بصائر

كلما اقتربت الأمة من المؤسسات الثقافة اقتربت من الحرية*

كيف استطاعت الامة الاسلامية ان تحافظ على استقامتها؟

وكيف قوامت عوامل الانحراف؟

وكيف تحدث الاعاصير الشرقية والغربية؟ كالاعصار التتري، والحروب الصليبية؟

أليس في الأمة الاسلامية طغاة وجبابرة؟

ألم تكن محاولات لتطويع الناس عبر المجازر التي نعرف منها ملحمة كربلاء، وشبيهتها ملحمة فخ في مكة المكرمة؟

الاسلام كدين وثقافة وحضارة استطاع ان يتحدى الطغاة بكلمة واحدة أنه جعل الانسان يتحسس كرامته وحريته، وحمله مسؤولية الدفاع عن الحرية والكرامة أنّى كان الثمن، وفي كتاب “التاريخ الاسلامي دروس وعبر” للمرجع المدرسي ففيه نبذة بسيطة عن الصراعات الضخمة التي كانت في الامة الاسلامية والحراك السياسي، والاجتماعي، والثقافي مع الطغاة.

⭐ من الضروري توعية الأمة بالدفاع عن الحرية، لان من يمتلك ذهبا سيحافظ عليه ويضحي من أجلها

ذلك الرجل من بني أمية والذي يقول: دفنا دفنا، أو ذلك الرجل منهم يقول: والذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار، وابنه يقول: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل، هؤلاء قتلوا ابن بنت رسول الله، صلى الله عليه وآله، في وضح النهار، ومثلوا بجثته وجثث اصحابه، أمثال بني أمية لو لم يقف من وقف في وجههم أين كان سيصل بهم الأمر؟

يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليهم السلام، قاد ثلاثة حروب ضد بني أمية، وحين قُتل كان عمره ثمانية عشر عاما، وبعد شهادته ما من مولود في خرسان يولد إلا سمي زيداً او يحيى، فمن أين كانت لهم تلك الروح الإسلامية العالية؟

فكيف استطاعت التربية الاسلامية تعليم الأمة على التحدي؟

تحقيق أهداف الأمة العليا من قبيل الحرية، المسؤولية، روح النهضة، يعتمد على عدة أمور منها:

حيوية الأمة الاسلامية: تُستمد الأمة الإسلامية حيويتها من القرآن الكريم، فآيات الذكر الحكيم تنهى المسلمين عن الخوض الجدلي في البيزنطيات الفاشلة.

المسلمون حينما فتحوا القسطنطينية التي تسمى اليوم اسطنبول، وفي هذه المدينة يوجد مسجد آيا صوفيا، حينما دخلوا وجدوا في هذا المسجد مجموعة من الأحبار منقسمين الى فريقين، الناسوت واللاهوت، وكانوا يتناقشون في مسائل جدلية لا طائل منها، وبينما المسلمون يفتحون القسطنطينية كان الأحبار مشغولون في تلك النقاشات الجدلية!

يقول الله ـ تعالى ـ: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً}، ويقول ـ تعالى ـ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}، فالقرآن يأمر بالعمل، والكفاح، لا أن ندخل في الجدليات.

  • ركائز الحرية والاستقلال

1– تثقيف الأمة بقيمة الإستقلال والحرية: نجد أن الكثير من ابناء المجتمع يتحدثون في اجتماعاتهم ومناسباتهم في احاديث جانبية وبسطية جدا، بينما أمور مهمة كإلاستقلال والحرية نجدها غائبة تماما.

 من الضروري توعية الأمة بالدفاع عن الحرية، لان من يمتلك ذهبا سيحافظ عليه ويضحي من أجلها، لان هناك مواجهة صعبة بين فكرة الدفاع عن الحرية، وبين تضليل الطغاة، فالطغاة على مر التاريخ لطالما غدروا وخانوا، فذلك مسلم بن عقيل بعد أن حفروا له، وغدروا بالعباس فقتلوه من خلف نخلة.

الطغاة يحاولون ان يخدعون الناس عبر بعض المتملقين، كشريح القاضي الذي  افتى بقتل الإمام الحسين، عليه السلام، كذلك اليوم هناك شلال اصفر من الإعلام الزائف متوجه ضد المسلمين في كل مكان.

⭐ من اعظم الركائز في حرية أي أمة ومنها الأمة الإسلامية، هي الالتفاف حول الولاية الإلهية

توعية الأمة بأهمية استقلالها وحريتها يجب ان يكون مؤصلا بالآيات القرآنية، والشواهد التاريخية، والفهم الصحيح للإسلام.

 2- الامن والحرية والاستقلال أولاً: الامن والحرية والاستقلال أولا، ثم التقدم والرفاه ثانيا، فهناك من البلدان من انخدعت فأخذت الرفاه أولا، ففي تونس جاءت حكومة منتخَبة بعد انتفاضة شعبية، لكن جاء ابو تريكه مطالبا الرفاه للشعب التونسي، والآن الاقتصاد التونسي شبه منهار!

3- العمل على زيادة الجمعيات الدينية والسياسية والمؤسسات المهنية: مثل الهيأت الحسينية وجميعات الخدمات وما اشبه وفي طليعتها الحوزات العلمية. كلما زادت المؤسسات من هذا القبيل كانت الامة اقرب الى الحفاظ على حريتها.

القرآن الكريم مليئ بالأمثلة النابضة بالحيوية التي تبين ان الذين تركوا حيرتهم واستقلالهم، كيف ان مصيرهم الى الأسوأ في الآخرة، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}.

4- التفاف الناس حول العلماء: من اعظم الركائز في حرية أي أمة ومنها الأمة الإسلامية، هي الالتفاف حول الولاية الإلهية، فكلما كانت الامة متمسكة بقيادة إليهة  كلما ابتعدت عن الضلالة، فأتباع أهل البيت، عليهم السلام، أين ما دخلوا في صراعات سياسية أو عسكرية، يكونوا هم المنتصرون، لان صبرهم ومقاومتهم أكثر، لان هناك من يعيطهم الفكر، والعزيمة، فمثلا جنوب لبنان انتفض فيما مضى على الاستعمار الفرنسي بقيادة السيد عبد الحسين شرف الدين، صاحب كتاب المراجعات، فهذا السيد كان من المجاهدين والمهاجرين، فكتابه المذكور ألفه في مصر في مقابلاته مع شيخ الازهر في حينه.

كذلك علماء سوريا هم من قاوموا الاحتلال الفرنسي، وكذا في العراق وايران كانت هناك مقاومة للاستعمار البريطاني، فالالتفاف حول القيادات الدينية رمز الانتصار.

كانت الشرارة الاولى للانتفاضة اللبنانية ضد اسرائيل في يوم عاشوراء، وفي الهند هناك منطقة اسمها بنغالور الذي كان يحكمها الشيعي السلطان تيبو، وهو الذي قاوم البريطانيين، وكانت أولى المقاومة يوم عاشوراء، فحرر مدينة بنغالور وميسوري وما جاورها. العلماء هم الذين يقومون بتلك الادوار العظيمة، لان روحهم روح القرآن الكريم، ولأن الناس حينما وجدوا إخلاص العلماء اتبعوهم وأخذوا حريتهم من الطغاة والمستعمرين، والأماكن التي يتواجد فيها العلماء مراكز مستعصية على الاستعمار.


  • مقتبس من محاضرة سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرّسي

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا