فکر و تنمیة

طفلي انطوائي.. كيف أساعده على الاندماج ؟

في مهنتي كمرشد تربوي نفسي في احد المدارس الثانوية، ألحظ الكثير من السلوكيات التي تبدو بمرور الايام واضحة على بعض طلبتنا في المدرسة، وحتى تلك التي لم التفت اليها، ينبهني اليها الزملاء، فأتصدى لعلاجها ما استطعت، ومن جملة هذه السلوكيات؛ حالة لطفل في الصف الاول متوسط، وقد بدا وكأنه يعيش في عالم خاص منفصل تماماً عن العالم الذي فيه سائر الطلبة، وبعد التحرّي وجمع المعلومات والمتابعة لحالته اكتشفت ان لديه نزوع الى الانطواء التي كنت أظن أنها لا تصيب صغار السن.

  • هل الانطواء مشكلة تربوية؟

ظاهرة ميل الاطفال للانطواء، واحدة من اكثر المشكلات التربوية التي تؤرق الآباء والمربين الى الحد الذي يجعل التعامل معهم غاية في الصعوبة، الامر الذي يستدعي الاحتكام الى المختصين وطلب المساعدة، وعدم الاختباء خلف الاعراف البالية التي تدفع الكثير من الأولياء العزوف عن المراجعة، مما جعل ثقافة مراجعة الطبيب النفسي غريبة في بلدنا للآسف الشديد.

⭐ من اسباب انطوائية الطفل؛ المعاملة القاسية التي توجه له، والقمع الذي يمارس عليه بمنعه من التعبير عن ذاته ومنعه من ممارسة حقوقه بكل انواعها، ومن ثمّ يصبح خانعاً ذو شخصية ضعيفة بعيدة عن التقرير والاقدام

الدراسات النفسية تشير الى  ان ما نسبته 25% من الاطفال معرضين للإصابة بالانطواء المرضي لكن الذي يقلل نسبة الاصابة الفعلية على الارض هو ربما الكشف المبكر للأمر، والتعامل معه بحرفية، والذي يبعده عن الاصابة، وهذا يعني ان البيئة الاجتماعية التي تحتضن الطفل لها كلمة الفصل في السقوط في فخ الاصابة او التخطي صوب الاندماج والاجتماعية كما لدى الاغلب من البشر.

  • في أيّ عمر يلاحظ الانطواء على الطفل؟

وفقاً للمختصين النفسيين فإن علامات الانطواء تبدأ بالظهور في السنتين الاولى من حياته تقريباً مما يُعطي فرص كبيرة لتعديله سلوكه والوصول به الى بر الامان، شريطة ان يتفهم الوالدين خطر الاصابة، وبالتالي تتكون لديهم رغبة واعية للتخلص من المشكلة والابتعاد عن المكابرة التي يتحمل الطفل نتائجها الوخيمة، كما في احد الحالات التي لازلنا نعمل على تغيير مسارها في احد المؤسسات التربوية.

⭐ على الابوين إبعاد مفهوم أنهم يحبون طفلهم فقط عندما يكون ناجحاً، أو يفعل الصواب، وأنه سوف يفقد هذا الحب إن أخفق أو فشل في شيء، لكون النجاح هنا سيكون مشروطاً

في هذا السياق تقول مؤلفة كتاب “العالم السري للانطوائيين”، الامريكية؛ جين جرانيمان: “ان هناك على الأغلب علامات محددة تؤكد أن طفلا بذاته يحمل سمات الشخصية الانطوائية، و أبرزها أن هؤلاء الصغار يعيشون أغلب الوقت في عالمهم الداخلي، وهو عالم حيّ مليء بالأفكار والمشاعر المعقدة، فالطفل الانطوائي يفضل اللعب بمفرده، و ربما يغلق على نفسه باب غرفته لساعات، فينهمك في ألعابه الخاصة؛ يكتب، ويرسم، ويستخدم ألعاب الكمبيوتر وغيرها من النشاطات التي لا تتطلب بالضرورة مشاركة الآخرين”.

  • الاسباب

نحن العاملين في مجال علم النفس والتربية نرجح ان يكون للانطواء سببين اثنين لا ثالث لهما وهما:

1-يرث الطفل الانطواء من والديه الانطوائيين وقليلي الاختلاط بالناس، ومن ثمّ يصبح نسخة كاربوينة منهم ومقلّد لسلوكياتهم في التعامل مع المحيط البشري، ونسبة الذين يكونوا انطوائيين بالوراثة قليلين بالمقارنة بغيرهم.

2- السبب الاخر لانطوائية الطفل؛ المعاملة القاسية التي توجه له، والقمع الذي يمارس عليه بمنعه من التعبير عن ذاته ومنعه من ممارسة حقوقه بكل انواعها، ومن ثمّ يصبح خانعاً ذو شخصية ضعيفة بعيدة عن التقرير والاقدام.

  • كيف نعيد الطفل الى الحاضنة الاجتماعية؟

من أجل إخراج الطفل من جو الانطوائية يفضل القيام بالخطوات التالية:

  1. في نطاق المدرسة، يُفضل إشراك الطفل في النشاطات الجماعية في المدرسة كالمهرجانات التي تقام في المناسبات الرسمية، وإشراكه في إلقاء قصيدة، او الطلب منه رفع العلم في وقفة الخميس، وهذا الإشراك من شأنه ان يجعله مبادراً واكثر ثقة من ذي قبل، ومن ثمّ يخرج من الانطوائية تدريجياً.
  2. على الابوين إخراج طفلهما الانطوائي من دائرة معيشته التي قد تكون غرفته في البيت، واصطحابه الى أماكن عامة مثل السوق، أو ملعب كرة قدم، او الذهاب الى زيارة صديق، والاغداق عليه بما يحب من أكل والعاب وغيرها من الاشياء التي يحبها وهذا الامر سيجعله يرافق والديه طمعاً في التعزيز المادي، وهو ما يمكنه ان يعدله سلوكه.
  3. من الاهمية بمكان اكتشاف الابوين اهتمامات طفلهما، وأن لا يحصران هدفهما في تشجيع الطفل على الخروج والتواصل الاجتماعي فقط، ومن المهم ايضاً عدم إجبار الطفل على المشاركة في نشاط لا يحبه، لأنه سيكون معانداً لهم ويفضل القيام بالعكس.
  4. ومن السلوكيات الناجحة لإخراج الطفل من حالة الانطوائية؛ الاتفاق مع زملائه لتقريبه اليهم وطلب المشاركة معهم في نشاطات معينة، ومن ثم مراقبة تفاعله و إظهار الرضا عن كونه عضواً في جماعة، لاسيما اذا كانت الجماعة قريبة منه نفسياً.
  5. على الابوين إبعاد مفهوم أنهم يحبون طفلهم فقط عندما يكون ناجحاً، أو يفعل الصواب، وأنه سوف يفقد هذا الحب إن أخفق أو فشل في شيء، لكون النجاح هنا سيكون مشروطاً، وتكون هذه الطريقة غير تربوية.

 تلك أبرز الامور التي ينبغي القيام بها لإنقاذ الطفل من انطوائيته المدمرة.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا