رأي

رسالتان الى السادة التربويين

لا تبرح وسائل الاعلام في العراق و”أخواتها” من وسائل التواصل الاجتماعي عن الخوض في حديث الانسداد السياسي، وفشل الكيانات السياسية في تشكيل الحكومة رغم مرور حوالي سنة على الانتخابات البرلمانية، وانطلقت سهام الاتهام في سبب سقوط العراق في هذه المحنة بين وضع العصى في عجلة التيار الصدري لتشكيل الحكومة كونه الحاصل على أكثر عدد من المقاعد في الانتخابات الاخيرة، والتنافس المحموم على السلطة، وبين التدخلات الاقليمية وتأثيراتها، وكذا التدخلات الدولية، لكن يبدو أن كل هذا السهام لم تصب أحداً، فجميع هؤلاء المتهمون في مكانهم آمنون منعّمون، بعيدون عن أي نوع من التوتر والاضطراب، كأن شيئاً لا يحصل في هذا البلد من تعطل للمشاريع والقوانين، فرى البعض من أصحاب النوايا الحسنة، أنهم أغفلوا جهة يجدونها مؤثرة في هذا الانسداد السياسي ألا وهم “تلاميذ المدارس”!

📌 جميعنا يريد الإصلاح وإنهاء المعاناة والازمات، ولو بنسبة معينة، إنما المهم في الأمر الأدوات للوصول، وقبل الأدوات؛ العقل الذي يرشدنا الى الطريق الصحيح، والمنطق الذي يجنبنا الخطأ

لم تثمر الاحتجاجات والتظاهرات في تشرين الاول من عام 2019 من تحقيق ما كان يصبو اليه المحتجون، فكل شيء بقي في محله؛ المحاصصة السياسية، والفساد، وفقدان السيادة الحقيقية على البلد والوطن، فرأوا العودة الى الهدف الأسهل الذي ربما يترك أثره على الحياة السياسية والاجتماعية، وهي عرقلة دوام المدارس، وايضاً؛ الجامعات، فانطلقت الصفحات والحسابات على التواصل الاجتماعي تشيع لاحتمال تأخر بداية العام الدراسي الجديد بسبب احتمال انطلاق التظاهرات الاحتجاجية في تشرين الاول القادم، والمثير للشفقة والعجب؛ انضمام شخص رئيس الوزراء الى هذا المسعى، ربما في محاولة منه لإيصال رسالة شديدة الى الكيانات السياسية بأن لا يقتلوا الوقت أكثر من هذا، ولكن! هل يجب على تلاميذ المدارس حملها الى السياسيين؟!

جميعنا يريد الإصلاح وإنهاء المعاناة والازمات، ولو بنسبة معينة، إنما المهم في الأمر الأدوات للوصول، وقبل الأدوات؛ العقل الذي يرشدنا الى الطريق الصحيح، والمنطق الذي يجنبنا الخطأ، ومادامت القضية مرتبطة بشريحة التربويين؛ من معلمين ومدرسين ومشرفين وإداريين، فأرى الاحتكام الى العقل والمنطق أسهل من خلال رسالتين:

الاولى؛ لطيفة ومحببة الى شريحة الشباب المتحمس والمتوثب بطاقته، والمملوء ثقة بقدرته على التغيير والتأثير، بأن يتطلعوا الى المستقبل، وأن يعيشوا اللحظة دائماً، فالتلميذ اليوم هو المدير والوزير والرئيس غداً يحقق طموحات الإصلاح وإنقاذ الناس من معاناتهم، فعندما يستشعر التلميذ الصغير حقارة التعليم بشكل عام، كيف يمكنه التطلع الى مستقبل يكون فيه مسؤولاً عن تحسين أوضاع مجتمعه وشعبه؟

والسؤال الأهم والأكثر خطورة؛ كيف يرى التلاميذ للعلم أهمية في حل الازمات، فضلاً عن توظيف العلم لتحقيق منجزات اقتصادية وخدماتية للبلاد والعباد؟

📌 التلميذ اليوم هو المدير والوزير والرئيس غداً يحقق طموحات الإصلاح وإنقاذ الناس من معاناتهم

والرسالة الثانية شديدة الى دعاة ربط الاحتجاجات السياسية بمسيرة التعليم، فالمعلم والمدرس، وايضاً استاذ الجامعة تقع عليه مسؤولية أخلاقية وحضارية، الى جانب المسؤولية القانونية، بأن يكون مصدر إلهام للحكمة والتعقّل في اتخاذ القرارات المصيرية التي تتعلق بالتعليم والدوام في المدارس والجامعات، وأن يجسد دور الأب المربي للعلماء، وهو الدور الذي يهابه الساسة في العالم على طول الخط، ولذا نجد التعليم من القطاعات الاساسية في الدول المتقدمة.

العراق اليوم من حقه أن يعيش أفضل حالاته، وهذا ما نؤكده في عديد المقالات والكتابات، فهو لم تصدر منه اساءة او ضرر الى محيطه الاقليمي ولا الدولي، وليس فيه ظواهر اجتماعية شاذة على نطاق واسع مثل الادمان والانتحار والعنف المسلح، كما هو حال العديد من دول العالم، بل العكس تماماً، أحرز المراتب العليا في الكرم وحسن الضيافة وحسن التعامل مع الوافدين من الخارج، ومراتب ممتازة في المستوى العلمي والذهني.

كل هذه المعطيات تفرض علينا الحفاظ على سلامة القطاعات الاساسية في الدولة، ومنها؛ التعليم من التصدّع مهما كانت الظروف، فالذي يحافظ على سلامة التعليم واستقامته هو الذي يحقق الإصلاح الحقيقي في العراق.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا