أسوة حسنة

الإمام الجواد و السلطة الحاكمة

تفيدنا آية النور في كتاب الله –تعالى- أن أئمة أهل البيت، عليهم السلام، هم نور الله في الأرض، وفي نص الكثير من الروايات  الواردة بأن {نورٌ على نُور}، تعني إمام بعد إمام؛ ولذا قال ابن العرندس الحلي؛ شاعر أهل البيت المصقع في رائيته الرايعة:

هُم النور نور الله جلّ جلاله

هُم التين والزيتون والشفعُ والوترُ

مهابط وحي الله خُزّان علمهِ

ميامين في أبياتهم نزل الذكرُ

والإمام التاسع من أئمة الهدى؛ محمد بن علي الرضا، الملقب بالجواد، عليهما السلام؛ هو النور الذي انتظرته الأمة، والإمام علي الرضا، طويلاً حتى بزغ نوره، ولمع ضوءه في سماء الأمة الاسلامية.

  • الإمام الجواد، عليه السلام، معجزة من معاجز الإمامة

استلم الإمام محمد الجواد، عليه السلام، منصب الإمامة بسن صغيرة جدا؛ لايتجاوز الست سنوات؛ وكان قد فارقه أبوه الرضا، عليه السلام، وهو في الرابعة من عمره، فكيف استطاع ان يقوم بهذا الحمل الثقيل، ويسد مكان والده؛ الإمام الثامن، و الذي كان ولي عهد المأمون؛ الحاكم العباسي، ومالئ الدنيا بالعلم، وشاغل الناس بما يلقيه عليهم من مواعظ وحكم.

كان الإمام الجواد آية من آيات الله؛ فبركة الامام كوجوده؛ معجزة من معاجز الامامة، و آية من آيات الله في هذه الأمة، ولذا يخصه والده الرضا بالمزيد من التكريم والعظيم، وهو في المهد صغيراً، وكان يقول: عليه السلام: نعم؛ هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه.

⭐ تم الزواج بطلب من المأمون نفسه؛ أي إن المامون الحاكم هو الذي خطبه لابنته وليس العكس؛ وهنا مكمن الخطر  في هذا الزواج

فالامام الجواد كان امتحانا للشيعة الكرام؛ لإن منصب الإمامة؛ وشأن الولاية من أمر الله، واختياره، كما فصل ذلك الإمام الرضا لأصحابه.

 وفعلا كانت ولادة الإمام الجواد، عليه السلام، وحضوره، و نوره الزاهر، بركة على الأمة والإنسانية عامَّة؛ وعلى شيعته ومحبيه ومواليه خاصة.

وما أن ثبّت المأمون العباسي عرشه المضطرب بولاية العهد للامام على بن موسى الرضا، حتى دسّ اليه السُمّ فقتله ودفنه إلى جوار والده هارون في أرض غربته في طوس خراسان.

  • خروجه،عليه السلام، من المدينة المنورة

سرعان ماكتب الحاكم العباسي إلى الأمام الجواد يطلب حضوره إلى بغداد، ويدعوه إلى لقاءه معنوناً ذلك خديعة، بالرغبة في القرب وتجديد العهد.

ولكي يدلل الحاكم العباسي على رعايته للعلويين، واهتمامه بشؤونهم، استدعى الإمام محمد الجواد، عليه السلام، في سنة ٢٢٠للهجرة من المدينة المنورة ليقيم الى جانبه، ولكن توقعات الإمام الجواد كما تدل عليها تصرفاته قبل مغادرته المدينة، فقد كانت تشير إلى قوة الاحتمالات السيئة المترقبة في هذه الرحلة. لذا نصّ على إمامة ابنه علي الهادي، عليه السلام، من بعده أمام أصحابه وخاصته، وعرّفهم بأنه الإمام من بعده، وخلفه في الأمور المترتبة عليه، وسلم له المواريث.

  • زواجه بأبنة المأمون العباسي

ذكر الشيخ المفيد، أن المأمون كان مبهورا بأخلاق الإمام الجواد، وعلمه وأدبه، لهذا  أراد أن  يزوجه ابنته أم الفضل ليبقى العباسيون في دائرة الخطر التي كانوا يخافون منها حتى الرعب، وهو انتقال الخلافة والحكم إلى بني عمومتهم العلويين، وهم يعلمون أنهم أحق الناس بالناس كما يروي المأمون ذلك عن والده هارون شخصيا؛ إلا أن الملك عقيم ومن نازعه عليه أخذ الذي في عينيه.

تم الزواج بطلب من المأمون نفسه؛ أي إن المامون الحاكم هو الذي خطبه لابنته وليس العكس؛ وهنا مكمن الخطر  في هذا الزواج، لأن العادة ان الرجل هو الذي يخطب المرأة، وليس العكس؛ لاسيما وإنها ابنة الحاكم؛ فيجب ان يأتيهاالجميع زاحفين نحوها طلبا للقرب من الحاكم.

⭐ الإمام في الأمة الإسلامية هو الذي يُقتدى به، حيث ينظر اليه الناس في سيرته وسنته ليقتدوا به، وأما الحكام والطغاة فأنه لايُقتدي بهم إلا زبانيتهم  ومن هم على أشكالهم من الفاسدين

ومن المفارقات ان الإمام الجواد عيّن صِداقها (مهرها)، صِداق جدته فاطمة الزهراء، عليها السلام، وهو اربعمائة درهم، فقد كان الامام يريد أن تزوج بابنة الحاكم العباسي زواجاً رسالياً بكل ما في  الكلمة من معنى ومبنى.

ويبدو واضحا ان المأمون رأى ان المصلحة تقتضي ان يزوج الإمام محمد بن علي الجواد، عليه السلام، لابنته؛ أم الفضل، رغم معارضة الأسرة العباسية، لإنه أراد أن يذلهم ويرعبهم  ليأتوا اليه صاغرين، ومن يقرأ ظروف وأسباب الزواج يشعر بذلك كله.

  • الإمام الجواد قدوة حسنة

الإمام في الأمة الإسلامية هو الذي يُقتدى به، حيث ينظر اليه الناس في سيرته وسنته ليقتدوا به، وأما الحكام والطغاة فأنه لايُقتدي بهم إلا زبانيتهم  ومن هم على أشكالهم من الفاسدين، ممن يسمون؛ “الملأ” الذين يجتمعون حولهم ويلعقوا من صحونهم.

  • اخيراً أقول:

اثبتت الوقائع المتلاحقة ان إحساس اهل البيت، عليهم السلام، بخطر الحاكم و ارتياب الإمام محمد بن علي الجواد بهذه الدعوة المُغلفة بحب اللقاء، كان بمثابة القراءة الغيبية للأحداث المنتظرة، إذ فوجئ الناس في بغداد بإعلان استشهاد الإمام الجواد، عليه السلام، قبل مرور عام على استقراره فيها.

فالسلام عليك أيها الجواد، يابن الرضا المرتضى، سلام الله عليه، و رزقنا الله زيارته في الدنيا و شفاعته في الاخرة، انه سميع مجيب.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا