ثقافة رسالية

ضرورة المعرفة الدينية (1) كيف تصنع إهتماماتك؟

في هذه السلسلة سيكون البحث حول “ضرورة المعرفة الدينية”، والسؤال المطروح في بداية البحث: هل أن حقيقة الدين تستحق منا البشر إهتماما أم لا؟ وهل المطلوب من الإنسان أن يبذل جهدا عمليا لكي تكون سلوكياته موافقة مع الدين؟

هل المطلوب  من الإنسان أن يبذل جهدا علميا لتحري أنباء الدين وابعاده والتأكد من صحتها؟

وإذا كان هذا الموضوع محلّ اهتمام للإنسان؟ فلماذا يشكّل ذلك الاهتمام؟ واذا كان يشكل اهتماما فإلى أي مدى مطلوب من الإنسان أن يبذل جهدا ـ عمليا ومعرفيا ـ تجاه الدين؟

  خريطة البحث:

السؤال التالي هو الذي يشكل خريطة بحثنا في هذه السلسلة: هل الدين يستحق الإهتمام عمليا ومعرفيا أم لا؟

للإجابة على هذا السؤال ـ كما العادة ـ في كثير من الاسئلة الكبرى في حياة الانسان، نحن بحاجة الى ان نرجع خطوة الى الوراء، وهي أن نسـأل: لماذا يهتم الانسان بالأشياء سواء على المستوى العملي أم النظري؟

وهذا يسوقنا الى بحث اسمه “قاعدة الإهتمام”، وهذا البحث ايضا يجرنا الى خطوة الى الوراء، والى طرح السؤال التالي: على ماذا تستند قاعدة الاهتمام البشري؟ فهل هناك أسس وقواعد تستند عليها قاعدة الاهتمام؟

⭐ في قاعدة الحكمة؛ ذلك ان على الانسان العاقل ان يتبع الحِكمة في الحياة. وفي هذه القاعدة يتحرى الإنسان النفع والضرر

هذه الاسئلة التي تشعبت الى ثلاثة مباحث، نأخذ نفس الاسئلة ونطبقها على الدين، ذلك أن الإنسان الذي يتعاطى مع حقيقة الدين ليس على نحو سوى في مستوى يقينه، فيكون في عدة حالات:

الأولى: فقد يكون الإنسان متيقنا في الدين، كحقيقة كبرى في أبعاده المختلفة، وبناءً على قاعدة الإهتمام، الى أي مستوى على هذا النوع( المتيقن) الاهتمام بالدين عمليا ونظريا؟

الحالة الثانية: وهي أن الإنسان قد يكون محتملا لصحة الدين ـ فهو لا يمتلك اليقين ـ مترجحا لتلك الصحة، فكيف عليه ان يكون على مستوى الاهتمام النظري والعلمي؟

الحالة الثالثة: قد يكون الإنسان شاكاً في الدين؛ أي عنده احتمال غير مبنٍ على أسس علمية، وهذا الاحتمال بدرجة التخمين، او لنقل في درجة واحد بالمئة، والى الآن لم يتأكد منه، فماذا عليه أن يفعل مع الاهتمام العملي والمعرفي بالدين؟

تحرير محل البحث:

في الحديث عن قاعدة الاهتمام، نطرح السؤال التالي: لماذا يهتم الانسان ببعض الاشياء دون غيرها؟

هنالك من الناس من لديه الاهتمام بالمجالات الرياضية، وهناك من يهتم في مجالات الدراسة، وهناك من يهتم في جانب التجارة وما شابه، قد تستغرب إذا سمعتَ أن بعض الاشخاص لديه متابعة دقيقة، واهتمام مبالغ في موضوع القهوة وأنواعها وما يتعلق بها، من قبيل زراعتها، وإعدادها وكل شيء متصل بها.

هناك من يهتم بالجانب الخيري في الحياة؛ يسعى لمساعدة الناس، ويعرف حاجاتهم، ويوظف أغلب جهده وثروته في ابتكار طرق لتخفيف معاناة الناس على وجه الارض.

هناك اهتمامات غربية عند البعض؛ كأن تجد أن احدهم يهتم بأنواع الطوابع في العالم، فيتهم بتجميعها، وتواريخها وصنوفها، وبالعودة الى حياة الناس تجد عشرات الاهتمامات المختلفة.

السؤال الذي صدرنا به هذا العنوان: لماذا يهتم الانسان ببعض الاشياء دون غيرها؟

هذا السؤال تارة يتُناول من جانب وصفي، وتارة من جانب معياري، والفرق بينهما، ففي الاول: لماذا يهتم الانسان بشيء ولا يهتم بغيره؟ في هذا المجال ـ الوصفي ـ نحاول نحلّل دوافع الانسان، فهو مكوّن من روح وجسد، وله تركيب هرموني وبيلوجي مميز، وتركيب ثقافي مختلف، فلماذا يهتم بجانب ويترك غيره؟ وما الفرق بين اهتماماته وبين اهتمامات بقية الكائنات الحيّة؟ وكيف تنشأ الاهتمامات عند الإنسان، هذا البحث كله وصفي، أي هي وظيفة علماء النفس، وعلماء الاعصاب، وعلماء الاجتماعي..، هم وغيرهم يستطيعون تحليل اهتمامات الإنسان وارتباطه بالأشياء، وهذا البحث لسنا معنيين به.

⭐ قاعدة الفضيلة، وفيها على الإنسان ان ينقاد الى الفضيلة في الحياة، ذلك ليس على معياري الضرر والنفع

نحن نهتم بالجانب المعياري، فهذا الجانب لا يسأل فقط: لماذا يهتم الانسان بشيء، وإنما يسأل: ماذا يجب على الإنسان ان يهتم به وماذا عليه أن لا يهتم به، وهي محاولة لوضع القواعد والتوجيهات؛ أي أن نسأل: ماذا يجب عليَّ كإنسان أن اهتم به علميا ونظريا؟

قد يصل الموضوع الى درجة الوجوب الاخلاقي، او الوجوب الحِكَمي، او قد يكون بدرجة أقل فيكون مستحب له الاهتمام، وقد يكون بنحو محايد ولا يترتب عليه شيء، وقد يكون بنحو المنع ـ بناء على القواعد ـ فلا ينبغي للإنسان ان يهتم بأمر من الأمور، وينبغي الاهتمام بأمور أخرى.

معايير البحث

على ماذا نستند في توجيه الانسان العملي او النظري؟  او ما هي القواعد التي نتكئ عليها،  والتي بموجبها على الفرد أن يهتم بشيء دون غيره؟

هناك قاعدتان:

القاعدة الاولى: قاعدة الحكمة؛ ذلك ان على الانسان العاقل ان يتبع الحِكمة في الحياة. وفي هذه القاعدة يتحرى الإنسان النفع والضرر؛ أي ما الذي ينفعه، وما الذي يضره، هذه القاعدة تنشد السعادة والتي تعني: أن على الانسان ان يتجنب أسباب الألم، وان يسعى لاسباب الرحة والنفع

القاعدة الثانية: قاعدة الفضيلة، وفيها على الإنسان ان ينقاد الى الفضيلة في الحياة، ذلك ليس على معياري الضرر والنفع، وإنما معيار الفضيلة ينطلق من كون الانسان في إنسانيته إنما يختلف عن بقية الكائنات أنه كائن أخلاقي، وبالتالي ما يدعوه للإهتمام بشيء وتركه لشيء آخر هي المعايير الأخلاقية؛ اي ماذا توجب عليه الأخلاق الاهتمام به، وماذا توجب عليه الأخلاق أن يبتعد عنه. نحن نتكئ في الإجابة على سؤال: ما هي قواعد الاهتمام العملي والنظري، نتكئ على قاعدتي الحكمة والفضيلة، وهو ما سنتعرض له بالتفصيل في المقالات القادمة.

عن المؤلف

الشيخ حسن البلوشي

اترك تعليقا