رأي

كورونا .. رسالة السماء {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}

كل حوادث الكون، سيئها وجيدها، هي رسل الله إلى العقل، وبها ذكّر الوحي، وهي تقود إلى معرفة …

كل حوادث الكون، سيئها وجيدها، هي رسل الله إلى العقل، وبها ذكّر الوحي، وهي تقود إلى معرفة الله والإيمان به، فقاعدة: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}، مستمرة مازال في الناس نَفَس، ومازال على العقل ركام.
ومن الحوادث ما هو من صنع مباشر للبشر، ومنها ما ظاهرها خلاف ذلك، فبعد أن كان سبب الانهيار المالي في 2008 نظرية البجعة السوداء بفعل بشري، ها هي نظرية البجعة الخضراء تدق نواقيس خطر أزمة مالية عالمية جديدة، بفعل التغيّر المناخي، وفيما يبدو لنا أنها خارجة عن إرادة البشر.
كل ذلك ظاهره خارج الإرادة البشرية، لكنها متصلة بها بنحو من الأنحاء، وهو اتصال السبب بالنتيجة، ولكن الإتصال بينهما خارج حسابات المنطق المادي فيما يفهمونه من قوانين المنطق والفلسفة والفيزياء، وهي في حسابات الله أنواع، يجمعها قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.

إن كان الإيمان بالله قيمتنا الكبرى، فلا تزيدنا الحوادث إلا إيماناً وإياباً إلى الله، بالصبر على الصعاب ليوفينا أجور الصابرين، وبالعلم نواجهها لنتخطى التحديات، فيوفينا أجور المحسنين

حدث فايروس كورونا، سواء طويت مرحلته سريعاً أم تمدّدت، لابد أن نعتبره من رسل الله إلى العقول، لعلها ترجع لبارئها وتنفض عنها شوائب الإلحاد والكِبر ويتخلى الإنسان عن تعاليه بما وصل إليه من تقدّم مادي، على الخالق العليم، لنلتفت يميناً وشمالاً، ونقرأ ما أحدثه كورونا الكائن الخفي، سنرى ضعف الأبدان وضعف التدبيرات تجاهه، فهذا الإنسان المسكين المتصاغر أمام عظمة الرب، ينسى أنه “مكنون العِلل تؤلمه البقّة، وتقتله الشرقة، وتُنتنه العرقة”، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
بسبب كورونا قد استنزفت اموالاً من الصعب عدّها، فكافة القطاعات تأثرت بشكل أو بآخر، فالصين وحدها استغنت عن شراء 20% من النفط، ما يعادل حاجات بريطانيا وإيطاليا مجتمعتين، واضف الى ذلك توقف حركة الطيران وتراجع المواصلات، ما يعني أن سوق النفط في انحدار مخيف.
وأدر النظر على قطاعات الصناعة وتوقف المصانع كلياً أو جزئياً، ما كبّد شركات كبرى في مجال التكنلوجيا خسائر فادحة، ثم ارمق ببصرك مصروفات الدول للوقاية والعلاج وما يتصل به من توقف بعض الإدارات والأعمال، فنحن أمام سيل من الخسائر بالمليارات.
فإن كانت المادة هي القيمة الأساس، وإن كان الإلحاد موئل العقول، فها هي المادة تذروها الرياح وهذا العجز مطبق على البشر، ولو كان ذلك مؤقتاً، لأنها رسالة، ومن شأن الرسائل الإيجاز، ومن شأن الرسل البلاغ المبين. فابحث عن الله ذي القوة المتين.
لنتذكر أمام هذا المشهد وكل مشهد كوني يمر علينا، قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.
وإن كان الإيمان بالله قيمتنا الكبرى، فلا تزيدنا الحوادث إلا إيماناً وإياباً إلى الله، بالصبر على الصعاب ليوفينا أجور الصابرين، وبالعلم نواجهها لنتخطى التحديات، فيوفينا أجور المحسنين، ألا ترى أن من لا يضع الله في حساباته فهو وإن أنجز ففي تيه، تقلّبه الحوادث.
سينجح الإنسان بإذن الله وتوفيقه في الوصول إلى علاج لفايروس كورونا، ولكن البعض سيخرج من التجربة بخسائر في كل جهة، وبعض سيخرج رابح في كل جهة، رابح في انتباهة العقل وفي زيادة الإيمان وفي رفع الدرجات..
واخيرا إن الحوادث في رسائلها الاجتماعية لا تقل عن رسائلها في عموم الإيمان، فهل يحضر التعاون أم يغيب، وأيننا من الإنصاف والتعاطف، وهل أخذنا تيار الهلع والجشع أم لا.. كل ذلك بعين الله تعالى.

عن المؤلف

السيد محمود الموسوي

اترك تعليقا