ثقافة رسالية

ما هي حدود تدخّل الدين في حياتنا الشخصية؟

طالعت خبراً في صفحة الفيس لاحدى القنوات الأخبارية العراقية، ومفاد الخبر: أن شابة عراقية كانت في سفرة الى دول جنوب أفريقيا، وخلال سفرتها تعرفت على أحد الأشخاص الأجانب ـ الذي يبدو أنه يدين  بغير الإسلام  وبعد أشهر من التواصل بينهما طرحت الموضوع على أهلها بُغية الاقتران بذلك الشخص.

وكعادتي دخلت اتجول بين التعليقات لأنظر أراء المعلقين، فكان هناك الرافض لهذا الأمر، وكان هناك المؤيد، ونقاشات كثيرة أفضت الى آلاف التعليقات؛ فمنهم من قال: هذه حياتهم وهم ادرى بها.. وآخر قال: الاسلام لا يجوّز مثل هذه الزيجات إذا كان الزوج غير مسلم..، وتباينت التعليقات، لكن ما لفت نظري أن بعضهم علق بما نصه: “شباب الدين علاقة بين الانسان وربه كل واحد هو حر شيسوي”.

الدين ليس علاقة بين الخالق والمخلوق

هناك مغالطة كبيرة يجري التروج في المجتمع، وقد وقع البعض ضحيةً لها وهي: أن الدين أمر شخصي بين الانسان وربه، ولا شأن للدين بحياته من قبيل علاقاته، وأكله، وشربه، وما شابه، وهذه الفكرة من الأفكار العلمانية، وهي فصل الدين عن مسرح الحياة.

وهذه الفكرة خاطئة جملة وتفصيلا، فالدين ليس طقوسا بين العبد وربه وحسب، بل الدين منهج حياة يرسم للإنسان خارطة متكاملة يمكنه السير وفقها في الحياة، حتى ينعم بحياة هانئة وسعيدة.

فنظرة عامة الى تعاليم الدين نجد أنها تتدخل في كل شؤون الإنسان الصغيرة والكبيرة، وقيمة التعاليم الدينية بمقدار احتكاك الفرد بعامة الناس، فالأخلاق ـ في نظر الإسلام ـ لا قيمة لها إذا كان الإنسان يعيش وحيداً فريداً بعيداً عن المجتمع، فمن يتحلى بالأمانة ـ مثلا ـ وهو لا يخالط، ولا يجالس أحدا، فليس هناك أي معنى لهذه الميزة الأخلاقية، وهكذا في سائر الآداب والتعاليم الإسلامية، وهذه من ميزات الدين الإسلامي.

الدين ليس طقوسا بين العبد وربه وحسب، بل الدين منهج حياة واقعية، يرسم للإنسان خارطة متكاملة يمكنه السير وفقها في الحياة، حتى ينعم بحياة هانئة وسعيدة

الدين ينظم العلاقات ويوجهها

لأن الله ـ تعالى ـ خلق الإنسان كائنا اجتماعيا يتفاعل مع من حوله، فيؤثر ويتأثر، أولت النصوص الدينية إهتماما بهذا الجانب، وأسست لقواعد يجب على الإنسان المؤمن التقيّد بها والسير على وفقها لينعم بحياة فاضلة.

فبداء من علاقته مع أقرب المقربين إليه الى المجتمع من حوله، جاءت عشرات النصوص الدينية لتنظيم هذا الحقل، يقول الله ـ تعالى ـ: {وبالوالدين إحسانا}، والإحسان مفهوم عام يندرج تحت كثير من المصاديق الكثير؛ كالإنفاق على الوالدين، والبر بهما، وما شابه،  يقول الإمام الصادق (عليه السلام) – في قوله ـ تعالى ـ: {وبالوالدين إحْسَانا}: الإحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين”. وبهذا المضمون جاءت الروايات الكثيرة في هذا الباب.

وكما أن الدين أقرَّ حقاً للوالدين، كذلك جعل للإخوة، والزوجة، ثم الأبعد فالأبعد، ففي حق الأخ يقول الإمام السجاد، عليه السلام: “وأما حق أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجئ إليه، وعزك الذي تعتمد عليه, وقوتك التي تصول بها. فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله. ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه، والحول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه، والإقبال عليه في الله، فإن انقاد لربه، وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن الله آثر عندك، وأكرم عليك منه”.

اما حق الزوجة، فقد شرع الإسلام للمرأة المتزوجة مجموعة من الحقوق الواجبة على الزوج، ليضمن بذلك سعادتها، وأن تعيش حياة كريمة، ومما يبدو أن تشريع الإسلام لهذه الحقوق ـ والله العالم ـ حتى تتمكن المرأة من بناء جيل مؤمن قوي، يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام، في حق الزوجة: “وحق الزوجة أن تعلم أن اللَّه عزّ وجلّ جعلها لك سكناً وأنساً، وتعلم أن ذلك نعمة من اللَّه تعالى عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك وتطعمها وتكسوها فإذا جهلت عفوت عنها”.

ما حدود بناء العلاقات مع الجنس الآخر في نظر الدين؟

ولأن الجنس من الأمور المهمة في حياة الإنسان، فقد أولت النصوص الدينية الأهمية البالغة بهذا الجانب الخطير، ذلك أن إبقاء هذا الجانب بدون أُطر وحدود سيفضي الى مآلات خطيرة، تسوق العوائل الىى التفسخ والانحلال الأخلاقي، وهذا ما نراه في العوائل الغربية.

الدين حرّم إقامة الرجل أي علاقة مع المرأة أو العكس، دون مسوّغ شرعي، فجعل الدين الزواج بابا للوصول الى المرأة، وعلى الرجال أن يسلكوا هذا المنحى الشرعي للوصول الى المرأة، أما غير الزواج، فإن الإسلام ينهى بشدة عن ارتباط الرجل بالمرأة تحت أي عنوان كان.

إن إقصاء الدين من مسرح الحياة يعني ابعاد الأخلاقيات والمبادئ من حياة الناس

 يقول الله ـ تعالى ـ: {ولا مُتَخِذِي أخْدَانٍ}، يقول سماحة المرجع المدرسي (دام ظله) في تفسير هذه الآية الكريمة: “أنك قادر على تبادل الهدايا مع أصدقائك أو أقاربك لأن ذلك التبادل لا يؤدي إلى الخلاف والنزاع، ولا يضعضع علاقاتك الاجتماعية الأخرى، ولكن لايجوز لك أن تبادل امرأة أجنبية الحب والجنس كهدية متقابلة، لأن الجنس قضية هامة في حياة البشر، وركن أساسي من أركان التعاون الاجتماعي، فلو سمح لنا القانون بأن يكون الجنس حسب أهواء الطرفين، ومن دون الضوابط القانونية لكانت نهايته تفكيك عروة من العرى الاجتماعية، ولتزلزلت أرسخ قاعدة من قواعد التماسك الاجتماعي، من هنا فرض الإسلام أحكاماً في العلاقة الجنسية، وأمر بأن يكون ترابط الطرفين بينهما على أساس هذه الأحكام، وليس لمجرد الصداقة واتخاذ العلاقة كهدايا متبادلة إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ واعتبر القرآن الخروج عن هذه الأنظمة بمثابة الخروج عن الدين، إذ أن الفكر ليس قولًا إنما هو عمل وسلوك. (من هدى القرآن، ج‏2، ص: 187).

أما فيما يخص زواج المسلمة من غير المسلمين، فقد اجمع فقهاء المسلمين على عدم جواز زواج المسلمة بغير المسلم أي كان دينه يقول ـ تعالى ـ: {وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}. (سورة البقرة الآية221)، فالزوجة عادة ما تكون تحت هيمنة الزوج وتأثيره، ولا يصح ان يقع المسلم تحت سيطرة الكافر: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}.  فقد يكون ذلك سبباً لصرفها عن دينها، أو لضعف التزامها بدينها. ولعل في قوله ـ تعالى ـ: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}، اشارة الى ذلك.

إن إقصاء الدين من مسرح الحياة يعني ابعاد الأخلاقيات والمبادئ من حياة الناس، ذلك أن القيم الاخلاقية التي تتسم بها مجتمعاتنا الاسلامية مستوحاة من صميم الدين الاسلامي، ولذا علينا العودة الصادقة الى الدين لنحيا حياة طيبة وكريمة، يقول الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، ودعوة الله ورسوله إنما هي دعوة الى الدين الذي فيه حياتنا، فبمقدار استجابتنا لله ولرسوله تكون حينها حياتنا طيبة وكريمة.

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا