مكارم الأخلاق

مواصفات الشيعي الحقيقي (2) الشيعي بين الهوية الوراثية والتطبيق العملي

يقول الإمام الصادق، عليه السلام: إنما شيعة جعفر.. واشتد جهاده وعمل لخالقه…”.

التشيع ليس انتماء وراثي، وليس هوية تكتب على الورق، أو تتداول على الألسن، التشيع منهج فكري وسلوك عملي، يدخل الانسانُ فيه بالتزامه بذلك المنهج والسلوك، ولو كان كل آبائه في منحى آخر، وكذلك يخرج منه لو كان ابن الإمام المعصوم.

📌 النفس تلهث وراء الشهوات، لكن العقل يتطلع الى الصالحات، وهكذا يحتاج الانسان الى مجاهدة نفسه دائما وأبدا لترجيح كفة العقل وجنوده على كفة الجهل وجنوده

في هذه الرواية يبين الإمام مجموعة من الخصال والصفات، والتطلعات التي تعرّف حقيقة الشيعي، فقد يدعي أحدهم أنه شيعي لأنه ولد من أبوين شيعييَن، لكن هذا الإدعاء إن لم يُستدل عليه بسلوك عملي عبر الخصال التي ذكرها الإمام الصادق، عليه السلام، فلن يكون ادعاءً مقبولا، وفي المقالة الأولى تم التطرق الى الصفة الأولى.

  • الصفة الثانية: شدة الجهاد.

يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “واشتد جهاده”، وهو جهاد النفس، فالنفس هي التي تقود الإنسان، ولذا لابد عليه من جهادها، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: إنما هي نفس أروضها بالتقوى”، فأمير المؤمنين يزجر النفس ويسلّم زمامها للعقل، وهو، عليه السلام، الذي طلّق الدنيا ثلاثا لا رجعة فيها أبدا.

النفس تلهث وراء الشهوات، لكن العقل يتطلع الى الصالحات، وهكذا يحتاج الانسان الى مجاهدة نفسه دائما وأبدا لترجيح كفة العقل وجنوده على كفة الجهل وجنوده، يقول الإمام الباقر، عليه السلام: “لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ولا اكملك إلا فيمن أحب أما إني إياك آمر وإياك أنهى وإياك أثيب”، وخلق في مقابل العقل الجهل حتى يتحقق جزاء الثواب والعقاب، وخلق الله ـ تعالى ـ للعقل جنودا؛ المعرفة، والعفة والعلم..، وكذا خلق للجهل جنودا؛ العجلة، والطيرة..، وكلاهما مذكوران في حديث جنود العقل والجهل.

يقول ـ تعالى ـ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، تزكية النفس تكون بجهادها، في نفس الإنسان دعوة وضغط باتجاه الضلال، كما أن بداخلها أيضا روح تدعو الى الصلاح.

النفس تخلد الى الراحة، والنوم، والكسل، وتبحث عن الغِيبة والنميمة، وما شابه من الرذائل، وتشغل الانسان بما لا يصلحها، وهذا بخلاف العقل والروح، واللذان يدعوان الى الخِفة، والنشاط، والإرادة والتطلع وجميع الصفات الخيّرة والعملية التي من شأنها أن ترفع من قيمة الإنسان.

النفس تتمنى أن تكون أفضل الناس لكن بدون سعي وعمل، أما العقل فهو يدعو الإنسان الى العمل والى أن يكون خير الناس؛ بعطائه، وسعيه، وصلاحه، وايمانه، وبقية الصفات الخيّرة.

يقول الإمام الكاظم، عليه السلام: ” ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئا شرا استغفر الله وتاب إليه”، الإنسان المؤمن لا يدع نفسه وشأنها، بل يحاسبها كل يوم:

ماذا فعلتي في هذا اليوم؟

من الذي أجاز هذا الفعل الذي قمتي به؟

وهل كان الفعل صحيحا؟

في أي شيء تم صرف الوقت؟

هل استُثمر في بناء الشخصية وبناء الآخرة أم ذهب هباء منثورا؟

ولو التفتنا الى الرواية “واشتد جهاده”، مما يعني أنه لابد من بذل كل الطاقة، والقوة في جهاد النفس، {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، لابد ان نتشبث بالقيم بكل قوّة وشدّة، {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}، هكذا أمر الله موسى، وكذا على الأمة الاسلامية أن تكون قوية في أخذ قيمها ومبادئها.

الإنسان لابد أن يكون قويّاً تجاه نفسه، لأن الضعف سيعيده الى الفراغ، لذا نجد البعض يستهلك الوقت في أحاديث لاطائل منها طوال الليل، لكن المؤمن بخلاف ذلك، فعقله يدعو في الليل الى الصلاة والعبادة، وفي النهار يسعى ويتحرك.

  • الصفة الثالثة: وعمل لخالقه

على الإنسان المؤمن أن يسأل نفسه قبل أن يقدم على اي عمل:

لماذا اقوم بهذا العمل؟

لماذا اجلس في هذا المجلس؟

يجب تحديد الهدف، لأن الإنسان تارة يعمل لذاته؛ من أجل الرياء والسمعة، ومن أجل السيطرة والفساد، وتارة أخرى يعمل من أجل رضا الله ـ سبحانه وتعالى ـ، فاذا كانت أعمال الإنسان من هذا القبيل فإنها تكون صحيحة.

📌 يجب تحديد الهدف، لأن الإنسان تارة يعمل لذاته؛ من أجل الرياء والسمعة، ومن أجل السيطرة والفساد، وتارة أخرى يعمل من أجل رضا الله ـ سبحانه وتعالى ـ

البعض يكون همّه رضا جماعته او حزبه، حتى لو كانوا على باطل وهذا الأمر منافٍ تماما لما يريد الله ـ تعالى ـ، وحتى في أمور أخرى؛ فقد يذهب البعض الى المسجد لأن اصدقاءه يذهبون! وإذا عملوا خيرا يعمل معهم، واذا تركوا يترك!

العمل يجب ان يكون لله أولا وأخيرا، فلا يهم رضا الناس او سخطهم، يقول امير المؤمنين، عليه السلام: “ما ترك لي الحق من صديق”، وفي كلام له عليه السلام، لأبي ذر: إذا غضبت فاغضب لله”.

في حديث قدسي: “خلقت الاشياءلأجلك وخلقتك لأجلي”، هذا لا يعني ان الله يحتاج الانسان، إنما يكون تصرّفه ببقية الاشياء في إطار إرادة الله  ـ تعالى ـ، وكما ان هذا الكون مسخر لنا، يجب ان نسخر قوانا لله ـ تعالى ـ، نقرأ في الدعاء: “اللهم ارزقني صحة في عبادة”. قوى الإنسان؛ من عقل، وجاه، وإرادة..، يجب أن تسخر لله، لانها مخلوقة من أجله ـ تعالى ـ.

إن التشيع ليس انتماء وراثي، وليس هوية تكتب على الورق، أو تتداول على الألسن، التشيع منهج فكري وسلوك عملي، وعلى المؤمن الشيعي السعي الى تحصيل هذه الصفات التي هي معايير ومقاييس للشخص الشيعي.

عن المؤلف

آية الله الشهيد المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

اترك تعليقا