مناسبات

زِيَارةُ الأَربَعِين رُؤيَةٌ استَراتِيجيَّة

  • مقدمة استراتيجية

الإستراتيجيا: هي علم التخطيط، وهي مصطلح عسكري بالأساس وتعني الخطة العسكرية للحرب، أو هي فن التخطيط للعمليات العسكرية قبل نشوب الحروب، وفن إدارتها بعد نشوبها..

فالاستراتيجيا تعني الخطط المحددة مُسبقاً لتحقيق هدف معيَّن على المدى البعيد، وفق الإمكانيات المتاحة، أو التي يمكن الحصول عليها.. فهي خطط أو طُرق وأساليب توضع لتحقيق هدف معيَّن على المدى البعيد اعتماداً على التخطيطات، والإجراءات مستخدمة المصادر والإمكانيات المتوفرة في المدى القصير.

ومفهوم الاستراتيجيا عموماً: هي مجموعة الخطط المرسومة، والسياسات الموضوعة، والطُرق والأساليب والمناهج المتَّبعة من أجل تحقيق الأهداف المستقبلية المحدَّدة في أقل وقت ممكن، وبأقل جهد مبذول.

فتُعتبر الاستراتيجية خارطة طريق للمؤسسات؛ لأنها تُحدد لها رؤيتها المستقبلية، ومهمتها الحقيقية، وأهدافها البعيدة، وعلى ذلك فإنّها تهدف إلى زيادة ودعم نقاط القوة في المؤسسة أو المنظمة، وتقوية وتقليل نقاط الضعف فيها، أو معالجتها لتحويلها إلى قوة.

  • خصائص الاستراتيجيا

ويجب أنّ تتصف الاستراتيجيا بعدَّة خصائص، نجملها بالآتي:

1-القدرة على التعامل مع الأحداث غير المؤكدة والتي تُشكل بيئة العمل.

2-القدرة على التعامل مع التطورات طويلة الأجل، وهي بذلك تتعامل مع احتمالية الابتكار والإبداع، بالأعمال الجديدة، أو الأساليب الجديدة، أو متطلبات التطور واستشراف المستقبل.

3-القدرة على التعامل مع السلوك المحتمل، من الموظفين، أو الآخرين وحتى المنافسين (الأعداء).

4- القدرة الشمولية على تغطية مجموعة واسعة من الأنشطة التنظيمية.

5-القدرة على دمج أنشطة التوجيه والتحكم للمستقبل قريب المدى، والمستقبل بعيد المدى.

6-القدرة على وضع إطار للقرارات الإدارية والتي يجب أن تكون متوافقةً مع أهداف الاستراتيجية العليا للمنظمة، أو المؤسسة التي تخطط استراتيجياً وتريد أن تنجح في خطَّتها وتحقق هدفها البعيد المدى.

  • زيارة الأربعين نظرة استراتيجة

زيارة الأربعين هذه الظاهرة العجيبة في هذا الزمن، وهي في الحقيقة نعمة كبرى على هذه الأمة المرحومة بالخصوص، وعلى الإنسانية بشكل عام لما لها من وقع وأثر عالمي يزداد انتشاراً وتألقاً في كل عام، فهي تشكل ظاهرة عالمية صارخة بما يرافقها من مؤثِّرات على كل المستويات، كما أنها تعتبر أكبر تجمُّع سلمي وحضاري عالمي ليس له هدف إلا رضا الله، وزيارة المولى أبو عبد الله، فهي مؤتمرٌ عالمي يجتمع فيه كل مَنْ أراد أن يحضره ولا يحتاج إلا إلى دعوة من الإمام الحسين، عليه السلام.

والعجيب أن هذا المؤتمر منظَّماً بشكل تلقائي، وكل الكلمات والأنَّات والآهات والدَّمعات والحسرات تخرج بحرية مطلقة من هؤلاء المؤتمرين دون خوف أو وجل من أحد لأنه لا رقيب ولا حسيب عليهم إلا أنفسهم وهدفهم الذي جاؤوا من أجله، فالحرية الحقيقية والديمقراطية الواقعية هي المطبَّقة في هذا المؤتمر الكوني كما نعتقد وليس الأرضي فقط، لأن قوى الكون تأثَّرت بمقتل سيد الشهداء، عليه السلام،.

وهذا إذا نظرنا إليه بنظرة ساذجة سطحية نراه بعين البصر أنه تجمع تلقائي ليس من ورائه هدف إلا الوصول إلى كربلاء المقدسة والسعيد كل السعيد مَنْ يستطيع أن يدخل إلى الحرم المطهَّر، وذلك لصغر المكان ورحابة الضيافة لإذ لا يمكن لغير الإمام الحسين، عليه السلام، أن يستضيف أكثر من عشرين مليون في بيته فهذا يحتاج إلى دول وليس دولة لأن رئيس دولة من الكبار أعلن أننا لا نستطيع أن نغطِّي نفقات هذا المؤتمر الكوني، فهذه الرحابة والضيافة خاصة بالإمام الحسين، عليه السلام، فقط.

⭐ الأربعين الحسينية هي فرصة ذهبة علينا أن ننظر إليها بنظرة استراتيجية وهي كيف نجعل منها حصناً حصيناً لأجيالنا وشبابنا من طوفان الانحرافات الاخلاقية..

ولكن لا يجب أن نكون ساذجين كغيرنا بل المؤمن “كيِّسٌ فَطِنٌ”، وينظر إلى الأمور بعين القلب والبصيرة ولا يكتفي بالنظر إليها بعين البصر السطحية، وذلك ليكون كما أمره الله ورسوله وأميره أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، الذي وصفه ضرار بن ضمرة يوماً للطاغية معاوية فقال: “كَانَ وَاَللَّهِ بَعِيدَ اَلْمُدَى”، أي كانت نظرته استراتيجية وبعيدة في مستقبل الأمة وليس في لحظتها وأيامها التي تمر عليها، بل كان دائم التفكير بمستقبلها البعيد ولذا تجده في أحاديث الملاحم والفتن يتحدَّث عن حفيده الإمام المهدي، عجل الله فرجه، ودولته العادلة في آخر الزمان حيث يتحقق حلم الأنبياء والأوصياء والأولياء بقيام دولة الحق والعدل والإنصاف وينعدم الظلم والجور والاجحاف من حياة البشرية، ولهذا كان أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، نظرته عميقة جداً واستراتيجية ليس في الدنيا بل كانت تخترق الدنيا حتى تصل إلى الجنة ودرجاتها العالية، فهو يريدنا أن نكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

  • الأربعين فرصة الشيعة

وهنا الفكرة – أيها العشاق والمحبين لمولاكم الإمام الحسين، عليه السلام، وهي كيف نرتقي بالأربعين ونكون بمستواها لترفعنا معها في هذه الدنيا إلى أن تكون منارة هادية – كما كانت عبر العصور والدهور- لنا في ظلمات هذا العصر الأغبر الذي يراد لنا منه أن نكون مثل أولئك الأشقياء، أو تلك الممسوخات البشرية التي يريدون تسويقها في العالم وبالخصوص لنا نحن أمة التوحيد والعدل والشهادة.

الأربعين الحسينية هي فرصة ذهبة علينا أن ننظر إليها بنظرة استراتيجية وهي كيف نجعل منها حصناً حصيناً لأجيالنا وشبابنا من هذا الطوفان من الفسق والفجور، والسيل الهادر من الفساد والإفساد في كل الحياة، حيث اندكَّت كل الحصون الفكرية، وتزلزلت كل المتاريس العقائدية في الأمة الإسلامية بما فعله منذ قرنين ونصف أزلام ابن تيمية وصبيان ابن عبد الوهاب حيث دمَّروا كل الآثار الإسلامية في الواقع، وضربوا كل الحصون الفكرية للأمة وكفَّروها وراحوا يقتلونها بأيدي أبناءها فأعادوا قصة بني إسرائيل في هذه الأمة.

⭐ زيارة الأربعين هذه الظاهرة العجيبة في هذا الزمن، وهي في الحقيقة نعمة كبرى على هذه الأمة المرحومة بالخصوص، وعلى الإنسانية بشكل عام لما لها من وقع وأثر عالمي يزداد انتشاراً وتألقاً في كل عام

ولم يبق إلا أنتم يا عشاق الإمام الحسين، عليه السلام، ولذا كل هذه الحرب الكونية عليكم وليس على غيركم، فانتبهوا لأنفسكم وعظيم رسالتكم في هذه الأيام، وهذا العصر الذي تكالبت فيه قوى الشر العالمية لإسقاطكم ولكنكم أثبتم للعالم أنكم أصحاب مبدأ ورسالة وعقيدة عصية عليهم بالتفافكم حول قيادتكم الحكيمة ومرجعيتكم الرشيدة التي نبعت من ثقافة وفكر الغدير، ولكن تغذت ونبتت واستمرت بدماء الشهداء الذي انطلق من كربلاء ويوم عاشوراء المولى سيد الشهداء الإمام الحسين، عليه السلام.

  • عاشوراء متراس المؤمنين

والأربعين ليست مناسبة للبكاء واللطم والعويل والصياح – وكلها مطلوبة طبعاً – ولكن حقيقتها أنها مناسبة للتفكير، والتأمل والتدبر والبصيرة النافذة لأنها كانت بعد انتهاء موسم البكاء الذي استمر بالحزن المقدس على سيد الشهداء ولكن كان بداية مرحلة الجهاد الطويل ضد الانحراف والفساد الذي أشاعه الطغاة في الأمة والذي بدأته السيدة زينب والإمام زين العابدين في قصور وبلاطات الحكومة الأموية الظالمة الجائرة في الشام ولكن جاؤوا إلى كربلاء لإعلان الثورة الفكرية والمبدئية والعقائدية لتكون كربلاء قاعدة انطلاق لنا، وتكون عاشوراء متراس عز وفخر وشرف نتترس بها كلما عصفت بنا رياح الفتن الهوجاء كما نرى اليوم.

  • الأربعين كهف المسلمين

وهكذا يجب أن ننظر إلى مناسبة الأربعين بعين صحيحة وباصرة إلى عمق الزمن الآتي حيث دولة العدل المنتظرة التي ستكون هذه المسيرة المباركة المظفرة في الأربعين أعظم وأقوى مظاهرها ومؤتمراتها العالمية وذلك لأن صاحب الأمر وناموس الدهر الحجة بن الحسن المهدي، عليه السلام، ستكون عاشوراء منطلقه في نهضته لإصلاح العالم كله بإذن الله تعالى، ولذا سيكون خطابه الأول وهو مستند إلى الكعبة المشرفة ينادي خمس نداءات ثلاثة منها عن الإمام الحسين، عليه السلام، وهي: “ألا يا أهلَ العالم؛ إنّ جدّي الحسين قَتلوه عَطشاناً.. ألا يا أهل العالم؛ إن جدي الحسين طرحوه عرياناً ألا يا أهل العالم؛ إن جدي الحسين سحقوه عدوانا”، وبهذه النداءات العاشورائية التي نُطلقها نحن في كل موسم، بل في كل مجلس نعقده على اسم الإمام الحسين، عليه السلام، هي التي حفظتنا وأبقتنا ودفعت عنا كل هذه الفتن وهذه الحرب الكونية العدوانية.

والملاحظ – أيها الحسينيون- أن الأربعين خرجت من أسرنا الخاص وصارت قضية عالمية عابرة للأديان والطوائف والمذاهب فتعدَّت كل ذلك إلى ما هو أعلى وأرقى في دنيا الإنسانية فقد صارت صرخة كونية عالمية يلجأ إليها كل الأحرار في العالم لما يجدونه فيها من مبادئ إنسانية وتطلعات قيمية تحميهم من أمواج الفساد العالمي، فهي كهفهم الحصين وملجأهم الوحيد الذي لم يستطع كل شياطين الأرض اختراقه والتأثير عليه.

 أنتم في حرز الأربعين وحصن الإمام الحسين، عليه السلام، فاعرفوا ذلك جيداً وقدِّروا قدره لتسعدوا في حياتكم وتكونوا قبلة لغيركم من أحرار العالم فالعالم اليوم يئنُّ من وطأة هؤلاء الأشقياء الذين يسحقون كل القيم والمُثل والفضائل الإنسانية تحت أقدامهم والعالم لا يملك إلا أن يرضخ لهم لأنهم لا يرون ملجأ ولا منجى لهم ولكن الآن ينظرون إلى الحسين، عليه السلام، ويأتون إلى الأربعين ليعرفوا الحق وأن هناك ملجأ المستضعفين وملاذ الخائفين في رحاب الأربعين، وضيافة الإمام الحسين، عليه السلام.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا