مكارم الأخلاق

تأملات في مناجاة التائبين (5) كيف نصلح ضعف أنفسنا؟

قال سيد الساجدين وزين العابدين، الإمام علي بن الحسين، عليه السلام: “أسألُكَ يا غافِرَ الذَّنبِ الكَبيرِ وَيا جابِرَ العَظمِ الكَسيرِ أن تَهَب لي موبِقاتِ الجَرائِرِ وَتَستُرَ عَلَيَّ فاضِحاتِ السَّرائِرِ”

الانسان ضعيف يحتاج الى قوة يقتلع بها ضعفه، فالانسان يضعف أمام الاهواء والشهوات، ويضعف أمام الطاغوت، سواء كان حاكما، او وجيها وما شابه من الجهات الخارجية التي تحاول ان تسلب الانسان شخصيته او امكاناته، فيحتاج الى قوة العقل ليتغلّب على هذا الضعف، والعقل من الله، ويحتاج الى قوة الإرادة التي يجب ان يستمدها ايضا منه ــ تعالى ــ، ويحتاج الى قوة الايمان الذي به يثبت ولا يحيد عن الطريق “المؤمن أقوى من الجبل تزول الجبال ولا يزل ويأخذ منها بالمعاول والمؤمن لا يؤخذ منه”.

⭐ الانسان ضعيف يحتاج الى قوة يقتلع بها ضعفه

الانسان بحاجة الى الارتباط بالقوة الالهية “أسألُكَ يا غافِرَ الذَّنبِ الكَبيرِ وَيا جابِرَ العَظمِ الكَسير” تعبير عن العظمة الالهية، وتعبير ان الذنب هو الذي أضعف الانسان، وارتكاب الذنوب هي اسباب ضعف الانسان، ولو لم يرتكب الانسان ذنبا لما ضعُف أمام شيء، لا في داخل نفسه ولا في خارجها، فلا يضعف امام الجبت والطاغوت، ولا أمام الشهوات الداخلية.

الذنوب هي التي تضعف إرادة وقوة الانسان، وثم يضعف أمام الاشياء، ولذا هو بحاجة الى مَن يزيل ذلك الضعف من داخله؛ ضعف الذنوب، والمعاصي، والموبقات.

  • “أسألُكَ يا غافِرَ الذَّنبِ الكَبيرِ”

 الغفران هو التسر والازالة بعد ذلك، فالانسان يلجأ الى الله ــ تعالى ــ لاقتلاع ضعفه، ولا غافر إلا الله، فلا احد يغفر ذنب الانسان إلا الباري ــ تعالى ــ، حتى الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، يشفع يوم القيامة بإذن الله، وكذلك استغفاره للمؤمنين في الدنيا بإذن ــ تعالى ــ وبالتالي فإن الانسان بجاحة للارتباط بالله وتوثيق العلاقة معه، والالتجاء الى القدرة الإلهية بحيث ينقطع عن باقي القدرات، وما لم يرتبط الانسان بالله، فلن يستطيع إصلاح نفسه.

قال الإمام الجواد عليه السلام: “المؤمن يحتاج الى ثلاث: توفيق من ربه وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه”، لن يستطيع الانسان إصلاح نفسه من دون الطريق الذي جعله الباري ــ سبحانه ــ، فمن يريد إصلاح نفسه عن طريق التصوّف لن يزداد إلا بُعدا عن الله، وكذلك طريق الرهبنة لا تُصلح الانسان، فقد ترى احدهم ظاهره الخشوع والوقار، لكن في داخل نفسه كبرياء على الحق، فمن لا يُسلّم للحق لا يخضع لقيم السماء، وهذا الانسان في حقيقته ضعيف لانه غارق في الذنوب، فالقضية ليست بالشكليات والامور الظاهرية، بل المهم الارتباط الحقيقي بالله.

الارتباط الحقيقي بالله هو الخوف منه، وتطبيق ما جاء في رسالاته، فما جاء في القرآن الكريم، وروايات أهل البيت، عليهم السلام، يجب ان تنطبق على سلوكيات الانسان المؤمن، فمثلا الآية القرآنية: {خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين}، فالمؤمن يعفو ويصفح، ويعرض عن الجاهل، وإذا كانت الآية: {ادفع بالتي هي بالتي احسن} تجد المؤمن مطبقا لهذه الآية، او الآية: {وبالوالدين احسانا} تجده بارا بوالديه محسن إليهما استجابة لهذه الآية المباركة، وهكذا في بقية الأمور.

  • “أن تَهَب لي موبِقاتِ الجَرائِرِ”

 الموبقات هي المهلكات، وهذا تعبير ان الذنب يُهلك الانسان، وتبدد النور داخله، وتُضعِف قوة الارادة عنده، والذنب ثقل ووزر يثقل على الانسان الحركة، والتفكير السليم، ويحول بين فلاحه في الدنيا والآخرة.

⭐ ارتكاب الذنـــوب هـــــــي اسباب ضعــف الانــــسان، ولو لم يرتــــكب الانســان ذنبا لما ضعُف أمام شيء

قال الإمام الصادق، عليه السلام: نصب الخلق لطاعة الله ولا ناجاة إلا بالطاعة والطاعة.. رباني “، فمن دون طاعة لله يهلك الانسان، وما لم يجعل الفرد أمام عينه عالِم رباني يرشده، ولذا ورد: “ضل من ليس له حكيم يرشده”، ومن يريد تجاوز المهلكات لابد ان يلتزم المنهج الرباني والقيادة الرسالية المتمثلة في النبي الاكرم، ومن بعده أهل بيته الطاهرين، ومن بعدهم المراجع المتقين، وإذا اردنا ان يستجيب الله لنا لابد ان نستجيب له.

  • “وَتَستُرَ عَلَيَّ فاضِحاتِ السَّرائِرِ”

 الله يمهل الانسان ويعطيه الفرص الكثيرة حتى يرجع إليه، لكن الانسان إذا تجاوز وتمادى حدوده يفضحه الله أمام الناس، وفضيحة الانسان في الدنيا لاشيء أمام فضيحته في الآخرة، فكثير من اسرار الانسان تبقى خفية على الناس، لكن إذا لم يسعَ الى تحسين وضعه وعلاقته مع الله، ففي يوم من الايام ستفشى! فعودة الانسان الى الله كفيلة بستر خطاياه في الدنيا والآخرة، لكن إذا لم يعد فالله يفضحه حتى يأوب اليه وهذا من رحمته بعباده، والمؤمن لا يريد رحمة الفضيحة، بل رحمة الستر.


  • (مقتبس من محاضرة لآية الله الشهيد نمر باقر النمر)

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا