قراءة فی کتاب

أمير المؤمنين مدرسة متكاملة لكل العصور

ربما هناك الآف الكتب اُلّفت حول شخصية أمير المؤمنين، عليه السلام؛ فعند قراءتك لكتب متعددة حول هذه الشخصية العظيمة، فأنت لا تمل، وبما تطلب المزيد والمزيد، ذلك …

ربما هناك الآف الكتب اُلّفت حول شخصية أمير المؤمنين، عليه السلام؛ فعند قراءتك لكتب متعددة حول هذه الشخصية العظيمة، فأنت لا تمل، وبما تطلب المزيد والمزيد، ذلك لأنه، ارتبط بالقيم الالهية، والسنن الكونية، ولهذا فإن ذكره بعد ألف واربع مئة سنة من وفاته ما زال يسمو ويرتفع الى الاعلى.
سماحة آية الله السيد هادي المدرّسي في سلسلة مؤلفاته حول شخصية أمير المؤمنين، يؤكد هذه الحقيقة بأن الإمام، عليه السلام، مدرسة متكاملة الابعاد،.وفي هذا الكتاب يطمح سماحة السيد الى تناول حياة أمير المؤمنين، بإسلوب جديد، يتناسب مع واقعنا الحاضر، وهذا الكتاب هو جزء من (موسوعة الامام علي، عليه السلام)، متكونة من 50 مجلدا، و التي يعكف المؤلف على انجازها، نسأل الله ان نرى هذا النور قريبا.
في هذا الكتاب (يسألونك عن الامام علي) اليوم؛ يَخرجُ لنا سماحة السيد كتابا قيّما، وهو عبارة عن سؤال وجواب، في جوانب مختلفة من حياة الامام علي، عليه السلام، ومَن يقرأ الكتاب يرى كيف ردَّ المؤلف على الشبهات المطروحة حول شخصية الكتاب، فكان اجوبته عقلانية، وبصورة حضارة تلائم القرن الواحد والعشرين، فقد ظنّ الكثير أن التطور العلمي والتقني سيُبعد أمير المؤمنين، وشخصيات عظيمة اخرى في التاريخ الاسلامي، هذه الشخصيات عن مسرح الحياة، ولو تقدمنا في مجال الصناعات والاكتشافات العلمية الباهرة.

 

إن الحديث عن الإمام علي، عليه السلام، هو حديث عن أمور ثلاثة:

القدوة؛ والميزان؛ والإمام، وهي أمور تزداد الحاجة اليها يوماً بعد يوم.

وعلى ما يبدو أن الكاتب يسعى الى ترسيخ القدوة، والقائد، والمربي عند شباب الامة، لأن البعض اليوم يقول: ان زماننا هذا زمن صنع القدوات، ومِن هنا كان لابد من ابراز، واظهار القدوة الكاملة، في قبال القدوة الناقصة والزائفة.
عنوان رائع يضعه المؤلف ” يسألونك عن الإمام علي، عليه السلام”، مما يعني أن الاسئلة لم تنتهِ، ولم تتوقف حول هذا الشخص، فكم من قادة عاشوا وماتوا، واصبحوا في غياهب التاريخ، لا ذكر لهم، لكن الإمام، عليه السلام، لا زال اسمه يتلألأ، ويزداد علواً يوماً بعد يوم، فما السر في ذك؟

  • هل نحتاج الامام علي مع هذا التطور؟

ينطلق الكاتب في أول الاسئلة الافتراضية، والتي يجيب عنها، بإسلوب علمي ومبسط في نفس الوقت، كما يعبر عنه بالسهل الممتنع: “يقول السائل: في عصر الصواريخ العابرة للقارات، والتقدم العلمي الهائل في مختلف المجالات، ما هي الحاجة للحديث عن الامام علي، عليه السلام، الذي عاش ومات قبل اكثر من ألف عام؟
وفي ردِّ سماحة السيد على هذا السؤال، الذي قد يقف البعض عنده عاجزا، يردّ المؤلف: إن الحديث عن الإمام هو حديث عن أمور ثلاثة: القدوة؛ والميزان؛ والإمام، وهي أمور تزداد الحاجة اليها يوماً بعد يوم.
ويضيف المؤلّف: إنه حديث عن الميزان الصحيح، والقدوة الحق، والإمام الصادق، عن الميزان الذي لابد أن يوزن به الناس، والقدوة التي لابد أن يقتدي بها الناس، والإمام الذي لابد أن يتبعه الناس، وهو حديث عن الصورة الانسانية التي يجب بها أن يترفع الناسُ عن الدنايا، كما ترفّع بها الإمام، عليه السلام، ويلتزموا على الصراط المستقيم، كما إلتزم هو بذلك”.

  • أحكام الدين لا تكفي بدون ممثلٍ له

ومن الاسئلة التي وجهها ذلك السائل الى سماحة السيد: ما مدى الحاجة الى الامام كشخص؟ ألا تكفي تعاليم الدين الحنيف وحدها، مثلاً؟
فيجيب المؤلف: “إننا حين نقرأ سورة الفاتحة، ونكررها ليل نهار، نطلب من ربنا، بعد حمده وتسبيحه، أن يهدينا الصراط المستقيم، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم، فننتقل من النظرية الى التطبيق، ومن القيم والمُثل والمبادئ التي يمثلها الصراط المستقيم، الى أولئك الذين طبقوها في حياتهم، والتزموا بها في امورهم، فأصبحوا قدوة للسائرين في هذه الطريق، أي أولئك الذين يقول الله عنهم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، ويقول تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}؛ فالنبي وأهل بيته الكرام، عليهم السلام، هم الذين أنعم الله عليهم بنعمة الهداية والإمامة، وذكرهم في فاتحة الكتاب، حيث قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}“.
ويقول ايضا: فهم الميزان الذي به يُميز صلاح الناس عن فسادهم، أما لماذا الحاجة الى وجود الميزان الربّاني، فلكي لا ينحرف البشر عن الصراط المستقيم فيسقطوا في متاهات الضلالة، ذلك أن الانسان عندما فتح عينيه وجَد أنه لا يختلف في حاجاته الأولية عن أدنى الحيوانات؛ فقد رأى أنه يجوع كما تجوع الدواب، ويعطش الفيران، وينجذب الى الجنس الآخر، كما تنجذب اليه كل ذكور الأنعام”.

  • امتيازات بلا حدود

لكل انسان امتيازاته الخاصة، التي تميزه عن سائر بني جنسه، فالله سبحانه وتعالى اودع في كل انسان مواهب تختلف عن غيره من الناس، والانسان بدوره حينما يسعى الى تنمية هذه الامتيازات فإنه يتغلب عن مشاق الحياة وصعوباتها، أما اذا اهملها، ووجهها في غير طريقها السليم، فإنه سرعان ما يخسر، ويبوء بالفشل الذريع.
الامام علي، عليه السلام، كانت له امتيازات خاصة، افرد لها المؤلِّف عنوانا منفردا، وبما أن الإمام مدرسة متكاملة، من الاخلاق، والفضائل، والعلم، فإننا بحاجة ماسة الى الاستضاءة من ذلك الوهج العلوي المنير.
فما هي امتيازات الإمام علي، عليه السلام؟

إنّ أهل البيت، عليهم السلام ، هم الميزان، الذي يميز صلاح الناس عن فسادهم، ووجودهم كالميزان حتى لا يسقط البشر في متاهات الضلالة والردى.

هذا ما وجهه السائل لسماحة السيد هادي المدرسي، فكانت الإجابة: “فقال السيد: إن علياً من اولئك الرجال الذين تبتدأ امتيازاتهم من لحظة الولادة، وتستمر الى لحظة الوفاة، ثم تنتهي الدنيا ولا تنتهي تلك الامتيازات.
فعليٌ، عليه السلام، مجمع للفضائل، ومنبع للقيم، ومصدر للبطولات، كما هو ينبوع للامتيازات.
ولقد ظهرت من في حياته معاجز لا تُعدُّ، وظهرت له كرامات لا تحصى، مما جعل الناس يتساءلون: هل كان الامام، عليه السلام انساناً يأكل الطعام ويمشي في الاسواق، أم انه كان اسطورة من الاساطير؟!
وهل كان فعلا رجلاً من الآدميين، من لحم ودم؟ أم كان ملكاً من الملائكة الكروبيين؟!
إن كل من يدرس عليا، عليه السلام يحتار فيه، كما احتار فيه الشافعي إذ قال:
أهلُ النهى عجزوا عن وصف حيدرةٍ
والعارفون بمعنى حبّه تاهوا
إنْ قلت: ذا بشر فالعقل يمنعني
وأختشي من الله قولي: هو اللهُ”.
ويواصل السائل توجيه اسئلته الى سماحة السيد المؤلف: وماذا عن الامتيازات في صفاته؟
يجيب السيد: لولا الخشية من أن يفهمني البعض خطأ لقلتُ: أن عليا، عليه السلام، ربُّ الشجاعة، ورب البلاغة، ورب العدالة، ورب الأخلاق، ورب السيف، ورب الإخلاص.
أنه باختصار: ( رب النوع) في جميع الفضائل.
ثم يسأل السائل : كيف اصبح كذلك؟
يقول السيد: لقد كان باني هذه الامة، وبذلك تجلت فيه بعض صفات الله –تعالى- ، حيث تجلت فيه رحمته تعالى في قلبه، كما تجلت عدالته في كفّه، وتجلى غضبه في سيفه، فكان كلمة الله التي ألقاها على رسوله، صلى الله عليه وآله، وبه تمت كلمة ربك صدقا وعدلا، وذلك تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً}.
هذا هو الامام علي، عليه السلام، الذي نحن ما نكون احوج اليه من أي زمن مضى، فالتحديات التي تواجه الامة الاسلامية كبيرة، و لابد أن نَتحدث، ونُحدث الآخرين عن الإمام،عليه السلام، فنحن بحاجة الى اخلاق علي،و عدل علي، وكرم علي ..الخ.
ومِن هنا فإن هذا الكتاب من الكتب الجديرة بالمطالعة، للوصول الى إجابات سريعة، وافية، لواقعنا المرير والمأساوي من معين أمير المؤمنين،خصوصا فيما يتعلق بالامام علي، عليه السلام، فهو يتحدث بلغة عصرنا، عصر الاختراعات والاكتشافات العلمية الهائلة، فهو يعالج شبهات كثيرة حول شخصية الإمام، وعلاقة تلك الشبهات بزماننا هذا، كالشبهة القائلة: لماذا نحتاج عليا ونحن في زمن التقدم والتطور، وهذا ما يجيب عنه سماحة السيد هادي المدرّسي، بردٍّ سلسل جميل جدا.
هذا ويقع الكتاب في مئة وثمانين صفحة، ويشار الى ان الكتاب متوفر في مركز البيع الخاص بمؤلفات سماحة المرجع المدرسي، بكربلاء المقدسة، والنجف الاشرف.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا