غير مصنف

الكرم الحقيقي وتجلياته في التلاحم الاجتماعي

الكرم من الخصال الساميه العريقه التي عرفها العرب منذ قديم العصور، وكان مدار مدح لساداتهم ودليل رفعة، وافتخار، ومجد لا يضاهيه مجد؛ فالكرم عند…

-1-

الكرم من الخصال الساميه العريقه التي عرفها العرب منذ قديم العصور، وكان مدار مدح لساداتهم ودليل رفعة، وافتخار، ومجد لا يضاهيه مجد؛ فالكرم عند العرب من شيم الأحرار، وقيل قديماً: «الكرم أصل المحاسن كلها»، و أصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام وسخائها بما تملك.
ومن المعروف ان الشجاعة والكرم تمثلان صفتان متلازمتان في المجتمع العربي قبل ظهور فجر الاسلام، وكانت من ابرز صفاته، وكان حاتم الطائي من أبرز من اشتهر بالكرم، ويقال ان حاتم الطائي سُئل يوماً هل يوجد من هو اكرم منك؟ فقال: نعم؛ غلام يتيم يملك عشرة رؤوس من الغنم فحللت بفنائه فذبح إحداهها وقدمها فاستحسنت دماغ الشاة فقلت» «طيباً»، فعمد إلى ذبح اغنامه الواحده تلو الأخرى فقلت له: لماذا ذبحت كل اغنامك؟ قال: كيف تستطيب شيئاً أملكه و أبخل عليك؟!
فعوضه حاتم بثلاثمائة من الابل وخمسمائة من الغنم، فقيل لحاتم انت أكرم منه، فقال: هيهات؛ بل هو جاد بكل ما يملك وانا جدت ببعض ما املك.

-٢-

ان الكرم عند العرب قبل الإسلام قد تكون له غايات دنيوية ونفعية، إذ لم يكن الدين أحد المعايير في تحديد هذه الصفة، ولكن بعد سطوع شمس الاسلام المحمدي كانت القيم الانسانية، والروحية المرتبطة بقيم السماء هي التي تحدد معاني ومفاهيم وغايات الكرم التي يتصف بها المسلم، وهو ذاك الانسان المتعلق برب رحيم يُرضيه مكارم الأخلاق، ويغضبه كل ما يُنفق طلباً للجاه أو السمعة، وهو عين الرياء.
ثم إن الإسلام قد شذب من بعض العادات والتقاليد العربيه قبل الاسلام، و ابقى على الكثير منها؛ فقد كان الكرم أحد هذه القيم النبيلة التي اهتم بها الإسلام، وقد عرّف الله -سبحانه وتعالى- نفسه لعباده باسم من أسمائه الحسنى وهو «الكريم»، وقال الله -سبحانه وتعالى-: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}، (سورة ال عمران: 133-134)، وقال جلّ من قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}، (سورة فاطر: 29).

-٣-

وقال -سبحانه وتعالى-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}، (سورة آل عمران: 92)، وقال رسول الله، صلى الله عليه واله وسلم: «إن الله تعالى جوادٌ يحب الجود ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها»، وقال رسول الله، صلى الله عليه واله وسلم: «لَا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا».
ان الكرم هو حالة وسطية بين البخل وبين التبذير حيث اذا شح الكرم أصبح بخلاً، واذا زاد عن حده اصبح تبذيراً، ونحن الان بأمس الحاجة إلى التمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف حيث يجب أن تكون كافة اعمالنا لابتغاء مرضاة الله -تعالى- وحده وليس لأي مآرب أخرى من مدح مادح أو لتحصيل منفعة دنيوية، فقد شرط الباري عزوجل شرطا أساسيا على عباده بقوله -تعالى-: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، (سورة الكهف: 110).

-٤-

اننا اليوم في مجتمع غالبا ما تقام الولائم طلبا للجاه والسمعة، ويكون التبذير الصفة السائدة في ذلك، ولطالما أوصت المرجعية الرشيدة وعقلاء القوم بأن هذه الأموال التي تهدر بالمناسبات الاجتماعيه تتعدى حد المعقول والمقبول؛ حيث تنفق بها ملايين الدنانير وتتلف بها أطنان من المواد الغذائيه لايستفاد منها أحد، ونحن كمجتمع إسلامي لدينا فقراء وايتام ومعوزين هم أولى بها، ونحن مسؤولون أمام الله عن كل ما يعانيه هؤلاء من شظف العيش: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}، (سورة الصافات: 24)، وفي هذا الشهر الفضيل شهر الرحمة والتراحم شهر رمضان المبارك يجب أن نسأل أنفسنا جميعا كم فقير ساعدنا وكم يتيم تفقدنا وما اكثرهم بيننا!

-٥-

نحن كمجتمع نفتخر كثيرا بالكرم العربي الذي شذبه الإسلام المحمدي، نشعر بأمسّ الحاجة إلى إشاعة روح المساعدة والتكافل الاجتماعي حيث هناك نسبة كبيرة من العراقيين تعيش تحت خط الفقر جلهم من الأيتام والارامل إضافة إلى المعوقين غير القادرين على العمل والعاطلين وشرائح أخرى تعاني من شظف العيش، كل هؤلاء بحاجه ماسة وملحة إلى مد يد العون التي تنتشلهم من واقعهم المرير، وهنا يتجسد المعني الحقيقي للكرم والسخاء الذي يريده الباري عز وجل حيث يكون الإنفاق خالصا لوجهه الكريم بعيدا عن كل مصالح الدنيا الزائلة، وهنا سيكون المُجزي هو الله -تعالى- حيث يرزقنا من حيث لانحتسب، ومن منا لا يحب أن يُقرض الله قرضاً حسنا، كما في هذه الأبيات التي أنشدها حاتم الطائي:
ﻓﻼ اﻟﺠﻮﺩ ﻳﻔﻨﻲ اﻟﻤﺎﻝ ﻗﺒﻞ ﻓﻨﺎﺋﻪ ..
ﻭﻻ اﻟﺒﺨﻞ ﻓﻲ ﻣﺎﻝ اﻟﺸﺤﻴﺢ ﻳﺰﻳﺪُ
ﻓﻼ ﺗﻠﺘﻤﺲ مالاً ﺑﻌﻴﺶٍ ﻣﻘﺘﺮٍ ..
ﻟﻜﻞ ﻏﺪٍ ﺭﺯﻕٌ ﻳﻌﻮﺩ ﺟﺪﻳﺪُ
ﺃﻟﻢ ﺗﺮَ ﺃﻥ اﻟﻤﺎﻝَ ﻏﺎﺩٍ ﻭ ﺭاﺋﺢ ..
ﻭﺃﻥ اﻟﺬﻱ ﻳﻌﻄﻴﻚ ﻏﻴﺮ ﺑﻌﻴﺪُ

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا