حدیث الناس

لماذا المشي الى الكاظمية؟

مع حلول ذكرى استشهاد الإمام الكاظم، عليه السلام، نرى الجحافل المليونية تتجه بقلوبها واجسادها نحو الكاظمية المقدسة، ولكن هنا لابد من طرح التساؤل التالي: لماذا المشي الى الكاظمية؟

 وما هي دلالات هذا المسير؟

لم ترد على ألسنة أهل البيت، عليهم السلام، ولا رواية واحدة تدعو الى المشي الى الإمام الكاظم، عليه السلام، بخلاف الروايات الكثيرة والمستفيضة في التأكيد على المشي الى الإمام الحسين، عليه السلام، فعن الحسين بن ثوير، قال أبو عبد الله، الصادق، عليه السلام: “يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي، عليهما السلام، إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال : ان رسول الله، صلى الله عليه وآله، يقرؤك السلام ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى”. وغيرها من الروايات المعتبرة التي وردت في أفضيلة المشي الى الإمام الحسين، عليه السلام.

فماذا عن المشي الى الكاظمية؟

إن وجود تلك الخصيصة ـ المشي الى كربلاء المقدسة ـ للإمام الحسين، عليه السلام، لا يعني عدم تطبيقها على سائر المعصومين، وإنما كانت هناك روايات خاصة وردت لبيان أهمية قضية الإمام الحسين، عليه السلام، وإلا فمقام الائمة المعصومين، عليهم السلام، عند الشيعة هو مقام واحد، {لانُفَرّقُ بَيْنَ أَحَد مِنْهُم}، وإنما دلالة المسير الى الإمام الكاظم، عليه السلام، وغيره من المعصومين، هي الدلالة العاطفية الوشجية، والتي تنبئ عن ارتباط الشيعة الوثيق بأئمتهم، رغم الفارق الزمني الكبير.

  • الغيب والبحث عن الحلول المفقودة

مع أن الزائر اليوم الذي يقطع عشرات الكيلو مترات وربما أكثر من ذلك، مع أنه بعيد عن زمن الإمام الكاظم، عليه السلام، وبُعد المدة الزمنية، إلا أن ما يشده هو العامل الغيبي الذي يردم الفجوة الزمنية.

فشخص الإمام الكاظم، عليه السلام، غائب عنا، إلا أننا ما زلنا نستحضر حياته، بما تمثله من مواقف وعبادات وعلاقات اجتماعية وما شابه.

وقضية الإيمان بالغيب مهمة جداً لو استوعبت بالشكل المطلوب، الذي يريده النبي والأئمة الطاهرين من بعده، ولذلك فإن من أهم صفات المتقين هو الايمان بالغيب،  “والذي يعني تجاوز الحقائق التي يشهدها الإنسان مباشرة للوصول إلى تلك التي لا يشهدها مباشرة. هذه المقدرة التي تجعلنا- نحن البشر- نحصل على ميزة العلم بالمستقبل (الغيب) عن طريق معرفة الحاضر (الشهود) والعلم بالماضي (الغيب) عن طريق مشاهدة آثاره على الحقائق الحاضرة (الشهود).

في عقيدتنا ـ الشيعية الجعفريّة ـ أن النبي الأكرم، وأهل بيته المعصومين، صلوات الله عليهم، يسددون أتباعهم في كثير من الأمور المستعصية، فكما كانوا وهم احياء يقضون للناس حوائجهم، فهم بعد موتهم لا زالوا أبوابا لرحمة الله

 هذه الصفة تتعمق في المتقين إلى درجة الإيمان فهم يؤمنون بالمستقبل ولا يقفون عند معرفته فقط، ويؤمنون بالماضي ولا يتوقفون عند العلم به فحسب، وفرق كبير بين الإيمان والعلم. الإيمان هو التسليم النفسي والعقلي للعلم، وتطبيقه على الحياة فعلا. وأعظم الغيب وأظهره هو الإيمان بالله الذي انتشرت آياته الظاهرة على كل أفق وفي كل شي‏ء، والإيمان به أصل الإيمان”.  (من هدى القرآن، ج‏1، ص: 158).

ومع ما يعيشه العراق من أزمات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وما أشبه، يتوجه المؤمن الى مشيا على الاقدام الى زيارة الإمام الكاظم، عليه السلام، بحثا عن حلول للمشاكل المختلفة، التي عجزت المؤوسسات عن ايجاد الحلول الناجعة لها.

وفي عقيدتنا ـ الشيعية الجعفريّة ـ أن النبي الأكرم، وأهل بيته المعصومين، صلوات الله عليهم، يسددون أتباعهم في كثير من الأمور المستعصية، فكما كانوا وهم احياء يقضون للناس حوائجهم، وهم بعد موتهم لا زالوا أبوابا لرحمة الله، والطريق المؤدي إليه، ولذا نقرأ في زيارة أمير المؤمنين، عليه السلام: “أَشْهَدُ يَا مَوَالِيَّ أَنَّكُمْ تَسْمَعُونَ كَلامِي، وَتَرَوْنَ مَقَامِي، وَتَعْرِفُونَ مَكَانِي”.

  • فوائد الاتباط بالإمام

إن زيارة الائمة بشكل عام، والإمام الكاظم، عليه السلام، بشكل خاص ـ ونحن نعيش ذكرى استشهاده ـ بالإضافة الى أنهم يسددون شيعتهم في شتى الأمور، إلا أن الارتباط بهم له فوائد كثير منها:

أولا: أن زيارتهم والارتباط بهم سبب للهداية والصلاح: وذلك أن المؤمن حينما يرتبط بأهل البيت، عليهم السلام، فإن ذلك الارتباط ينعكس الى صلاح الإنسان وهداية سلوكية، وفكرية، وأخلاقية، فحين نقرأ السيرة العطرة لحياتهم، نجد المنهج القويم الذي سلكوه الى بلوغ ذرى الايمان والتقوى.

ثانيا: الاستقرار الروحي والنفسي: جميعنا يمر بأزمات كبيرة؛ من قبيل فقد الأحبة، أو التعرض الى خسارة مالية، أو فوت منفعة ما، وهذا من شأنه خلق أزمة نفسية عند الفرد، لكن حين نتذكر مصائب أهل البيت، عليهم السلام، تطمئن نفوسنا، وتهدأ ارواحنا، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: “من أُصيب بمصيبة فليذكر مصابه بالنبي، صلى الله عليه وآله، فإنه من أعظم المصائب”.

وكما أن النبي الأكرم اصيب بشتى صنوف المحن والبلايا، فإن أهل بيته كذلك عانوا ما عانوا، ولاقوا القتل والتشريد، والهجرة، بدء من الإمام علي، عليه السلام، الى الإمام العسكري، عليه السلام.

شخص الإمام الكاظم، عليه السلام، غائب عنا، إلا أننا ما زلنا نستحضر حياته، بما تمثله من مواقف وعبادات وعلاقات اجتماعية وما شابه

وإذ تمر علينا هذه الأيام، ذكرى شهادة الإمام الكاظم، عليه السلام، نستذكر مصائبه في السجن، وحادثة استشهاده المؤلمة بالسم، وما تلاها من ترك جثمانه الطاهرة ثلاثة أيام على الجسر! فمن منا قد مرّ بمصاب أعظم من هذا؟!

ثالثا: طاعتهم وجعلهم مناراً للاقتداء: إن الادعاء بالانتماء الى أهل البيت، عليهم السلام، سهل على اللسان نطقه، لكن ما هو أهم من ذلك هو طاعتهم والسير على نهجهم، يقول الإمام الباقر، عليه السلام، لجابرٍ: “يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ فو الله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون – يا جابر-  إلاّ بالتواضع والتخشّع والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرّ بالوالدين، والتعهّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خيرٍ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء”.

قال جابرٌ: فقلت: يا بن رسول الله.. ما نعرف اليوم أحدًا بهذه الصفة؟

فقال، عليه السلام: “يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول: أحبّ عليًّا وأتولاّه، ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله  فرسول الله خيرٌ من عليٍّ ثمّ لا يتّبع سيرته، ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً، فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحدٍ قرابةٌ، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ (وأكرمهم عليه) أتقاهم وأعملهم بطاعته.

 يا جابر فوالله ما يتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءةٌ من النار، ولا على الله لأحدٍ من حجّةٍ، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليٌّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوٌّ، ولا تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع”.

وبهذا يصنع الائمة المعصومون، عليهم السلام، الصلة الوثيقة بينهم وبين شيعتهم، وهناك أمور أخرى لا يسع المقام لذكرها من الآثار الدنيوية والأخروية نتيجة الارتباط بالنبي، وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله عليهم.

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا