن بين ماضيه وحاضره، بين أعمالنا وبين الطاف الله بنا، فإذا حصلت على شيء فمن الله  ـ سبحانه وتعالى ـ.

 

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا