أسوة حسنة

فاطمة تحفة الإنسانية

الحقيقة المجهولة، والنِّعمة المجحودة، في هذه الأمة هي هذا الوجود المبارك للسيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، إذ أنها علَّة وجود العلل، وسبب إيجاد الأسباب في هذا الوجود الذي قام بمحمد وآله الطيبين الطاهرين، عليهم السلام، فهم علَّة الوجود، وسبب الإيجاد، لأنهم المخلوقات الأكمل في هذا الخلق، وفاطمة الزهراء، عليها السلام، هي الواصلة ما بين هذه الأنوار كلها، وهي البرزخ ما بين الرسالة المحمدية، ووالولاية العلوية، والأسرار الدولة المهدوية، إذ قال الله ـ تعالى ـ في الحديث القدسي لرسوله الكريم، صلى الله عليه وآله: “يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما”(1)، والوارد في الحديث القدسي العظيم المروي عن سيدة النساء، عليها السلام، والمعروف بحديث الكساء اليماني حيث حيث يقول الرب سبحانه: “يا مَلائِكَتِي وَيا سُكَّانَ سَماواتِي، إنِّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنِيَّةً، وَلا أرضاً مَدحِيَّةً، وَلا قَمَراً مُنِيراً، وَلا شَمساً مُضِيئَةً، وَلا فَلَكاً يَدُورُ، وَلا بَحراً يَجرِي، وَلا فُلكاً يَسرِي، إلاّ فِي مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ الَّذِينَ هُم تَحتَ الكِساء”ِ. فَقالَ الأمِينُ جبرائِيلَ: يا رَبِّ وَمَن تَحتَ الكِساءِ، فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ:هُم أهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ، وَمَعدِنُ الرِّسالَةِ، هُم فاطِمَةُ، وَأبُوها، وَبَعلُها، وَبَنُوها”(2).

⭐ طبيعة وتكوين المرأة؛ هي أنها كتلة من المشاعر المرهفة، والأحاسيس اللطيفة، من أجل أن تكون ربَّة بيت، وريحانته، ولا تكون حارسة سجن وقهرمانته

ولكن المصيبة العظمى في هذه الأمة أنها تنظر إلى فاطمة الزهراء، عليها السلام، على أنها امرأة كبقية النساء، وهي قطعاً ليست كذلك، إذ أن النساء ناقصات، ولم يكمل منهنَّ إلا فاطمة، وإلا كيف يمكن أن نفهم أن الله ـ سبحانه ـ “يغضب لغضبها، ويرضا لرضاها”(3) والنساء متقلبات المزاج، ومتغيرات الرأي، ولا يثبتن على أمر لأنهن تتحكم بهنَّ العواطف.

فطبيعة وتكوين المرأة؛ هي أنها كتلة من المشاعر المرهفة، والأحاسيس اللطيفة، من أجل أن تكون ربَّة بيت، وريحانته، ولا تكون حارسة سجن وقهرمانته(4)، فالله ـ تعالى ـ جمع في المرأة أسباب الجمال والدلال والحب من أجل أن تكون محبوبة ومرغوبة، لا أن تكون فظة أو غليظة لينفر الناس منها وبالتالي تكون مبغوضة ومكروهة.

ولكن ما أظهره رجال قريش وحكامها الأوائل من معاملة جاهلية لسيدة النساء، عليها السلام، لأنهم ينظرون إليها بنفس المنظار والنظرة التي كانوا يرون فيها أزواجهم، وبناتهم، فمَنْ كان في بيته مثل أم رومان التي ما أسلمت إلا قهراً، أو أنه كذاك الفظ الغليظ الذي دفن ابنته حيَّة وهي تنفض الغبار عن لحيته، وهو يحفر لها حفرتها، ولم يرحمها كما يروي هو نفسه،(5)، فهؤلاء أنى لهم أن يفقهوا، أو يفهموا، أو يؤمنوا بفاطمة النورانية، ومكانتها الجنانية، ومتى تفهم الحميراء أن فاطمة “حوراء إنسية”، يشمُّ منها رسول الله، صلى الله عليه وآله، رائحة الجنَّة، ولكن غيرتها كانت تأكلها، رغم أنها تروي وتقول: “كنّا نخيط، ونغزل، وننظم الأبرة باللّيل في ضوء وجه فاطمة، عليها السلام.

⭐ المرأة جعل الله فيها ما يجعلها فتنة، ومطية للشيطان الرجيم، ولكن أعطاها العقل لتتغلَّب به على جوانب الضَّعف في نفسها، وتحوِّلها إلى نقاط قوة في ذاتها

وقالت:”وكانت لا تحيض قط لأنها خُلقت من تفاحة الجنة، ولقد وضعت الحسن والحسين بعد العصر، وطهرت من نفاسها فاغتسلت وصلت المغرب ولذلك سميت الزهراء”(6)، فهل هذه الصفات من صفات النساء؟

وهل هناك امرأة لا تحتاج إلى العطر، والزينة، والطهارة، والنظافة؟

وهل من امرأة لا تحيض، ولا ترى الحمرة والدِّماء، لا في الشَّهرية، ولا النفاس بل تضع وليدها بعد الظهر من شهر رمضان فتغتسل وتكمل صومها، كما جرى في ولادة الإمام الحسن المجتبى، عليها السلام، في النصف من شهر رمضان المبارك، فهل يمكن ذلك في النساء؟

فالحقيقة أن فاطمة الزهراء، عليها السلام، ليست إنسانة بل إنسانة مثال، ومعيار، وميزان للنساء في هذه الدنيا، وهي ملكة النساء، وسيدة نساء العالمين في الدارين، وبها تقاس النساء ولا تقاس هي بهنَّ، فهي القدوة الطاهرة، والأسوة المعصومة، والمثال الكامل للمرأة، فهي تحفة ربانية، وأيقونة رحمانية، وهبها الله وأهداها لبنات جنسها الجميلات الضعيفات الذين خُلقن برسالة التربية والإيمان والهداية، لا بغاية الغواية والزينة والفتنة لبني آدم. نعم؛ المرأة جعل الله فيها ما يجعلها فتنة، ومطية للشيطان الرجيم، ولكن أعطاها العقل لتتغلَّب به على جوانب الضَّعف في نفسها، وتحوِّلها إلى نقاط قوة في ذاتها، وذلك إذا اهتدت بالعقل رسول الله فيها من الداخل، والرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، العقل الذي يهديها من الخارج، وأن تجعل هذه السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ، عليها السلام، نصب عينيها فتقتدي بها لتهتدي في حياتها وتكون نبراس نور وعفَّة وفضيلة كالسيدة زينب، عليها السلام،، أو السيدة فاطمة المعصومة ، عليها السلام،، أو السيدة أم البنين، أ لسن كلهن نساء ناقصات كبقية النساء؟


المصادر:

  1. ملتقى البحرين؛ العلامة المرندي: ص14، ومستدرك سفينة البحار: ج3 ص334، وعوالم العلوم: ص26 و(مجمع النورين)، ومن فقه الزهراء (عليها السلام) السيد محمد الشيرازي: ج1 ص19.
  2. عوالم العلوم؛ للشيخ عبد الله البحراني بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وملحقاً مفاتيح الجنان؛ الشيخ عباس القمي.
  3. بحار الأنوار؛ العلامة المجلسي: ج ٤٣ ص ٢٢ قال (ص): (يا فاطمة إن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك). وهو الحديث الذي احتجت به على السلطة القرشية فاعترفا به.
  4. مكارم الأخلاق؛ الطبرسي: ص ٢١٨ قال أمير المؤمنين (ع): “فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة”.
  5. عبقرية عمر للعقاد: ص٢١٤. كان عمر شديداً على النساء فقد قالوا: “إنه كان جالساً مع بعض الصحابة إذ ضحك قليلا ثم بكى. فسأله مَنْ حضر، فقال: كنا في الجاهلية، نصنع صنماً من العجوة فنعبده، ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي: أما بكائي فلأنه كانت لي ابنة، فأردت وأدها، فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية”.
  6. شرح إحقاق الحق؛ السيد المرعشي: ج ١٠ ص ٢٤٤  والسيدةُ فاطمةُ الزهراء عن لسان عائشة، للعلامة الشيخ جعفر الهادي، عن أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بالقرماني في كتابه (أخبار الدول وآثار الملل) (ص 87 ط بغداد)

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا