أسوة حسنة

سجينٌ علمنا الحرية.. امامنا الكاظم عليه السلام

وكيف لسجينٍ يُعلم الحرية وقد سُلبت منه؟

ذلك هو الامام السابع وهو الكوكبٌ الدري الذي تألق في سماء الإمامة، وشمسٌ من شموس الدين  في هذه  الدنيا، إنّه الإمام موسى بن جعفر الكاظم، عليه السلام، أحد أعلام الدين وحجة الله على العالمين، لقب بالكاظم، سلام الله عليه، لأنه وصل لذروة الخلق و السمات  المحبوبة عند الله آمن وانفق وكظم غيضه وعفا عمن اذاه، فتربع على عرش الانسانية والسخاء والجود والايثار على النفس فنعم الامام الصابر الأبي، قال الله ـ تعالى ـ في محكم كتابه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، زجته الطواغيت جسداً في طامورة  خوفاً من نوره الذي يزيح ظلمة ظلمهم وحكمهم الباغي، فينجلي عن الناس ذلك الوهم فيتركونهم وينقلبون عليهم، فهارون عليه لعائن الله انبرى يتفنن في تعذيبه واخفاءه ولكن يأبى الا ان يُتم نوره.

اي حريةٍ علمنا إياها مولانا الكاظم؟

عندما نتداول كلمة الحرية نحن المنصفون المعتدلون مؤكد لا يذهب الفكر إلا للحرية من قيود الفكر الآثم، وفي جولة قصيرة في طامورته، سلام الله عليه، الضيقة جدا في حجمها الواسعة جدا باحتضانها سليل النبوة ومعدن العلم وقطب رحى الارض يملؤها نوره وفيض حلمه وعلمه وعند اطلاعي القاصر على بعضٍ من وصايا امامنا لهشام بن الحكم  ومنه مفتاح يحررنا من بعض قيود الحياة وطامورتها  قائلاً: يَا هِشَامُ لَوْ كَانَ فِي يَدِكَ جَوْزَةٌ وَ قَالَ النَّاسُ لُؤْلُؤَةٌ مَا كَانَ يَنْفَعُكَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا جَوْزَةٌ وَ لَوْ كَانَ فِي يَدِكَ لُؤْلُؤَةٌ وَ قَالَ النَّاسُ إِنَّهَا جَوْزَةٌ مَا ضَرَّكَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لُؤْلُؤَة”. (بحار الانوار، ج‏1، ص: 136).

  • التحرر من قيود رضا الناس

يختصر لنا المولى الصابر مفهوم علّهُ اذا تكلم به متكلماً شارحاً اياه سيُسهب به كثيراً، إلا ان ابن البيت المحمدي بلغ علواً كبيراً ببلاغتهِ ببضع كلمات اختزل هذا المفهوم الكبير.

واقعا هنالك من الناس من يبالغ كثيرا بإحراز رأي الاخرين وحرصه ان يكون ايجابياً، لا على امرٍ مهم فبكل شيء، بمظهره بتصرفاته بلبسه بعمله بسفره بكل امر يتعلق به، فيقيّد نفسه بما يقوله الناس

واقعا هنالك من الناس من يبالغ كثيرا بإحراز رأي الاخرين وحرصه ان يكون ايجابياً، لا على امرٍ مهم فبكل شيء، بمظهره بتصرفاته بلبسه بعمله بسفره بكل امر يتعلق به، فيقيّد نفسه بما يقوله الناس (لا افعل كذا لان فلان لايفعله)، أو (ساشتري كذا لان فلان اشترى).

فالتقييد الخانق  باستحصال رضا الناس تارة، والإنقياد لهم بالتقليد لما هم عليه بالباطل تارة اخرى، ظلمٌ حقيقي للنفس يحررنا منه امامنا الحر بروحة المسجون ببدنه.

 فعندما نبدأ من فهم التحجيم في الرضوخ الى كل ما هب ودب من الآراء والافكار، ومرواً  بعرض انفسنا على الدين واهل العلم  والعقل لتقويم انفسنا وتقييمها،انتهاءاً بالتحرر من التأرجح  والمعاناة من تقليد الناس او الرضوخ لرضاهم.

  • التحرر من التجارة الخاسرة

الوصية الاخرى من مولانا الكاظم لهشام بن الحكم نستلهم: “يَا هِشَامُ إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ وَ لَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ رَبِحَتْ تِجَارَتُهُم”‏.

من هذه الوصية العميقة نستخرج لآلئ لا حصر لها؛ منها ان الانسان اللاهث وراء الدنيا من غير حكمةٍ ولا هدف سوى حُب جمع المال اما جمعه فقط بُخلا منه، او انفاقه في المأكل والمشرب فقط، فسبحان الذي خلق الانسان في احسن تقويم لولا الفكر والطاقة العظيمة التي خلقها  الله ـ تبارك وتعالى ـ في الانسان طاقة العلم والمعرفة النافعة لبني البشر لان العلم من غير نفع تعبٌ للجسد فقط .

فحُريٌ بالعاقل ان يفهم انه خُلق من اجل حكمة إلهية، لا لأجل ان يأكل ويشرب ويتكاثر فقط، فبهذا الحال سيكون مع الحيوان على حدٍ سواء.

فاراد الامام الكاظم، عليه السلام، في وصيته  يضع الهدفية للإنسان وينظم حياته الاجتماعية والدينية وحتى الاقتصادية ويحرره من التجارة الخاسرة التي لا تتعدى حدود اشباع البطن، فوجود الحكمة والعلم والمعرفة  كمثل الانهار العذبة تصب في بوتقة تكوين انسان متحرر من قيود البخل والجري وراء الاموال، انسانٌ يعي قيمة النِعم فلا يصرفها إلا في رضا الخالق ـ عز وجل ـ.

  • التحرر من قيود الجهل والغفلة

الوصية الثالثة: قال الامام الكاظم في وصيته لهشام: “فضلُ اَلْعَالِمِ عَلَى اَلْعَابِدِ كَفَضْلِ اَلْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ اَلنُّجُومِ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ”.

نعم؛ كلنا يعرف تلك الغيمة السوداء الكالحة التي تُخّيم على مُجتمعاتنا وللأسف الشديد، هي غيمة التجهيل والتغييب والتغيير للمبادئ والقيم التي تسير بسفن الانسان للغرق ،هنالك جهات معروفة باستهداف شبابنا وبناتنا في المجتمعات الاسلامية بحراف مسارهم، الذي لو زال قائماً لسارت كل المجتمعات وراء مجتمعاتنا الاسلامية المنقادة لأوامر المتوازنة اخلاقيا وانسانيا واقتصاديا فيرفل الجميع تحت عيش آمن بحسب توجيهات الشريعة الغراء.

فحُريٌ بالعاقل ان يفهم انه خُلق من اجل حكمة إلهية، لا لأجل ان يأكل ويشرب ويتكاثر فقط، فبهذا الحال سيكون مع الحيوان على حدٍ سواء

ولكنهم وللأسف البالغ قد أفلحوا في تجهيل القافلة وتغيير مسارها من المنهج الاسلامي الانساني المعتدل الى الافراط او التفريط.

فعلى الاباء و الامهات بذل اقصى الجهد في الحرص على تعليم ابناءهم الاكاديمي والديني لحمايتهم من وبال غيمة الجهل والتحرر منها والنجاة، وامتثالاً لوصية امامنا العظيم الذي ابرز العلم والعالِم ومثلهُ بالقمر المنير على سائر النجوم فضلا حتى على العبادة الخالية من العلم والمعرفة والفهم لمراد الله.

  • التحرر من الانانية و سوء الخلق

وختاما و لقصر المقام نرتشف من وصاياه ايضا اذ قال، عليه السلام: “السخي الحسن الخلق فی کنف الله لا یتخلی الله عنه حتی یدخله الجنة و ما بعث الله نبیا إلا سخیا و ما زال أبي یوصيني بالسخاء و حسن الخلق حتی مضی”.

 وهاتين الكلمتين خفيفتين في اللسان ثقيلتين عبئا وكدرا على كاهل وأكتاف مجتمعنا، كم نعاني اليوم من الابتذال والسوداوية في التعامل، يحررنا مولانا ويرسم لنا طريق الخروج من جحر سوء الخلق، في استنهاض الهمم والشد على ايدي المتصدرين من على  المنابر والمعلمين واصحاب الفكر النير والاباء والامهات في مجتمعهم البيتي الصغير.

 أما  آن  الاوان ان ننتبه  من التغافل ولو للحظة من عدم النصح والحرص على التذكير المستمر بالتحلي بالخلق والتحرر من مستنقع الانجراف والانحراف الاخلاقي والديني وبذاءة اللسان، والتجاوز علناً على القيم وتحطيمها مما يجعل الآخرين مستهينين بها، فلمَ مظاهر اللبس المعبر عن خبث اخلاق شبابنا او بناتنا عن اللبس المتعري لا يُمنع ويُقيد بقانون الآداب. 

أمانُنا بحفظ اخلاقنا من التشويه والتبديد بعدم متابعة من لا خلق له ولادين ومن غير ان نشعرعلى مواقع التواصل الاجتماعي بحجج كثيرة للتسلية وللمشاهدة فقط.

وكأن المياه الآسنة لسوء الخلق تسير من تحت اقدامنا وتخنقنا برائحتها النتنة، متناسين ان: “من أحب عمل قوم حشر معهم” نحتاج لجيوشٍ من الاصلاح للدفاع والتحرير من آفة الاخلاق، والله المستعان.

عن المؤلف

كوثر عمران

5 Comments

  • احسنتِ ست كوثر فعلا الانسان بامكانه ان يسجن نفسه بقيود التقليد والتتبع بجهل وغفلة، وامامنا الكاظم ع اراد لنا الحرية حتى لو كانت تحت الارض.

    • احسن الله اليكم واثابكم و نالتكم شفاعته في الاخرة وقبول زيارته في الدنيا شكرا لتعليقكم الطيب استاذة امنه

  • سلمت أناملك استاذتنا الفاضلة ولكم منا وافر الشكر والتقدير

اترك تعليقا