حدیث الناس

العنف الأسري.. لماذا لا نحل مشاكلنا في بيتنا؟

في شهر الصيام، شهر الله، حيث الجميع يلبون دعوة الضيافة الإلهية، يرجون رحمته وفضله وغفرانه، وإذا يتفاجأ الجميع بعمل شنيع أبعد ما يكون عن الاجواء الرمضانية؛ أب مخمور أو فاقد للعقل ينهال على ابنته الصغيرة ذات التسع سنين ضرباً بعصا غليظة وهي نائمة فيهشّم رأسها لتفارق الحياة بعد فترة قليلة.

ما تتناقله الاخبار والتقارير في وسائل الاعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ليس كل ما يجري في البيوت وخلف الجدران من تجاوزات واساءات بمختلف الاشكال تصدر من جميع افراد الأسرة دون استثناء، فاذا كان العنف الجسدي يصدر من الرجل، في مقام الأب أو الأخ الأكبر، فان العنف اللفظي، الى جانب الجسدي ربما يصدر من المرأة في مقام الزوجة، او الأخت، او الكنّة، او حتى الأم في بعض الاحيان، وهذه حقيقة ربما نماري بها، ثم نقرّ بها عندما ينتشر مقطع فيديو، او خبر صاعق تكون الضحية فيه فتاة حديثة الزواج، او شاب جامعي او فتاة أو طفل صغير.

📌 المصادر القضائية تتحدث عن ارقام تقديرية للعنف الأسري، فثمة حالات كثيرة لا تُسجل بسبب الصمت والخوف من العواقب، بما يدعونا لتفعيل خيارات رديفة اخرى

ولأن القضية حساسة ومثيرة للمشاعر، نتوسل فوراً بالقانون وأذرعه التنفيذية (الشرطة) لحل هذه المعضلة بشكل سريع ومضمون النتائج، على أن الردع يصدر من أحد كيانات الدولة، ولا مجال للجدال والتمرد، ورغم عدم وجود قانون خاص يعالج العنف الأسري بشكل محدد في العراق، فان المجتمع يتطلع الى بعض القوانين الراعية لضحايا العنف الأسري مثل قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل، وايضاً؛ قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، وقانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983.

ولا يخفى أهمية القانون كوسيلة ردع فاعلة لمثل هكذا ظواهر اجتماعية سيئة، بيد أنه لن يكون ناجحاً وموفقاً لوحده ما دامت القضية تتعلق بممارسات تقع ضمن جدران البيوت، وليس في الشارع، وقد أكد القادة الأمنيون غير مرة ، أن عمليات مكافحة الجريمة والارهاب وكل ما يخلّ بالأمن العام، لن ينجح إلا بتعاون المواطنين، فالمواطن بإمكانه الكشف عن خيوط الجريمة، كما بامكانه التستّر على الجريمة وعلى المجرم ايضاً، فما عسى القوى الأمنية أن تفعل بإزاء ذلك؟

المصادر القضائية نفسها تتحدث عن ارقام تقديرية للعنف الأسري فثمة حالات كثيرة لا تُسجل بسبب الصمت والخوف من العواقب، بما يدعونا لتفعيل خيارات رديفة اخرى، وهي مهمة ثقافية –توعوية بامتياز يشترك فيها خطيب المنبر الحسيني، وإمام المسجد، والمراكز التعليمية، والاعلام، الى جانب فعاليات تقوم بها هيئات وتجمعات دينية في الاحياء السكنية، وأن يكون العمل تأسيسي ينطلق من البذرة الصغيرة في المدارس والجامعات حيث الفتاة الصغيرة والشاب قبل ان يصلا الى مرحلة النضوج والزواج، وأن يعرفوا أهمية الايمان بقيم مثل العفو، والاحسان، والاحترام المتبادل، والتواضع، والإيثار، في تحقيق السعادة بالحياة، ومن دونها يكونوا مسؤولين عن مشاهد العنف الأسري، سواءً يكونوا هم أبطال الحدث، أو يكونوا الضحية.

إن حالات العنف الأسري ليست وليدة لحظتها، كما هي مختلف الجرائم التي يرتكبها الانسان، فهي تعود الى عوامل نشوئها في منهج تربوي خاطئ، الى جانب مؤثرات خارجية تترك أثرها في النفس خلال سنوات ماضية، وفي لحظة غضب مفاجئة تنفجر التراكمات السلبية باشكال مختلفة بوجه الضحية.

لنأخذ على سبيل المثال؛ حبّ الأنا، او الاعتداد بالنفس، وهي حالة تبدو طبيعية، بل ويعدها البعض من “حسنات الشخصية الناجحة”، وأن لا يفرط بنفسه وبقدراته، بيد إن انطلاق هذه الحالة النفسية دون تحديد للمسار وضبط للمعايير، من شأنها التغوّل الى حدّ “عبادة الذات”، بحيث لا يبقي حيزاً لكلمة ناصحة، او مُرشدة، او حتى ملاحظة بسيطة في النفس، فكل ما يأتي من الخارج بعكس رغبات وأمنيات النفس البشرية، يكون مصيره الضرب بيد من حديد، او مواجهة عنيفة بمختلف الاشكال، وإلا كيف نفسر معلمة في مدرسة تعرّض ساق ابنتها الصغيرة والتلميذة للكيّ لانها تكلمت في الصف بما عرضها للإحراج أمام الطالبات.

📌 مكافحة العنف الأسري يحتاج لضخ روح السِلْم والمودة والثقة، وكل المفاهيم الاخلاقية والانسانية داخل الأسرة من خلال تظافر الجهود والمبادرات والفعاليات داخل المدارس والجامعات

وكذا الحال بالنسبة للطفلة الضحية في الآونة الاخيرة، فان السؤال موجه الى الأم قبل الأب؛ اذا كان هذا الأب معروفاً بعدم اتزانه النفسي، ربما لادمانه على المسكرات او المخدرات، او أي شيء آخر، يفترض ان تترك اطفالها في مكان واحد مع هكذا انسان، وقد جرّب العراقيون فكرة “العزل المنزلي” خلال جائحة كورونا، بما لم يعهدوه من قبل، عندما تغلّبت الاجراءات الصحية على مكانة الأب او الأم، او حتى شيخ العشيرة، فالمصاب منهم يُعزل في مكان بعيد عن الآخرين، يأكل وينام وحده، بينما نلاحظ اليوم انسان غير سويّ ينام وبكل أمان الى جانب طفلة صغيرة مثل الورد، ثم يسحقها على حين غفلة.

مكافحة العنف الأسري يحتاج لضخ روح السِلْم والمودة والثقة، وكل المفاهيم الاخلاقية والانسانية داخل الأسرة من خلال تظافر الجهود والمبادرات والفعاليات داخل المدارس والجامعات، بعقد ندوات مفتوحة يُدعى اليها أولياء الأمور، وايضاً رجال القانون والفقه، و خبراء علم النفس وكل من له يد بيضاء وافكار عميقة تعالج الاسباب الكامنة خلف ظاهرة العنف الأسري، عندئذ سنشهد تراجع هذه الحالات من داخل البيوت.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا