مناسبات

زِيَارَةُ الأَربَعِين آلَامٌ وَآمَال

  • مقدمة

عظيمة هي زيارة الأربعين حقاً، وذلك لما ورد عن أئمة الهدى والرشاد في فضلها وثوابها وبركتها للزائر المحترم حيث ورد عن الإمام الصادق، عليه السلام قوله: “مَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ زِيَارَةَ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) إِنْ كَانَ مَاشِياً كَتَبَ اَللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَمَحَى عَنْهُ سَيِّئَةً حَتَّى إِذَا صَارَ فِي اَلْحَائِرِ كَتَبَهُ اَللَّهُ مِنَ اَلْمُصْلِحِينَ اَلْمُنْتَجَبِينَ [اَلْمُفْلِحينَ اَلْمُنْجِحِينَ] حَتَّى إِذَا قَضَى مَنَاسِكَهُ كَتَبَهُ اَللَّهُ مِنَ اَلْفَائِزِينَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اَلاِنْصِرَافَ أَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُقْرِؤُكَ اَلسَّلاَمَ وَيَقُولُ لَكَ: اِسْتَأْنِفِ اَلْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى”. (كامل الزيارات: ج۱ ص۱۳۲).

وفي رواية أخرى يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَخْرُجُ إِلَى قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فَلَهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَوَّلِ خُطْوَةٍ مَغْفِرَةُ ذُنُوبِهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقَدَّسُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَإِذَا أَتَاهُ نَاجَاهُ اَللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ اُدْعُنِي أُجِبْكَ اُطْلُبْ مِنِّي أُعْطِكَ سَلْنِي حَاجَةً أقضيها [أَقْضِهَا] لَكَ قَالَ؟ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): وَحَقٌّ عَلَى اَللَّهِ أَنْ يُعْطِيَ مَا بَذَلَ). (كامل الزيارات: ج۱ ص۱۳۲)

فهل يقاس بها عمل غيرها من أعمال البر والصلاح كالعبادة وأصناف الفضيلة والقربى إلى الله تعالى؟

  • زيارة الأربعين وآلام الأمة

كم نضيِّع من الفرص الذهبية في حياتنا اليومية؟ وكم تضيِّع الأمة من الفرص الاستثنائية في مسيرتها؟

ومن أعظم نعم الله ـ تعالى ـ على هذه الأمة هي الولاية لأنها النعمة التي تمَّت بها كل النِّعم، وذلك في قوله تعالى في يوم الغدير الأغر: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}. (المائدة: 3)، فتمام النِّعم وكمال الدِّين بمعرفة الولاية، وتنصيب الإمامة، وإشهار القيادة التي اختارها الله وليس الذي اختارتها قريش في قبال خيرة الله لها.

⭐ الألآم كبيرة والجراح عميقة ولكن تبقى الآمال أكبر بالمستقبل المشرق الواعد الذي نتطلع إليه من خلال هذه الزيارة المليونية المباركة وهذا التظاهرة الاستثنائية العالمية

وعليه فإن الإمام الحسين، عليه السلام، وولايته المغصوبة، وإمامته المنهوبة، وقيادته المسروقة هي من أعظم النِّعم الربانية التي أهدرتها الأمة الإسلامية بل وقتلتها بتلك الطريقة الأموية الوحشية بهدف دفن الإسلام والدِّين الحق لإعادة الأمة إلى الجاهلية من جديد، ولكن نعمة وجود الإمام الحسين ، عليه السلام، وقيامه ونهضته فوتت على تلك الطغمة الفاسدة والمفسدة تنفيذ أهدافها، بل وقضت عليها ورمتها في مزابل التاريخ.

ونحن اليوم نرى ونسمع هدير كل هذه الجماهير التي خرجت من كل حَدب وصوب إلى كربلاء حيث مرقد سيد الشهداء، عليه السلام، لتبثه آلامها وأحزانها وتعبِّر له عن عظيم الخيبات فيها وكثرة دماءالشهداء المظلومين وأهاليهم وأطفالهم اليتامى والأيامى من ورائهم، فهل نلتفت إليهم أو نراعي شؤونهم ولا نجعلهم يشعرون بالغربة في الوطن، بعد أن فقدوا أعزتهم فداء للوطن والدِّين والمقدسات؟

أم تركناهم كسبايا رسول الله وبنات الحسن والحسين، عليه السلام، ثقلاً ومسؤولية على تلك العظيمة السيدة زينب الكبرى، عليه السلام، لتكون لهم كهفاً حافظاً وأماً رحيمة بهم، لكن أين للدنيا والأجيال بامرأة كزينب فقد عقمت أرحام النساء، وأصلاب الرجال أن يأتين بزينب أخرى فهذه العظيمة خُلقت من نسيج إلهي فريد ووحيد لا يشاركها فيه إلا أهل العصمة والطهارة من بيتها المقدس الذي أذن الله له أن يرفع ويذكر فيه اسمه.

الكثير من هؤلاء السائرين إلى تلك الجنة الربانية ضجوا إليها من فرط آلامهم وعظيم معاناتهم وكبير جراحاتهم فراحوا وسعوا بدموعهم قبل خطاهم يشكون إلى ذلك الشخص الرحيم الكريم، بل رحمة الله الواسعة وسفينة النجاة العالية ليبثوا له شكواهم من أهل زمانهم الرقمي الذي صار فيه أناس يعيشون كالملوك والأباطرة، وهم يعيشون معيشة الفقراء المدقعين والبسطاء المحتاجين في أمة تطفح بالخيرات والبركات وصنوف النِّعم ولكن تعطيها لأعدائها ويسرقها اللصوص منها جهاراً نهاراً.

الآلام عظيمة وموجعة وممضَّة في القلوب الزاحفة إلى كعبة الرزايا ومحج الفقراء والبسطاء، والمؤمنين الموقنين بهذا الإمام العظيم المنقذ لهم جميعاً والمداوي لجراحاتهم والذي يبلسم لهم الجراح النازفة، ويخفف عنهم بعض الأوجاع والآلام لأنه مهما كان الألم عظيماً والجرح كبيراً فإن آلام الحسين وزينب هي أعظم منها بكثير، لأنها لا تقاس بها آلام ولا جراح مطلقاً.

  • زيارة الأربعين وآمال الأمة

الألآم كبيرة والجراح عميقة ولكن تبقى الآمال أكبر بالمستقبل المشرق الواعد الذي نتطلع إليه من خلال هذه الزيارة المليونية المباركة وهذا التظاهرة الاستثنائية العالمية، وهذه المسيرة المظفرة والمؤتمر الإنساني الكبير الذي ندعوا له كل البشر ومن كل الطوائف والملل والنحل ولا نستثني أحداً إلا أولئك الأشقياء الذين مازالوا يعشقون السلطان والشيطان ويحاربون الحق والرحمن.

فالإمام الحسين، عليه السلام، هو إمام الناس وحجة الله عليهم قاطبة فهو لا يختص بالشيعة الكرام وإن حملوا هذا الشرف دون غيرهم فهو فخر لهم، ولكن الإمام الحسين عابر للمذاهب والأديان والطوائف وهذا ما نراه بأم العين، في هذا الزحف المليوني إلى حضرته وحاضرته كربلاء، وقضيته خرجت من إطارها الشيعي أو الإسلامي وصارت برسم الإنسانية جمعاء فصار مالئ الدنيا وشاغل الناس حقاً وصدقاً.

وهذا كله ليس من رحم الماضي السَّحيق بل هو بشائر المستقبل الآتي بكل الآمال الطوال حيث ولادة النظام العالمي الرباني والإلهي فقد ضج البشر من الظلم والجور والطغيان وقد ملأ الأشقياء الدنيا فساداً وإفساداً وحقاً صار قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. (الروم: 41).

⭐ الإمام الحسين، عليه السلام، هو إمام الناس وحجة الله عليهم قاطبة فهو لا يختص بالشيعة الكرام وإن حملوا هذا الشرف دون غيرهم فهو فخر لهم، ولكن الإمام الحسين عابر للمذاهب والأديان والطوائف وهذا ما نراه بأم العين

واضحاً لكل ذي عينين ولا يحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق فهؤلاء الأشقياء أفسدوا كل شيء في هذه الحياة، البحار والأنهار وحتى جو السماء والهواء بما بثوا به من غازات سامة وزرعوه بأنواع البث الفضائي الداعر، وحتى وصلوا إلى أن يمسخوا فطرة الإنسان ويخرجوه من جلده بما يشيعونه ويحاولون فرضه بالقوة على الشعوب والأمم كالشذوذ الجنسي، والعيش مع الحيوانات ومعاشرتهم أكثر من البشر، وهذا ليس له أي تفسير إلا الفساد الفطري للبشر في دولهم ويحاولون تصديره إلينا ليفسدوا شبابنا وهناك البعض قد ينخدع بترهاتهم وبريق ولمعان أضوائهم وما هي إلا فساد وإفساد في كل شيء.

  • في الأربعين مستقبلنا

وزيارة الأربعين بهذا الشكل العظيم وهذا الجمع الكريم يجب أن يقف حائط صد في تلك الوجوه القبيحة الكالحة ويمنع أصحابها من الاقتراب إلينا وإلى مجتمعاتنا ومنعها من الوصول إلى شبابنا وأجيالنا لأنهم أملنا في مستقبل واعد وبناء حضارة إنسانية راقية تقوم على أساس مبادئ السماء من العدل في الحكم والقسط في المجتمعات ولا فرق بينهم مهما كان بلدهم أو لونهم فالكل من آدم والكل من التراب وإلى التراب يعودون.

ويبقى الأمل الأكبر هو ظهور المخلص العظيم حفيد الإمام الحسين، عليه السلام، والذي ادَّخره الله للصلاح والإصلاح عندما يتم الفساد ويسعتصي الإصلاح فيكون لا بدَّ من العمل الجراحي لهذه الإنسانية المعذبة التي تئن تحت سياط الجلادين والطغاة في كل بقاعها، ولا بدَّ من ثورة حسينية جديدة تقوم لإعادة الأمور إلى نصابها والإنسان إلى فطرته التي فطره وخلقه الباري عليها وهذا لن ليكون بالأمر السهل بل ستكون بعملية في غاية الصعوبة والقسوة لأن اجتثاث أصول الظلم والطغيان بحاجة إلى زلزلة هود، أو صيحة صالح، أو حتى طوفان نوح، عليهم السلام، وذلك لأنهم لن يلدوا إلا فاجراً كفاراً.

وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}. (الإسراء: 16)، فالله سبحانه أمر الأغنياء والمترفين بالطاعة والبذل من أموالهم حقوق الضعفاء والفقراء من الزكاة والأخماس والصدقات، لأنه (فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ) كما يقول سيدنا ومولانا الأمير، عليه السلام، ولكن هؤلاء كنزوا الأموال وجعلوها أصفاراً في البنوك الربوية وراحوا يتبارون مَنْ لديه أكثر أصفاراً فكانوا يحسبون (الملياردير) قديماً، وأما الآن فصاروا يحسبون (الترليوندير).

فهؤلاء أمرهم الله بالطاعة فعصوه ولذا استحقوا نزول العذاب فهل وصلت البشرية إلى هذا المستوى من الفساد والمعصية؟ وهل استحقوا كلمة العذاب الربانية؟ أم أن الله سبحانه ادَّخر لهم مصلحاً في آخر الزمان يخرج على اسم الله ويبني لهم الحضارة الإنسانية الراقية بحيث يعيشون عيش الجنة في هذه الدنيا في ظل حكومته العادلة، حيث يريهم حسن السيرة والمسيرة ليقول للناس كل الناس هذه دولتنا في آخر الزمان، وهذا عدلنا في الأنام، وقسطنا الذي يطال كل البشر دون تمييز أو استثناء.

وكل ذلك ببركة وبشارة هذه الزيارة الأربعينية ونداءاتها الحسينية وقيمها الربانية وهذا هو الأمل الكبير الذي سيحقق كل آمال وتطلعات البشر بإذن الله تعالى، وأعظم آماله أن ينتفي الظلم والجور وينعتق من كل أسر ويعيش حريته كما أرادها الله خالقه بكل معنى الكلمة.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا