مناسبات

كرامة المرأة عند الإمام علي عليه السلام

(الفائز الثالث في مسابقة الكتابة بذكرى مولد أمير المؤمنين عليه السلام)

 

حظيت قضية المرأة بالاهتمام الخاص في الدين الإسلامي معالجاً وضعها وإكرامها كونها خلقت انساناً، فالرجال و الإناث هما صنوان و أحدى منن الخالق هي خلقنا من نفسٍ واحدة و من فرعٍ واحد (1)، فقال تعالى : {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ}(2)، ومن أبواب العدالة التي جاء بها الإسلام في حفظ مكانتها في السورة الكريمة حينما أوضح تأنيث اللفظ والمعنى حينما قال من نفس واحدة (3).

وفي المجتمعات العربية يحاول البعض ممن استرسل بهم الفكر الجاهلي للانتقاص من النساء متخذاً من أقوال أمير المؤمنين، عليه السلام،  في بعض الأحيان وسيلةٌ كي يجعلون منها غايةٌ في أضعافهن والانتقاص من هذه الفئة التي تعد من أهم فئات المجتمع، فورد في نهج البلاغة بعد حرب صفين في ذم النساء : “ان النِساءَ نواقص الايمان و نواقص الحظوظ، نواقص العقول.  اما نقصان ايمانهن.  فقعودهن عن الصلاة والصيام في ايام حيضهن.  واما نقصان حظوظهن : فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال.  واما نقصان عقولهن : فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد. فاتقوا شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر، ولا تطيعوهن في المعروف، حتى لا يطمعن في المنكر ”  (4)، وتلك السمة الوصفية السلبية التي وصفها أمير المؤمنين، عليه السلام، التي توضح انزلاق المرأة إلى النقص وافتقادها للكمال الإنساني أنما جاء ذلك الخطاب ارتباطاً بأحداث تاريخيه و زمانيه (5).

 

أن الضعف لم يختص بالمرأة فقط أنما يشمل أحياناً الرجال أحياناً إلا أن أستغل بعضهم حالة العاطفة والرقة عند المرأة للحط من شأنها فنهى، عليه السلام،  عن ذلك (18)، لا تختلف وصيته، عليه السلام،  عن منطوق المنظور الوصايا النبوية حينما أوصى (r) بالرفق بالنساء فقال:  ” اتقو الله في الضعيفين اليتيم و المرأة.

 

وحاشاه، عليه السلام، أن ينتقص من كرامتها ويقلل من حقوقها الإنسانية بكونها إنساناً لها حقوق وعليها واجبات في منظور الشريعة الإسلامية، من، وكان موقفه، عليه السلام،  من الرجال كإنسان وموقفة من المرأة كإنسان، فأكرم، عليه السلام،  المرأة في عدة مواضع وطالب الرجال بحفظ مكانتها وكرامتها وأن تبقى معززهٌ مكرمة كما أكرمها الإسلام دون المساس بها، فعنه، عليه السلام،  قال  :”..انصروا المظلوم وخذوا فوق يد الظالم  او المريب واحسنوا إلى نسائكم وما ملكت ايمانكم. .” (6).

ولا ننكر اختلاف البايلوجية الجسمانية بين الرجل والمرأة لكن هذا لا يعني أن يخالف الإمام علي باب مدينة العلم الخط القرآني الذي لم يفضل جنساً على آخر فقال تعالى : {وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡ‍َٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا}(7).

إن نعت النساء بناقصات الإيمان لتركهن الصلاة في ظروف مخصصة للمرأة، أمر غير دقيق، قال السيد حسين فضل الله وكيف يكون عيباً وهي أمرت بالطاعة الإلهية؟ والمسافر أن كان ذكراً أو أنثى أثناء فترة السفر أمره الله تعالى بالإفطار وتقصير الصلاة (8)، لكن هذا ليس نقصان دين أنما التزام بالأوامر الربانية وهو بحد ذاته طاعة عظمى وعدم مخالفة أوامر العبادة الإلهية.

وكيف تكون ناقصة عقل و دين وهناك السيدة خديجة، عليه السلام، التي كانت مثالاً لكمال المرأة ذات العقل المصلح والتي أنتشر الدين الاسلامي  بأراده الله وأموالها وهي التي بشرها ربها بالجنات النعيم حينما أتى جبريل للنبي، صلى الله عليه وآله، قائلاً : “يا رسول الله هذه خديجة قد اتت معها اناء و شراب، فأذا هي اتتك فأقرا عليها السلام  من ربها و مني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه و لا نصب ” (9).

الإكرام الوقائي للمرأة :

أكرم، عليه السلام، المرأة منذ ولادتها وأستنكر عمل العرب في الجاهلية ونبذهم النساء، والمرأة التي أخذت مكانتها المميزة عنده، عليه السلام، يضعها في بداية سلبيات العصر الجاهلي حتى قبل عبادة الأصنام (10)، فيقول : “…و الكثرة متفرقة في بلاء ازل واطباق جهل من بنات موءوده و اصنام معبودة…” (11)، ورد في باب الحكم الإشارة إلى إحدى الآفات الاجتماعية الأسرية التي مازالت معاصره حينما قال، عليه السلام،  : “…و ان كان سبحانه أعلم بهم من انفسهم، ولكن لتظهر الافعال التي بها يستحق الثواب و العقاب، لان بعضهم يحب الذكور و يكره  الاناث. .” (12)، يمثل قوله، عليه السلام، منزلة الذكور والإناث عنده، عليه السلام،  فهم بمنزلة ورؤية واحدة تحت صفة الانسان (13)، ومثل القول السابق المظلومية المجتمعية التي عانت ومازالت تعاني منها المرأة في الجاهلية وبعد الجاهلية، فيضجر بعض الرجال حين معرفتهم بولادة أنثى هذا ما نهى الله عنه حينما قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيم}(14).

 

وحارب، عليه السلام،  هذه العادات الاجتماعية المغروسة في الجانب النفسي فأكد على حقوقها والجانب المعنوي للمرأة منذ لحظات ولادتها(15)، فالذكر والأنثى كلاهما أنسان وهما بمنزلة واحدة عنده، عليه السلام،  ويعطف على الناس عموماً والضعفاء خصوصاً ويفرض على الخلق أن يكونوا  متعطفين على النساء حتى وأن كانت غير مستضعفه (16)، لذا ورد عنه، عليه السلام،  إنه قال : “… والله الله في أصحاب نبيكم صلى الله عليه وسلم فأنه أوصى بهم والله الله في الضعيفين من النساء و ما ملكت ايمانكم…” (17)، أن الضعف لم يختص بالمرأة فقط أنما يشمل أحياناً الرجال أحياناً إلا أن أستغل بعضهم حالة العاطفة والرقة عند المرأة للحط من شأنها فنهى، عليه السلام،  عن ذلك (18)، لا تختلف وصيته، عليه السلام،  عن منطوق المنظور الوصايا النبوية حينما أوصى (r) بالرفق بالنساء فقال:  ” اتقو الله في الضعيفين اليتيم و المرأة.

 

  • كرامة المرأة في حجابها :

كان، عليه السلام،  دائم الوصية إلى أسرته خاصه والمجتمع بصورة عامة في وجوب كيفية المحافظة على كيان المرأة وصيانتها من الزلال والظلال الأجتماعي حينما أوصى ولده الأمام الحسن، عليه السلام،  قائلاً : “…و أكفف عليهن أبصارهن، بحجابك أياهن، فأن شدة الحجاب أبقى عليهن، و ليس خروجهن  بأشد من أدخالك من لايوثق به عليهن..، والتأمل في ذلك النص نجده حاملاً معاني كبيرة، فالمرأة جوهرة غالية الثمن يجب أن تحفظ دون العبث بها أو تخريب جمال بريقها، ولم يخرج، عليه السلام،  عن خط المنظور القرآني الذي أوصى النساء بوجوب الحجاب في أكثر من موضع وهي آيات واضحة وصريحة تدعو إلى الالتزام بالحجاب فقال سبحانه و تعالى :{وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ}.

 

فائدة الحجاب للمرأة هي لسلامة هذه الدرة الثمينة من المساس بها، وهذا خير دليل على حفظ الدين الإسلامي مكانة المرأة المصانة من الانتهاكات سواء كانت منظورة  أم غير منظورة، والزامهن بالحجاب والعفة والستر هو أحفظ و أبقى لهن

 

وفائدة الحجاب للمرأة هي لسلامة هذه الدرة الثمينة من المساس بها، وهذا خير دليل على حفظ الدين الإسلامي مكانة المرأة المصانة من الانتهاكات سواء كانت منظورة  أم غير منظورة ، والزامهن بالحجاب والعفة والستر هو أحفظ و أبقى لهن، وأن التزام المرأة بالأمر الالهي والحجاب لا يعني أن يكون الحجاب لهن عائقاً في ممارسة حياتهن الاجتماعية بالصورة الصحيحة أنما يضفي عليهن صفة الاحترام والتقدير  كما أكد ذلك، عليه السلام، حينما قال : “صيانة المرأة أنعم لحالها وأدوم لجمالها.

وأحدى الجنبات لعلو مكانتها نصت إحدى وصاياه، عليه السلام،  على صيانة شرف النساء وكرامتهن دون العبث بالعرض والشرف الذي هو أغلى ما تملكه المرأة، و من أخلاقيات أمير المؤمنين في التعامل مع النساء،  روي عنه، عليه السلام:  ” أنه كان جالساً في أصحابه، فمرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم، فقال عليه السلام : ان ابصار هذه الفحول طوامح،  و ان ذلك سبب هبابها، فإذا نظر احدكم الى امرأة تعجبه فليلامس اهله، فإنما هي امرأة كامرأة  ” (19)، هو دعوة إلى الأخلاق الفاضلة في المجتمع وتنجب هتك الأعراض والعبث بكيان النساء التي تميزت بعاطفتها الجياشة وعدم التعرض للنساء حتى وإن كانت سافرة، إنما نهى، عليه السلام،  أصحابه من النظر إلى النساء بصيغة محرمه مما يهيج المحرمات ولعلاج هذه المحرمات هو دفعها على الوجه المحلل (20)، وهو نص واضح وصريح بوجوب الحفاظ على القيم الأخلاقية في الشرف للنساء، والواجب على النساء التحلي بها وهي العفة والأمانة، فذلك أكرام لها ولشخصيتها من شهوة الرجال من كل جانب(21).

 

  • مساواة الحرص على النساء :

لم يكن، عليه السلام،  حريصاً على النساء المسلمات فقط أنما شملت النساء من الديانات الاخرى وعدم التفريق في هوية دياناتها لأنها بالنهاية خلقت أنساناً وهي أحدى صور المساوات التي رسمها ( u) في حياته، فورد عنه ذم رجال جيش معاوية(22)، الذين يتخذون العنف ضد النساء في الحروب وهو يصور لنا حالات السلب التي تتعرض لها النساء فيقول  في خطبته الخالدة :  “..  ولقد بلغني : ان الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والاخرى المعاهدة فينتزع حجلها (23)، وقلبها (24)، وقلائدها ورعاثها (25)، ما تمتنع منه الا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كلم ولا اريق لهم دم، فلو ان امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان ملوماً بل كان به عندي جديراً . ..” (26)، وهذا وصف دقيق لحالة النساء المسلمات والمعاهدات التي لم يهرع الرجال للدفاع عنهن، فكان، عليه السلام،  يصور حجم اللوعة التي تعتلج بصدره مستغرباً ما يحدث وكيف يضعف المسلمون دون أن تهزهم الغيرة التي يتمتع بها الرجل العربي مسلم كان أم غير ذلك لهم وخاصة أنها تصور لنا الحالة المأساوية التي غلبت النساء ولم تختلف لديه، عليه السلام،  القوميات في انتهاك الحرمة والتطاول والسلب على ما تمتلك المرأة، وكان يخاطب جميع المسلمين خطاباً أزلياً للتصدي لمن يرغب بالسيطرة على ثروات بلادهم وأموالهم وعرضهم بالدفاع عنها(27).

أذن نربأ بعلي أن يذم وينتقص من المرأة لأنه، عليه السلام،  أكرم المرأة أحسن أكرام ولم يبخس منها بمقدار ذرةُ وخير مثالاً على ذلك هو تأريخية مع السيدة الزهراء (عليهما السلام) الذي أجلها وأحبها وأحترمها والذي بفقدها بلغ أسمى آيات الحزن لفقدها، وأعلن تنقية مشاعرة الصادقة الوفية أمام استشهاد زوجته قائلاً عند أستشهادها ودفنها : “.. قل يا رسول صفيتك صبري و رق عنها تجلدي. . فلقد استرجعت الوديعة و اخذت الرهينة، اما حزني فسرمد، و اما ليلي فمسهد الى ان يختار الله لي دارك التي انت بها مقيم..“.

المصادر:
  • الشريف الرضي، حقائق التأويل، ص 308 ؛  الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 8.
  • سورة النساء اية ( 1).
  • الطبري، جامع البيان، ج 4، ص 297.
  • الياسري، المرأة في فكر الأمام علي ( ع )، ص 432.
  • الشيخ الطوسي، مصباح المتجهد، ص 664 ؛ المجلسي، بحار الانوار، ج88، ص 101 ؛ الشيخ هادي كاشف الغطاء، مستدرك نهج البلاغة،ص105 ؛ الشيخ المحمودي، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، ج1، ص 521.
  • سورة النساء اية ( 32).
  • حسين فضل الله، دنيا المرأة، ص 45.
  • السعد، حقوق الانسان عند الامام علي، ص 246.
  • نهج البلاغة، ص 270.
  • نهج البلاغة، ص 442.
  • جرداق، روائع نهج البلاغة، ص 59.
  • سورة النحل اية ( 58 )
  • السعد، حقوق الانسان عند الامام علي (ع)، ص 247.
  • نهج البلاغة، ص 367.
  • سورة النور اية (31).
  • المحنك، علم الاجتماع في نهج البلاغة، ص 595.
  • البحراني، شرح نهج البلاغة، ج5، ص 66.
  • الليثي، عيون الحكم والمواعظ، ص 303.
  • نهج البلاغة، ص 501.
  • الخوئي، منهاج البراعة، ج21، ص 499.
  • الخوئي، منهاج البراعة، ج 21، ص 304.
  • الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، ج1، ص 152.
  • الحجل : الخلخال. ينظر : الخليل الفراهيدي، العين، ج 3، ص 78.
  • القلب : من الأسورة. ينظر : فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج  5، ص 17.
  • الرعاث : جمع رعثة و هي القرط.  ينظر : الجوهري، الصحاح، ج 1، ص 283.
  • مكارم الشيرازي، نفحات الولاية، ج 2، ص 101 – 102.
  • نهج البلاغة، ص 289

 

عن المؤلف

م. رند عباس عبدالغني الحمادي

اترك تعليقا