مناسبات

هل هناك فلسفة خاصة للمشي الى زيارة الإمام الحسين؟

زائر الحسين يقوم بمواساة الحسين، عليه السلام، إنه يتعب لأن الحسين تعب، ويتأذّى في زيارته، لأن الحسين، عليه السلام، تأذّى في ثورته، ويجوع ويعطش في الطريق الى الحسين، لأن بني أمية فرضوا عليه العطش والجوع، وقتلوه جائعا عطشانا.

قال لي طبيب من أهل الكوت في بدايات نهضة العراقيين لإحياء زيارة الأربعين في عهد الطاغوت: حينما بدأ الناس يستعدّون للمشي الى زيارة الحسين، عليه السلام، في الأربعين قلت لصاحبي: ما هذا التخلّف؟

📌 زيارة الأربعين جامعة متحركة؛ فأنت في الطريق تزّكي نفسك، وتطهّر قلبك، وتتعوّد على الصلاة في وقتها، وتكسب لك اصدقاء من المؤمنين وتشاركهم في الطريق، بالإضافة الى ما تجده من الكرم الخالص لوجه الله

نحن في عصر الطائرات والقاطرات، والسفن، والسيارات، ومع ذلك نترك كل ذلك ونمشي لزيارة الحسين، عليه السلام؟

ورفضتُ المشاركة في السنة الأولى.

في السنة الثانية تعطّلت المنطقة التي أعيش فيها تماما في مناسبة الأربعين، فاضطررت الى أن أنضم الى آخر قافلة انطلقت من مدينتي.

وفي اليوم الأول من تلك الرحلة اكتشفت أن هذه ليست مجرد حركة مشي الى الزيارة، إنما هي جامعة متحركة، فأنت في الطريق تزّكي نفسك، وتطهّر قلبك، وتتعوّد على الصلاة في وقتها، وتكسب لك اصدقاء من المؤمنين وتشاركهم في الطريق، بالإضافة الى ما تجده من الكرم الخالص لوجه الله.

السؤال هنا: هل هنالك إذن فلسفة لمسألة المشي بالذات، وقد أحيا الائمة الطاهرون ذلك، وفي جاء في الحديث: “من اغتسل في الفرات ثم مشى الى قبر الحسين عليه السلام، كان له بكل قدم يرفعها ويضعها حجة متقبلة بمناسكها”.

وبداية من الإمام زين العابدين، عليه السلام، وانتهاءً بالإمام صاحب الأمر، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، كلهم يؤكّدون على ثواب المشي الى زيارة الحسين، عليه السلام، أي المشي مع وجود وسائل أخرى للوصول الى كربلاء، وهوأمر غير مألوف لدى الناس، فأنت عادة حينما تريد الذهاب الى مكان ما تختار أسهل الطرق وأقربها، وعادة ليست الوسيلة مهمة لك، بل الهدف، لكنّ من يحب الإمام الحسين، عليه السلام، حبّا جمّا يتعمد المشي بأقدامه، ولو عانى من ذلك التعب المضاعف والعناء والجهد.

هنا المشي بحد ذاته مطلوب، فهو وسيلة وهدف، كما أن زيارة الإمام الحسين، عليه السلام وسيلة لكسب رضا الله، وهدف في نفس الوقت.

الملاحظ أن الذين يمشون في الطرقات يُعرض عليهم الركوب في أرْفه السيارات، لكنّهم يختارون المشي ويرفضون الركوب، حتى الأطفال منهم، ولقد سُئلتْ فتاة صغيرة من الفتيات: لماذا لا تركبين؟

قالت: وهل رقية سمحوا لها بالركوب، ألم يجبروها على المشي وزحفوا بها على الأرض؟

وكثيراً ما تجد الذين يمشون في نفس الوقت هم حفاة، والسبب في ذلك هو المواساة ـ وهو أرقى فضيلة من الفضائل ـ ذلك أن هنالك الكرم، وهو أن تعطي من يسألك، والجود وهو أعلى منه، وهو أن تعطي من يحتاج بدون أن يسألك، وفوق ذلك الإيثار، حيث تقدّم للغير ما تحتاج إليه.

وفوق ذلك المواساة، فأنت تواسي السيدّة زينب، عليها السلام، عقيلة الهاشميين، وتواسي الإمام زين العابدين، عليه السلام، وتواسي أيضا الإمام صاحب الأمر الذي ربّما يكون مع المشاة، نفعل ذلك اقتداءً بهم، وكما فعل الصالحون في التاريخ.

ألم تكن فاطمة بنت أسد تمشي من مكة الى المدينة وتقول: “أمشي الى حبيبي رسول الله، صلى الله عليه وآله”.

ألم يمشي الإمام الحسن، عليه السلام، من المدينة الى مكة عشرين سنة والنجائب بين يديه؟

  • دلالات المشي الى قبر المولى الحسين عليه السلام

أولا: المحبة العارمة التي يشعر بها المؤمنون لله ولرسله، ولأوصياء الرسل، وللحسين عليه السلام، بالذات.

ألم ينزع عابس بن شبيب درعه لكي يخوض القتال ضد العدو، وحينما قيل له: أجننت؟

فقال: إن حب الحسين أجنني.

فالماشي يقتدي بعابس في حبّه للحسين، عليه السلام.

ثانيا: المواساة؛ فالماشي يريد أن يتعب للحسين، عليه السلام لأن الحسين، عليه السلام، تعب، يريد أن يتأذّى للحسين، عليه السلام، لأن الحسين، عليه السلام، تأذّى، يريد أن يجوع وان يعطش في الطريق الى الحسين، عليه السلام، لأن بني أمية أمية قتلوه جائعا وعطشانا.

أنت أحيانا تجد من يسألك أن تنزل ضيفا عنده، وحينما تستجيب يشكرك على ذلك، أي أنه يشعر بأن لك المنّة عليه إذ استجبت له.

في عرفات أنت تقف من بعد الظهر الى المغرب، فما الفرق بين أن تقف أو تجلس وتقرأ الدعاء؟

الفرق أن في الوقوف هناك تعب في سبيل الله.

📌المشي بحد ذاته مطلوب، فهو وسيلة وهدف، كما أن زيارة الإمام الحسين، عليه السلام وسيلة لكسب رضا الله، وهدف في نفس الوقت

إنّ الإمام الحسين، عليه السلام، يخضّب شيبته الشريفة بدمه ويتلبّس بالمصيبة لله ـ تعالى ـ ويقول: “هكذا أكون حتى  ألقى جدي رسول الله، صلى الله عليه وآله، مخضوب بدمي”.

ورقية حينما ترى رأس أبيها تقول: ” يا أبتاه مَن الذي خضّبك بدمائك”.

وميثم التمار حينما يبشره الإمام علي، عليه السلام، بأنه سوف يصلب على نخلة معينة فإنه يأتي كل يوم ويسقيها ويتعهدها.

وتعفير الخد أمام الله ووضع الجبهة على التربة في الصلاة هذا زيادة في الخضوع والخشوع، إذ يكون العبد متربا بين يدي الله وهو يسجد.

وهكذا فإن في المشي زيادة في التعظيم لمن يزوره المؤمن، وإقامة هذا من الشعائر العظيمة لله ليس فيها إلا التعب، وتحمل العنت في سبيل الحسين، عليه السلام، جاء في الحديث: “ما عبد الله بشيء أشد من المشي الى بيته”.

الطواف حول البيت مشيا على الاقدام، والسعي بين الصفا والمروة مشيا بينهما من العبادات العظيمة.

وكذلك نحن نمشي الى زيارة الحسين، عليه السلام، والمشي بحد ذاته له دلالة عظيمة على حبّنا للمولى أبي عبد الله، عليه السلام.

عن المؤلف

آية الله السيد هادي المدرسي

اترك تعليقا