مناسبات

الإمام محمد الجواد قدوة الشباب و معجزة الإمامة

المعجزة، هي تأييد من الله لمُدَّعي النبوة والرسالة السماوية، وذلك لتكون شاهدة له على صدقه في هذه الدعوى، وعدم الإتيان بها يكون بمقام التكذيب لما …

المعجزة، هي تأييد من الله لمُدَّعي النبوة والرسالة السماوية، وذلك لتكون شاهدة له على صدقه في هذه الدعوى، وعدم الإتيان بها يكون بمقام التكذيب لما يدَّعي، والمعجزة يُمكن لنا أن نُعرِّفها بأنها خرق لنواميس الطبيعة، وخروج عن قوانين الأسباب والمسببات، والعلة والمعلولات، وكل النواميس والقوانين والأعراف البشرية.
والحديث عن الإمام التاسع من أئمة أهل البيت الأطهار، عليهم السلام، وهو محمد بن علي الجواد، عليه السلام، الذي ولد في المدينة المنورة في العاشر من رجب الأصب لعام مئة وخمس وتسعين للهجرة، في بيت النور والعز والكرامة والإمامة، حيث أخَّر الله أمر ولادته لأكثر من أربعة عقود، ولذا لمَّا جاء إلى هذه الدنيا احتفى به والده الإمام علي بن موسى الرضا، أيما احتفاء، ورعاه برموش العيون لأنه الوحيد له، ولأنه سيحمل عبئ الولاية من بعد أبيه، وهنا السر المستسر بهذا الإمام العظيم.

  • معجزة الولاية

ولد محمد بن علي الجواد، عليه السلام، في مدينة جدّه المصطفى، صلى الله عليه وآله، وبعد خمس سنوات فقط أرسل المأمون العباسي الى أبيه الإمام علي بن موسى الرضا، ليضغط على العباسيين، ويغش الشيعة والموالين، فأرسل وزيره شخصياً ليأتي بالإمام الرضا، عليه السلام، الى مقر سلطته في خراسان بدعوى تعيينه “خليفة”، أو “ولي عهده”، وذلك بعد أن شعر هذه الطاغية بأن سلطانه مهدد، وكرسيه مهزوز، ولا أحد يستطيع أن يُثبِّته له إلا البقية من آل محمد، عليهم السلام، فاستلَّه من بين أهله وعياله، سلَّاً ماكراً، ولم يخفَ على الإمام مكرهُ وسوء تدبيره، فيدخل الإمام الرضا،عليه السّلام، على عياله ويجمعهم، ويفرّق فيهمُ اثنَي عشر ألفَ دينار، ثمّ يأمرهم بمجلس عزاء، وأن يبكوا عليه حتّى يسمعهم، وحتّى يحتسب ذلك عند الله تبارك وتعالى، ثمّ يقول: “أما إنّي لا أرجع إلى عيالي أبدا”. (عيون أخبار الرضا (ع): 217:2 حديث 28).

  • النصُّ على إمامة الجواد

نصَّ الإمام الرضا، عليه السلام، على إمامة ولده الإمام محمد الجواد،عليه السّلام، وأشار إليه، و أوصى به، فقال: “هذا أبو جعفر قد أجلستُه مجلسي، وصيّرتُه مكاني” (اُصول الكافي: 1:321 6).
وكان الإمام الرضا، لمّا وُلد ولده محمد الجواد، قبل ذلك بخمس بسنوات قال: “إنّ الله قد وهب لي مَن يرِثني ويرث آل داود عليه السّلام”. (الغيبة، للنعمانيّ 52).

الإمام الجواد، عليه السلام، معجزة لغيرنا، أما بالنسبة لنا فهو إمامنا، وقدوتنا، وأسوتنا، ولو عملنا عمراً مديداً نتعلم وندرس ونبحث حتى نتصدَّر في هذه الأمة كما تصدَّر الإمام الجواد في زمانه بعلمه، وتقواه، وتدينه

ثم سئل من أصحابه عن خليفته، فأشار إلى أبي جعفر،عليه السّلام، وهو قائمٌ بين يدَيه وعمره إذ ذاك ثلاث سنين، فقيل له: وهو ابن ثلاث؟! قال: “وما يضرّ مِن ذلك؟ فقد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلَّ من ثلاث سنين”. (الكافي: 1 – 321).
ويؤكد الإمام الرضا، عليه السلام، هذه المشابهة بالسيد المسيح في أكثر من مجلس، وأكثر من حديث، حتى وهو في خراسان، وذلك لعلمه بأن هذه الأمة تقبل كل ما يُقال عن بني إسرائيل وتُنكر كل ما يأتي عن آل محمد، صلى الله وآله، ولذا قال لشيعته: “مَنْ ظلم ابني هذا حقَّه، وجَحَده إمامته مِن بعدي، كان كمَن ظلمَ عليَّ بن أبي طالب إمامتَه، وجحده حقَّه بعد رسول الله”. (الغيبة: 27).
ومرة أخرى يُري بعض ثقاته وكبار شيعته، ختم الإمامة بين كتفيه، ويُعطيه لآخر منهم ليتبَّرك به ويقول لهم: “هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه” (الكافي: ج1ص321).

  • وداع الحبيب لحبيبه

وهكذا ودَّع ولده وحبيبه وخليفته في أهله، ووليه في أمته وداع العظماء وليس وداع الأطفال – كما نقول لابن الخامسة –لأنه جعله وصياً له وأوصى الجميع بطاعته، وتعظيمه، ولزوم خدمته، والمسير في ركابه، وكان ذلك منه حتى وهو في خراسان حيث كتب له هذه الرسالة: “يا أبا جعفر! بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، فإنما ذلك من بُخلٍ منهم، لئلا ينال منك أحد خيراً، وأسألك بحقِّي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير، فإذا ركبتَ، فليكن معك ذهب وفضة، ثم لا يسألك أحد شيئاً إلا أعطيته.. إني إنما أريد بذلك أن يرفعك الله، فأنفق ولا تخش من ذي العرش اقتاراً”. (الكافي: ج 4، ص 43).
كل ذلك ليقول الامام الرضا لنا وللأجيال: “هذا إمامكم فلا تَستَصغروا سنَّه فأمر الإمامة كالنبوة لا شأن للسنِّ والعمر فيها – كما قالها أصحاب السقيفة – لأنها من أمر الله واختياره فإمامكم الجواد كالسيد المسيح في المقام والمهام، فهل تؤمنون بالمسيح وتنكرون الجواد؟)، وهنا الطامَّة الكبرى في هذه الأمة، فهم يُنكرون إمامة الجواد، عليه السلام، لصغر سنه، ويثبتون ويحتجون بخلافة أبي بكر لكبر سنه، ينكرون إمامة الإمام المهدي لغيبته ويحتجون بالمسيح والخضرعلىظهوره وحياته، وكم لهذا من أمثال في هذه الأمة، {مالكم كيف تحكمون}؟

  • الإمام الجواد قدوة الشباب

والحقيقة التاريخية تقول: أن الإمام محمد بن علي الجواد، عليه السلام، يمثل معجزة الإمامة والولاية حقاً وصدقاً وفعلاً، إذ أنه تربَّى في حضن والده خمس سنين فقط، ثم أُخذ منه قهراً وأُبعد عنه إلى خراسان، وتوفي – روحي فداه- غريباً ودُفن في غُربته، ولم يذكر التاريخ، ولا أحدٌ من المؤرخين أن الإمام الجواد دَرَسَ، أو تَتلمذ، أو أخذ علماً عن أحد من أهل الأرض، ورغم ذلك تجده على صغر سنِّه -كما يقيسون- أفحم العلماء، و أخرس الفقهاء، وأدهش المأمون الذي فاق الحكام العباسيين في حذاقته، ودهائه، ولذا نجده يزوج إحدى بناته للإمام لأجل ذلك.
وقصة مجلس المأمون ومحاولة بنو العباس في إحراج الإمام الجواد، عليه السلام، بمسائل عويصة من يحيى بن أكثم، معروفة تثبتها كتب التاريخ، فقد سأله عن مسألة في الحج لظنِّه أن مسائل الحج عَصيَّة على جهابذة الفقهاء إلا أن يُدمنوا ويختصوا بأمور وقضايا الحج، فقال له: “ما تقول جعلني الله فداك، في مُحْرمٍ قَتلَ صيداً؟ فقال له أبو جعفر ،عليه السلام،: “قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان أم كبيرا؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم من كباره؟ مصرا على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما”؟
أليس هذا بحدِّ ذاته إعجاز، فتى في مثل ذاك المجلس أن يُجيب بمثل هذا الجواب؟
فتحيَّر يحيى بن أكثم، وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال المأمون: “الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه”؟) (موسوعة الإمام الجواد(ع): ج1 ص398)
وهكذا هم أئمتنا وقدوتنا وأسوتنا في هذه الحياة، وكم جدير بشبابنا وفتيتنا في هذا العصر الذي تعملقت فيه الحضارة الرقمية، وتاه شبابنا لأنهم ليس لهم قدوات يقتدون بهم في حياتهم فصاروا يقلدون كل نطيحة ومتردية وساقطة من هنا أو هناك، وكل ظنِّهم أنهم لا قدوة لهم في سنِّهم وشبابهم، كيف ذلك وأنَّى لكم أيها الشباب؟
ألم يكن الإمام الجواد، عليه السلام، طفلاً، حين قام بالإمامة الكبرى في الأمة، ثم كان فتى الفتيان وتبوَّأ مكان جدِّه أمير المؤمنين علي، عليه السلام، الذي لا فتى إلا هو، إلى أن صار رجلاً مكتمل القوام فقام بالأمر حوالي عقدين من الزمان، وقادة الأمة ووجَّه الشيعة في أحلك الظروف وأقساها حتى أوصلها إلى برِّ الأمان، وسلَّمها إلى ولده الإمام العاشر من أئمة أهل البيت علي الهادي، عليه السلام، الذي قام فيها أيضاً وهو فتى وفي ريعان شبابه.
الإمام الجواد، عليه السلام، معجزة لغيرنا، أما بالنسبة لنا فهو إمامنا، وقدوتنا، وأسوتنا، ولو عملنا عمراً مديداً نتعلم وندرس ونبحث حتى نتصدَّر في هذه الأمة كما تصدَّر الإمام الجواد في زمانه بعلمه، وتقواه، وتدينه، بحيث أن المأمون يأتي إليه ويخطبه لابنته ويزوجه بها ويفتخر على بني العباس بذلك، فالجدير بنا أن نتخذ هذا العَلَم الشامخ، والشرف الباذخ، نبراساً لنا ومتراساً، لكل شباب الأمة ليقتدوا به في سيرته المباركة المعطاءة.
والعلم في الصغر كالنقش في الحجر، فإذا تعلمتم أصول العلوم، واستفدتم من كل فرصة، واغتنمتم كل لحظة من حياتكم مقتدين بالإمام الجواد الذي لم يكم لديه وقت حتى يُضيِّعه في حياته بل كانت كلها جداً واجتهاداً، علماً وعملاً، فادرسوا حياته المباركة القصيرة وخذوا منها ما تُبهرون الدنيا فيه كما بهر العالم ومازال – روحي فداه – يُبهره، بل ويُبهر كل مَنْ درس حياته.
وتوسلوا في هذه الأيام المباركة الشريفة من شهر رجب الأصب، وفي هذه الظروف العصيبة على الأمة لا سيما بعد انتشار هذا الوباء (كورونا)، بالإمام الجواد، عليه السلام، أن يلهمكم الصواب، ويجود عليكم بالسداد والرشاد فإنه جواد آل محمد، صلوات الله عليهم جميعاً.
السلام على أسوة الفتيان، وقدوة الشباب الإمام محمد الجواد في يوم مولده الشريف، وعلى شيعته وعشاقه ومحبيه ورحمة الله وبركاته.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا