ثقافة رسالية

نهج البلاغة والحياة (34) كيف يكون الشك سبباً للفشل؟

قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “والشك على اربع شعب: والشك على أربع شعب: على التماري والهول والتردد والاستسلام ، فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله ومن هاله ما بين يديه نكص على عقيبه، ومن تردد في الريب وطئته سنابك الشياطين، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما”.

هنالك إيمان وهناك كفر وبينهما مرحلة الشك، ومرحلة الشك عادة تنتهي بالكفر، وقليلا ما تنتهي حالة الشك عند الانسان الى اليقين، أما شُعب الشك ومصادره في نفس الانسان فهي أربعة:

الأول: الجدال في الامور بدل محاولة الوصول فيها الى الحق (التماري).

الثاني: التخوّف من المستقبل مما يجعل الانسان مترددا لا مقدما.

الثالث: التردد في الاعتقاد (الظن) بدل العزيمة في الامور.

الرابع: فقدان الثقة بالنفس ومن ثم الاستسلام لكل شيء.

قلب الانسان يبحث عن اليقين كما يبحث الطير عن الحَبّ الجيد، فإذا حصل على اليقين استراح وبدأ الانتاج، وإذا لم يحصل عليه فإن كل شادرة وواردة يمكن ان يعشعش في قلبه.

أمير المؤمنين، عليه السلام، في هذه الكلمة القصيرة في كلماتها العميقة في معانيها، لا يتحدث  في نفس الوقت عن مصادر الشك في نفس الانسان، بل عن مراحل الشك أيضا.

⭐ الانسان المتردد لن يستغل فرصةً تمر عليه، في المقابل إنسان على يقين من أمره فهو يمتلك الشجاعة ويقدم، فلم يُرى مترددا يتعلم السباحة وهي مسألة بسيطة جدا

المرحلة الأولى في الشك أن الانسان إذا كان يبحث عن حق لكي يؤمن ويتمسك به، في هذه المرحلة يجب ان لا يجادل، ويماري، فالجدال علامة أن صاحبه لا يريد الوصول الى الحق، لانه لو كان كذلك، فهو لا ينقاش نقاشا نابعا عن جهل.، وفي هذه المرحلة لابد ان نبحث عن اليقين حتى نصل اليه، أما إذا بدأنا الجدال في اليقين والحق فلن نصل اليها في يوم من الايام.

وفي المرحلة الثاني يأتي التخوّف من المستقبل ومن حمل الحق والمسؤولية، وفي المرحلة الثالثة يكون التردد في الامور، فهو بين الاقدام والإحجام، والمرحلة الرابعة ــ التي هي نتيجة للمراحل السابقة ــ هي الاستسلام للمهالك، والمضار، والسقوط.

“فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله”  الظلام الداخل في قلبه لن يأتيه فجر فيقشعه عنه،  فالذي يجعل الجدال طريقته في النقاش، وفي استماع النصحية والكلام، هذا لن يُصبح ليله فجرا،

 “ومن هاله ما بين يديه نكص على عقيبه ومن تردد في الريب وطئته سنابك الشياطين، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما”.

 حالتان في الانسان؛ وحالة الشك، حالة اليقين، الناجحون في الحياة يمتلكون يقينا فيما هم عليه، والفاشلون هم المترددون، لان من اسباب الفشل الرئيسية عند كافة الناس، هو التردد في الأمور.

الانسان المتردد لن يستغل فرصةً تمر عليه، في المقابل إنسان على يقين من أمره فهو يمتلك الشجاعة ويقدم، فلم يُرى مترددا يتعلم السباحة وهي مسألة بسيطة جدا، فكيف يستطيع إنسان متردد ان يتعلم السباحة في هذه الحياة؟ وان يقارع الاهوال ويقاوم التيارات المختلفة؟

الانسان المتردد حينما يريد ان يعبر الشارع يسقط فيما يهرب منه، وهذه يشبه حالة القطط، التي عادة ما تُسحق في الشوراع نتيجة حالة التردد التي تعيشها، والناجحون هم الذين يقدمون على علم، وإذا علموا لا يشكون ويترددون في الأمر.

 الذي يتردد في أموره لا ينجح في الحياة، لانه كلما اصطدم في عقبة عمل ما تردد، و انتقل الى عمل آخر، وإذا وجد فيه صعوبة تركه وتردد، وهذا إنسان لا يتعلم شيئا في هذه الحياة، أما ذلك الذي اختار طريقه وسار فيه على علم ويقين، ومن ثم توكل على الله، وبعدها رضى بما هو عليه، ينجح في حياته.

وهذه امور كلها واحدة منها تجر الى الأخرى، فحالة اليقين تجر الى التوكل على الله، والرضا بما قسم الله، اما حالة التردد قد تدفعه الى الشك حتى في وجود الله ــ عزوجل ــ.

وآيات القرآن الكريم تؤكد هذه الحقيقة ان الشاك لا يثاب على عمل؛ قال ــ تعالى ــ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}، وقال: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}، في طريق اليقين لابد ان تضع في الحسبان انك ستصطدم بمشاكل، ولكن الله موجود وهو لا يتنازل عن وعده، فيجب على الانسان المؤمن ان يتحمل كل الصعوبات ويستمر.

الشك حالة نفسية متردية في الانسان وهذه الحالة تكبّل الروح، ذلك ان الروح تنمو مع اليقين، فحين تكون على امل في النجاح تقدم وبشجاعة، قال الامام الصادق عليه السلام: “ان الله جعل الروح والروَح في اليقن والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط”، فالانسان الساخط على كل شيء يبقى حزنه دائما سرمدا”.

⭐ الشك حالة نفسية متردية في الانسان وهذه الحالة تكبّل الروح، ذلك ان الروح تنمو مع اليقين، فحين تكون على امل في النجاح تقدم وبشجاعة

المؤمن ليس شكاكا، فهو يختار طريقه على علم ويستمر فيه، لانه لا يجتمع الايمان الصادق مع الشك في الله، وفي وعد الله، والجنة، والشك في كتاب الله، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “الشك يفسد اليقين، وقال: “الشك كفر”.

في بعض العبادات يعد اليقين و النية عبادة؛ فمثلا في الصوم لابد من حضور النية، فبمجرد الشك في الصوم (هل أنك صائم أم مفطر) فإن صيامك يفسد بمجرد الشك في النية.

“ثمرة الشك الحيرة”؛ الشكاك دائما محتار في أمره، أما الذي على يقين إن خيرا وإن شرا فعلى أقل التقادير يعيش حالة نفسية عالية، “ومن يتردد يزدد شكا”.

كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، يتعوّذ كل يوم من ست: الشك والشرك والحمية والغضب و البغي والحسد”، وكلها امور نفسية تنتج اشياء فاسدة في الحياة.

ولقد أمرنا الاسلام لكي يزداد يقننا، أن لا نبطل في عباداتنا يقننا بالشك، بل امر بتغليب جانب الظن على الشك، ففي الصلاة ــ مثلا ــ يقول الفقهاء: لا تبطل اليقين بالشك، ولربما هناك الكثير من المسائل الشرعية يفتي الفقهاء فيها بناءً على قاعدة (لاتبطل اليقين بالشك) وبناء على قاعدة الاستصحاب؛ اي العمل على الحالة السابقة قبل الشك، لو كان حمّال على يقين من أن عمله جيد لاستمر فيه ونجح، ولو أن تاجرا تردد في أمره لفشل. قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “لا تجعلوا يقينكم شكّا ولا علمكم جهلا”.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا