أسوة حسنة

عبادٌ مكرمون

حينما يستعرض ربنا سبحانه من خلال القرآن الكريم واقعاً معيناً أو قصة تاريخية إنما يريد ان يذكرنا بعبرتها، ولعل العبرة من آيات النور في سورة النور، هي …

حينما يستعرض ربنا سبحانه من خلال القرآن الكريم واقعاً معيناً أو قصة تاريخية إنما يريد ان يذكرنا بعبرتها، ولعل العبرة من آيات النور في سورة النور، هي منع الناس دون أن يخيّلوا لأنفسهم بأن النبي وأهل بيته لهم ذاتية، أو كونهم آلهة صغار -والعياذ بالله- فهم بدورهم يسبحون الله اكثر من غيرهم، واذا كان الجهل والغفلة أمرين طبيعيين في الإنسان، فإن الله؛ بعد الإشارة الى عظمة هذه البيوت و أوحديتها في التاريخ، يعطف عليها بقوله المجيد: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَار}. (سورة النور، الآية:36-37).
ان المعادلة ثابتة كل الثبات؛ فكما ان الإنسان ينام باطمئنان بالغ اذا ما كان بيته خالياً مما يثير طمع السراق، او انه لا يطبق له جفن إذا كان في بيته الأموال الطائلة، كذلك؛ كلما تضاعفت رحمة الله على الإنسان، كلما خشي من فقدانها او التفريط بها اكثـر، ولان رحمة الله قد تجلت في النبي وأهل بيته، عليهم السلام، فخشيتهم من الله اكثر، كونهم؛ مع ثقتهم بالله، بيد أن معرفتهم بالله أكبر، ولذلك تكون خشيتهم منه اكثر، يقول الله –تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَآءُ} (سورة فاطر، الآية:28).
نبينا؛ هو نبي الرحمة، و أميرنا، قسيم الجنة والنار، وسيدة نساء العالمين، شفيعة الأمة، بيد أن هؤلاء الصفوة المكرمون يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، خوفاً يدفع بهم الى الطاعة المطلقة، والابتعاد عن الذنوب. وهذا الإحساس بالخوف والعصمة المتكرّسة لديهم، هو الأمر المتناسب تماماً مع ما سيجزيهم الله من حسن الثواب وما سيزيدهم من رزقه غير النافذ ابداً .
اما الذين لا نور لهم، فلا يمكن ان يكون لهم من الحظ شيئاً، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْاَنُ مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ}، (سورة النور، الآية:39-40) وفي ذلك إشارة واضحة الى أهمية انتباه المسلم وضرورة محاولته الحصول على النور من مصدره الحقيقي والصحيح، وهو مدرسة أهل البيت عليهم السلام. ولذة الحصول على النور ما بعدها لذة ولا أروع منها، اذ هي منتهى الرغبات وغاية الغايات.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا