حدیث الناس

ماذا تعطون لأبنائنا في المدرسة؟

لا أرى حاجة بعد اليوم لاستذكار الماضي، وكيف كانت المدرسة تربّي قبل ان تعلّم، إنما الحاجة اليوم النظر في أمر التعليم ومسؤولية المعلّم إزاء التلاميذ في المرحلة الابتدائية، وفي المرحلة المتوسطة والاعدادية، ولماذا اصبحنا ننظر الى المعلم والمدرس –مع بالغ الأسف- كما ننظر الى البقال او النجار او الحداد في طريقة التعامل المادي، في حين يفترض أن يكون تعاملنا معنوي؛ يتعلق بالتربية والتعليم والتهذيب والنصيحة، أما الجانب المادي فهو ليوم واحد فقط نهاية كل شهر، وتكون الدولة هي الطرف الوحيد لإعطاء المعلم ما يستحقه من المكافأة (الراتب)؟

يتعلل البعض بسوء الإدارة لدى مؤسسات الدولة؛ البرلمان، ثم الحكومة، ثم الوزارة، ثم المديرية، ثم…. ويشترطون تصحيح الوضع بتصحيح الجهاز الحكومي والنظام  السياسي برمته، والقضاء على الفساد، والمحاصصة، و…!

المعلم والمدرس هو أقرب الموظفين في الدولة الى الناس، وهي حقيقة اعتقد يتفق معي الكثير عليها، فتربطنا به علاقة مستدامة ومتشعبة طوال السنة الدراسية، بل وطيلة ايام السنة، عندما نلتقي بالمعلم او المعاون او المدير في الشارع، نلقي عليه التحية والسلام، مبدين له كل الاحترام والتبجيل كونه “استاذ” ومعلم لابنائنا، بل وحتى لو نراه في كبر سنّه وقد اُحيل على التقاعد، لن ننسى جهوده وإخلاصه في العمل من أجل ابنائنا.

فمهما جار الزمان على المعلم، وما يسرده لنا من معاناته في الحياة، يبقى بالنسبة لنا معلماً للحساب والتاريخ والجغرافية واللغة العربية والانجليزية، وسائر العلوم، كما يبقى مربياً، من المستحيل التخلّي عن هذا الرداء المقدس مهما حصل، إلا أن يتخلّى عن المهنة ويتخذ لنفسه عملاً آخر، حينئذ معذور، أما الآن فهو يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية وانسانية، هي تمثل حزمة ثقيلة من المسؤوليات التي نعبّر عنها ب”الحضارية” لأنها تقدم لنا الفرد النافع والمنتج في المجتمع، ويقدم لنا الطبيب الأمين، والمحامي الصادق، والموظف المخلص، والعكس بالعكس قطعاً.

هذه الصورة الجميلة في الأذهان نراها تتعرض لتشوهات وإساءات متكررة تثير فينا الأسى والأسف عندما نرى المقايضة والابتزاز الصريح (عينك عينك) للالتحاق بالمعاهد ومراكز التعليم الخصوصي، وإلا لن يجد الطالب “الضحية” ضالته من الفهم والاستيعاب للمواد الدراسية، لاسيما في مرحلة المتوسطة والاعدادية، ولو أن التعقيد شمل الابتدائية ايضاً؛ وبات من الطبيعي سماع دورات تقوية لصفوف الرابع والخامس والسادس الابتدائي، بل وحتى ملازم للصف السادس الابتدائي! بدعوى ضمان النجاح في الامتحان الوزاري.

بماذا نصف الموظف الحكومي، من أبسط درجة في دائرة حكومية، مروراً بالمدير، ثم الوزير ثم الرئيس ممن يبتزون الناس في لقمة عيشهم، ويمارسون الاختلاس والتلاعب بثروات الشعب ومصائرهم، غير الخيانة؟! نعم؛ ندينهم بتهمة الخيانة للأمانة التي سلمها الشعب لهم، وهي المسؤولية الإدارية والحكومية لقضاء حوائج الناس وتسهيل امور معيشتهم، والآن؛ بماذا نصف المعلم والمدرس الذي يتهاون في أداء مسؤوليته التعليمية –وليس التربوية- بإجبار الطالب مع أبيه وأسرته على دفع الاموال الطائلة، فقط ليفهم الدرس، ثم لينجح في الامتحان؟

تحية حب وإجلال واحترام لكل المخلصين من الأخوة والاخوات “التربويين” في قطاع التعليم، ممن يجاهدون للبقاء على نقاوة تلك الصورة الجميلة في اذهاننا، وياليتهم ينثرون من شذى روحهم الطيبة ونفوسهم النقية على سائر اخوانهم واخواتهم لعلهم يهتدون.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا