أسوة حسنة

صدى الثورة

من أنتِ حتى تكوني لأعظم ثورة عرفها التاريخ  صوت و صدى، من انتِ لتتحملي النظر لأجساد منحورة وصرعى، وكيف لم تكترثِ لمصرع اولادكِ، بل جعلتي ذكرهم يذوب في ذكرى اخوتكِ عشقا وولاء، لا يتحمل ما جرى لكِ أقوى رجل ببدنه وروحه.

من اين جئتِ بكفين؛ كفٌ يعطي الحنان والعطف للنساء والصغار، وكفٌ يضرم النار في بيوت الظالمين والطغاة.

كيف جمعتي بين الألم والحزن واللوعة، والقوة و البأس والشجاعة، كيف لكِ سيدتي ان تصارعي آلمكِ وحزنكِ في جوفٍ مظلم خالٍ من الانصار والحُماة والاخوان والابناء والعزوة، جرت عليكِ مصائب مُرة وقاسية بكل انواعها واقلها شديدٌ على احدنا حتى انكِ لم تشعري بألم السياط  والقيود وثقل الحبال.

📌كيف جمعتي بين الألم والحزن واللوعة، والقوة و البأس والشجاعة، كيف لكِ سيدتي ان تصارعي آلمكِ وحزنكِ في جوفٍ مظلم خالٍ من الانصار والحُماة والاخوان والابناء والعزوة

نعم؛  كبلوا يديكِ خوفا منكِ ففيك ريح زمجرة حيدر وقالع  باب خيبر، يرتعدوا من اسمكِ فانتِ اخت العباس الذي اطعمهم مرارةَ الموت واطاح بجيوشهم، فصرتي رغم انفهم صدى لثورة الحسين، عليه السلام.

نعم؛ كيف لا تكوني صدى الثورة وصوتها  وقد تربيت في بيتٍ لا يعرف الخسارة امام الباطل، ولامعنى الهزيمة والرجوع للخلف، بيتٍ بناه الرسول الاعظم من رحيق تفاحة الجنة وسيف الله، فالتوازن بين الحب والقوة  وبين الشفقة  والبأس من أسس تربيتك ونسج روحك، فالحسين عندما خرج لثورة الاصلاح يعلم ان له أختٌ عالمة غير معلمة ستتحمل بقية أهداف الثورة وإكمال مسيرتها، فلا يمكن  قط لنار الثورة ان تخمد بعد استشهاده.

فارادوا بها الذل بسبيها ومن معها واخذهم  من بلاد الى اخرى، إلا ان ابنة الكرار استثمرتها ايما استثمار في اشعال جذوة الحزن على مصيبة الحسين في كل مكان، وإعلام الناس عن فاجعة كربلاء فعندما وصلت للكوفة زلزلت الناس بخطبتها، فانبرت تمطر عليهم بنبال حروفها: “أَلَا سَاءَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ وَسَاءَ مَا تَزِرُونَ لِيَوْمِ بَعْثِكُمُ فَتَعْساً تَعْساً وَنَكْساً نَكْساً لَقَدْ خَابَ السَّعْيُ وَتَبَّتِ الْأَيْدِي وَخَسِرَتِ الصَّفْقَةُ وَبُؤْتُمْ‏ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْكُمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أَتَدْرُونَ وَيْلَكُمْ أَيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وآله، فَرَثْتُمْ وَأَيَّ عَهْدٍ نَكَثْتُمْ، وَأَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَبْرَزْتُمْ وَأَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ هَتَكْتُمْ وَأَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ‏ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ‏ وَتَخِرُّ الْجِبالُ”، حتى  اخرستهم و أيقظتهم من غفلتهم وبدأت تلك الكلمات تحفر في نفوسهم، وتحرق مشاعرهم وضمائرهم، فعاشوا يقاسون عار ما فعلوا، و يلومون انفسهم لتركهم نصرة الحسين وسفيره، وحققت بذلك القاعدة المُثلى لأنصار الحق  على المدى البعيد، ونحن اليوم نلتمس نتائج وقع تلك الكلمات، إذ تغيرت حكومات وانتصر دم الحسين بعد الكثير من الحوادث وهذه  الكوفة اليوم تضج بالنياح والبكاء على الحسين وصراخ الموالين بلبيك يا حسين.

اما صدى خطبتها في الشام فكانت كحجارة من سجيل على رؤوسهم وفي عقر دارهم، هي كلمات وحروف، إلا ان لها وقع اقوى من السيوف، فعندما بدأ اللعين ينشد بالنصر اشياخه بدأت، تقرعه وتنزل عليه وبال الكلمات فشتت جمعه الذي بذل الكثير من الجهد والمكر واشترى الاقلام والالسن ليوهم الناس بان يزيد على حق وهؤلاء خوارج.

 وفي تلك الاجواء المشتعلة بالأفراح والتبريكات لانتصار يزيد المزعوم فجرت السيدة تلك الفقاعة المكذوبة بكلماتها الصادحة:  “وكيف لا تقول ذلك وقد نكأتَ القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماءَ ذريّة محمّد صلّى الله عليه وآلة، ونجومِ الأرض مِن آل عبدالمطلب وتهتف بأشياخك وزعمتَ أنّك تناديهم، فَلَتَرِدَنّ وَشيكاً مَورِدَهم، ولَتَوَدّنّ أنّك شُلِلتَ وبُكِمتَ ولم يكن قلتَ ما قلتَ وفَعَلتَ ما فعلت. اَللّهمّ خُذْ بحقِّنا، وانتَقِمْ ممّن ظَلَمَنا، وأحلِلْ غضبَك بمن سفك دماءنا وقتَلَ حُماتَنا، فوَ اللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك، ولا جَزَزْتَ إلاّ لحمك، ولَتَرِدنّ على رسول الله بما تحمّلت مِن سَفكِ دماءِ ذريّتهِ، وانتهكتَ مِن حُرمته في عِترته ولُحمته حيث يجمع الله شملهم، ويَلُمّ شعَثَهم، ويأخذ بحقّهم،حَسْبُك بالله حاكماً، وبمحمّدٍ خَصيماً، وبجبرئيل ظَهيراً، وسيعلم مَن سوّى لك ومكّنك من رقاب المسلمين (أي أبوك معاوية) بئس للظالمين بدلاً وأيُّكم شرٌّ مكاناً وأضعَفُ جُنْداً ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك”.

جدير بخطبتها  ان تنسج مدارس للبلاغة والفصاحة  فبين سطورها ملحمة الثأر تبدأ وترسم خارطة للأجيال القادمة لبيان خطى آل البيت وخطى الشيطان المتمثلة بآل معاوية ومن لف لفهم بجملتها: “ألا فالعَجَب كلّ العجب لقتلِ حزبِ الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء”،  قرنت حزبه بصفة الشيطان والطلقاء لتذكره بتاريخه المعوج.

بعدها  توجهت لله لتشتكي لتقول: “فإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكْرَنا”،  وهي العالمة بأن حزنها ولوعتها ستتجدد في قلوب شيعتها ومحبيها.

📌 اسست كعبة الصبر حزن هادف تبرز فيه الروح السمحة عند المؤمنين والعطاء والبذل بلا مقابل

 فلا نرى اليوم في كل ارجاء العالم قائد يقتل ظلما وتبقى ذكراه تتجدد في كل عام بهذا الكرنفال وبهذه الكيفية، وبهذا الحزن وبهذه اللوعة، وكأنه في يوم العاشر ينادي شيعته ليلبوا نداءه، فأرى من وجهة نظري  القاصر ان السيدة زينب بخطبتها تارة، وبإظهار حزنها ولوعتها على اخيها تارة اخرى أسس صدى خرق أذن التأريخ، ولا يمكن  ان يُبهت او يندثر.

 فقد اسست كعبة الصبر حزن هادف تبرز فيه الروح السمحة عند المؤمنين والعطاء والبذل بلا مقابل، إلا رضى الله من خلال مواساة  رسوله في ريحانته واستذكار ثورة الحسين يجسد استنكار الظلم واستبعاد الجهل وتقطيع حبائل الشيطان، وفقع عيون النواصب والاعداء على مدى الازمان ففي استذكار ثورة الحسين احياء للقلوب وازدهار للحياة.

السلام على عقيلة الهاشميين السلام على كعبة الصابرين وملاذا للحائرين  السلام على صدى ثورة اخيها الحسين.

عن المؤلف

كوثر عمران

اترك تعليقا