مناسبات

التوبة المرفوضة!

التوبة المرفوضة، وتعني الخاتمة السيئة، نهاية حزينة ومرعبة، مصير سوداوي، هلاك كبير، وخسارة فادحة لكل اعمال الحياة، وهدم الاهداف التي من اجلها وجد الانسان على ظهر هذه المعمورة، ففي قوله تبارك وتعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا باللَّه ورسوله واليوم الآخر بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ}.

من خلال التأمّل في هذه الآية المباركة يُبان من هم المرفوضة توبتهم؟

إنهم المسلمون او الذين دخلوا في الدين واعلنوا اسلامهم رغبة او رهبة، ثم خرجوا منه بعد أن حصلوا على ما يريدون، أو أمِنوا مما يخافون منه، من خلال الحقد المتغلغل في داخل نفوسهم، فعملوا على التشديد في كلماتهم القاسية ضد الإسلام ومواقفهم العدوانية ضده، لأن مثل هذا العمق العدواني، وهذا الانتقال السريع من الإيمان إلى الكفر الذي تطور إلى زيادة في مضمونه وحركته، و يوحي بأنهم لا يملكون الجدية في إيمانهم، فلم يدخل إلى قلوبهم، بل كانت المسألة تمثيلية للوصول إلى أغراضهم الخبيثة، مما يعني أن إيمانهم الجديد الذي تعبر عنه التوبة لن يكون بأفضل من إيمانهم القديم الذي أعقبه الكفر، فهم اللاعبون على خط الكفر والإيمان، والتائهون في تمزقات مشاعرهم التي لا تثبت على قاعدة ولا تتحرك في الاتجاه المستقيم.

يجب ان نحذر وننتبه من نوع آخر من الشرك، وهو: “الشرك الخفي”، إنه من أكبر العقبات  لقبول التوبة، ومصداقه الاعتماد على غير الله

أمّا الذين يموتون وهم كفار، ويفاجأهم الموقف بالعذاب الشديد، فسيحاولون أن يدفعوا عن أنفسهم ذلك بكل أنواع الفدية، أو يتمنون ذلك، ولكن اللَّه يحسم الموقف فلا مجال للفدية مهما عظمت، فلا يقبل منهم شيء منها حتى لو جاؤوا بملء الأرض ذهبا، لأن خطيئة الكفر لا يفتديها شيء، {فإن اللَّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ}.

التساؤل هنا؛ هل المسألة أعلاه مقتصرة على المسلمين الأوائل فقط؟

بالطبع كلا، لان الكتاب الكريم حُكمهُ جارٍ الى يوم القيامة.

فرغم ان باب التوبة جعله الله تبارك وتعالى مفتوحاً ومباحاً للجميع إلا بعض الحالات، أهمها الشرك بالله فقد صرّح سبحانه بغفران الذنوب إلاّ الشرك به، جلَّ وتنزَّه عن ذلك كله .

📌 الحذر من الشِرك الخفيّ

لعل البعض يستبعد تماماً وقوعه في هكذا امر، ونسأله تعالى ان يعيذنا منه فهو الطامة الكبرى والهاوية العظمى نستجير بالله منها، إلا اننا يجب ان نحذر وننتبه من نوع آخر من الشرك، وهو: “الشرك الخفي”، إنه من أكبر العقبات  لقبول التوبة، ومصداقه الاعتماد على غير الله، و ترك التوكل عليه، والتركيز على المخلوقات بانها هي سبب الارزاق، او هي التي تدفع الاضرار، مما يجر المرء لذل المعصية، و ارتكاب كل المحذورات من اجل ارضاء من يعبدهم؛ سواء كانوا أرباب عمل او غيرهم، ويفعل ذلك من غير ان يشعر بانه يشرك بالله.

📌 ليست التوبة مقبولة عند الله من الذين يعملون السيئات ويقترفون المعاصي، ويستمرون عليها، حتى إذا حضر أحدهم الموت وانقطع منه حبل الرجاء في الحياة، فيقول حينئذ: إني تبت الآن!

فيجب علينا؛ اخوتي واخواتي ان ننتبه، وقد وردت الكثير من الادعية التي نستطيع الاستعانة بها ليقينا الله شر الشرك الخفي.

فعن ابي موسى الاشعري قال: خطبنا رسول الله، صلى الله عليه واله وسلم، ذات يوم فقال: يا ايها الناس اتقوا الشرك فإنه اخفى من دبيب النمل، فقال من شاء ان يقول: وكيف ان نتقيه وهو اخفى من دبيب النمل يا رسول الله. قال: قولوا “اللهم انا نعوذ بك ان نشرك بك ونحن نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه”. (كنز العمال خ 8849 )

و ورد عن الامام زين العابدين، عليه السلام، في دعاء السحر: “اللهم اني استغفرك لما تبت اليك منه ثم عُدتُ فيه واستغفرك لكل خير أردت به وجهك فخالطني فيه ما ليس لك”.

📌 تعمّد العمل السيئ اكبر سبب لرفض التوبة

أوضح الله سبحانه ايضا صفات الذين لا تُقبل توبتهم، {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.

أي؛ وليست التوبة مقبولة عند الله من الذين يعملون السيئات ويقترفون المعاصي، ويستمرون على ذلك، حتى إذا حضر أحدهم الموت بأن شاهد الأحوال التي لا يمكن معها الرجوع إلى الدنيا، وانقطع منه حبل الرجاء في الحياة، فيقول حينئذ: إني تبت الآن! أي؛ قال في هذا الوقت الذي لا فائدة من التوبة فيه: إني تبت الآن.

وقوله تعالى: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} أي وليست التوبة مقبولة من الذين يموتون وهم على غير دين الإسلام، فالآية الكريمة قد نفت قبول التوبة بين فريقين من الناس:

أولهما: الذين يرتكبون السيئات صغيرها وكبيرها، ويستمرون على ذلك بدون توبة أو ندم حتى إذا حضرهم الموت، و رأوا أهواله، فقال قائلهم: إني تبت الآن، وقد كرر القرآن هذا المعنى في كثير من آياته، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}، وقوله تعالى حكاية عن فرعون: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}.

وعدم قبول توبة هؤلاء في هذا الوقت سببه أنهم نطقوا بها في حالة الاضطرار لا في حالة الاختيار، ولأنهم نطقوا بها في غير وقت التكليف.

وثانيهما: الذين يموتون وهم على غير دين الإسلام، ثم بين الحقُّ سبحانه، سوء عاقبتهم فقال تعالى: {أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، أي أولئك الذين تابوا في غير وقت قبول التوبة، وهنا لابد من وقفة، بعضهم يقول عندما أكبر سأتوب، وهذا من الاخطاء الخطرة التي لا يعلمها شبابنا، او يتغافل عنها، أولاً: لا نعلم بأي وقت مماتنا؛ بشبابنا أم بكبرنا؟ فلا نضمن الفرصة حينها. ثانياً: لا قبول لتوبة شخص تعمد الرذيلة، أياً كانت، وما ان تتهالك صحته يعمد للتوبة مضطراً لها، فيقول تعالى قد هيأنا لهم عذاباً مؤلماً و موجعاً بسبب ارتكاسهم في المعاصي، وابتعادهم عن الصراط المستقيم الذي يرضاه سبحانه لعباده.

إن باب التوبة مفتوح امامنا، لنسارع الدخول به لكسب مرضاة ربنا قبل ان يؤصد بوجوهنا فنكون من الخاسرين.

عن المؤلف

كوثر عمران

اترك تعليقا